مدحت باشا، الوالي العثماني على العراق ١٨٦٩-١٨٧٢ الملقب بأبي الدستور العثماني وخالع السلاطين

مدحت باشا، الوالي العثماني على العراق ١٨٦٩-١٨٧٢الملقب بأبي الدستور العثماني وخالع السلاطين

إستطاع السلاطين العثمانيون خلال ثلثمائة سنة أن يجعلوا من بلادهم إمبراطورية مترامية الاطراف تمتد ممتلكاتها الى حدود النمسا وإيطاليا ، وتسيطر على جزر البحر الابيض المتوسط الشرقية وعلى بلاد الجزائر وطرابلس الغرب وتونس ومصر في افريقيا الشمالية . وتخضع لها شبه جزيرة العرب وما وراء بغداد والموصل حتى الخليج العربي وينبسط نفوذها الى سواحل البحر الاسود الجنوبية والشرقة وشبه جزيرة القرم وتخوم بولونيا.

ولكن هذا الاتساع العظيم في رقعة المُلك وتعدد الشعوب التي كانت تعيش فيها محتفظة بقومياتها ولغاتها وأديانها ونشوء طبقة مترفة من الارستقراطيين واصحاب الاقطاعات الواسعة تستحكم في افراد الرعية وتستبد بهم. ، وإنحطاط أكثرية السكان الى حضيض الفاقة والجهل.إن كل ذلك ادى الى فوضى مخيفة رانت على البلاد العثمانية فتزلزلت اركان الحياة الاجتماعية وفسدت الاخلاق والضمائر وأخذت تسير نحو الخراب والانهيار.
ولم يكد يبزغ فجر القرن التاسع عشر حتى كانت تلك الدولة الكبيرة قد وقفت على منعطف خطير من تاريخها حيث بدت حدودها المترامية تتقاصر أبعادها شيئاً فشيئاً. وأخذت الثورات الداخلاية تنشب في ممتلكاتها المختلفة ولاسيما في بلاد البلقان وجعلت الدول الاوروبية الكبرى تتطلع اليها طامعة بإقتطاع بعض الاراضي التابعة لها. وكان الصرب اول من رفع علم الثورة على الحكم العثماني ثم ثار اليونانيون ووقفت انكلترا وفرنسا وروسيا الى جانب اليونان.


ظهور مدحت باشا
في ذلك العصر العصيب والزمن العجيب ظهرمدحت باشا وظهرت دعوته الى الحكم الديمقراطي بحيث تحكم الامة نفسها بنفسها لا أن يحكمها السلطان بأهوائه وشهواته والمقرببين منه.
نشأ مدحت باشا نشأة عصامية فبلغ اعلى مراتب الدولة بجده وخلقه وصدق وطنيته . وما لبث أن اضحى سياسياً كبيراً ومحرراً عظيما ومثلاً يحتذى في كرامة الخلق ورجاحة الحلم وصلابة العقيدة والجرأة في الرأي.
فتح ذلك المصلح الكبير عينيه للنور سنة 1822م 1238 هـ في استنبول يومذاك ثالث مدينة في العالم من حيث الكبر والاتساع، وكانت غارقة في نوم عميق طال أمدهوحان وقت الانباه منه.

كانت استنبول صورة مصغرة عن تلك الامبراطورية الواسعة الارجاء
كان ابوه الحاج حافظ محمد أشرف قاضياً مستنيراً عرف بالاستقامة والنزاهة والميل الى التجديد والاصلاح فسماه (أحمد شفيق) وكان له أستاذاً لفقه القرآن وعلمه مباديء الانشاء. ثم ادخله الى الديوان الهمايون ، فتعّلم الخط الديواني الخاص بهذا القلم . وكانت العادة جارية بتسمية من يتخرج في هذا الديوان باسم جديد ، فأطلق عليه اسم ( مدحت ) الذي عُرف به.
في القرن التاسع عشر إتضح تخلف الدولة العثمانية عن اوروبا ، بحيث باتت هذه الدولة تسمى ( الرجل المريض)
وبالطبع كان للرجل المريض بعض المحبين وخاصة من أبنائه وهم الذين ارادوا حقاً شفاءه من مرضه، بمعنى آخر ارادوا له الاصلاح والتقدم.
ومن هنا ندب مدحت باشا نفسه لهذه المهمة العظيمة: الاصلاح ،أي تحقيق ما أخفق فيه غيره من سلاطين وتنظيمات . وكانت النتيجة أن أتى إستبعاد السلطان عبد الحميد على أنقاض مشروع مدحت باشا الاصلاحي كما هو معروف.

مدحت باشا في بغداد
شهدت بغداد بعد زوال حكم المماليك سنة 1831 م عدداً كبيراً من الولاة وكانت مدة بقائهم في العراق تختلف إختلافاً بيناً وليس لمعظمهم شأن يذكر في تاريخ العراق الحديث الى أن انيطت شؤون العراق بمدحت باشا ، الوالي العبقري الذي خلدته اصلاحاته العمرانية في العراق ، كما خلدته حركته الدستورية ودعوته للتحرر، في ارجاء الامبراطورية العثمانية كلها.
وصل مدحت باشا الى بغداد في اليوم الثلاثين من شهر نيسان سنة 1969 وبقي في العراق الى يوم الثالث عشر من مايس سنة 1872 اي ثلاث سنوات حسب التقويم الشمسي. لكن ما عمله خلال هذه الفترة القصيرة يدل دلالة واضحة على إخلاص عظيم مقرون بهمة عالية ومواهب عديدة لا تحصى.

وكان الصدر الاعظم ( مصطفى رشيد باشا) قد تنبه الى ذكاء مدحت باشا فصار يوليه الوظائف المهمة التي برز فيها جميعاً. ورغب في أن يعينه لولاية بغداد بعد أن اتسعت تجاربه ونمت خبرته في ولايات الدانوب ، وبعد أن كملت معلوماته عن شؤون الدولة العثمانية اثناء إشغاله رئيس مجلس شورى العثمانية.
ومن الاعمال التي قام بها مدحت باشا في بغداد حين كانت الفوضى في العراق ضاربة اطنابها ، فرأى أن من الحزم أن يضع حداً لثورات العشائر أولاً فقام بتأديبها ، وخاصة في ناحية (الدغارة) واراد أن يجعل من عمله هذا رادعاً للقبائل الاخرى التي هدأت احوالها نسبياً أثناء ولايته ثم شعر أن من اللازم إدخال نظام التجنيد الحديث في بغداد اولاً وفي العراق كله ثانياً.
ثم ادرك بفكره الصائب بأن الانعاش الاقتصادي والتحدي لا يتم الا باصلاح المواصلات وتيسيرها. وادرك أن نهري دجلة والفرات صالحان للملاحة النهرية فإشترى ثماني سفن صارت تغدو وتروح بين بغداد والبصرة ومنها الى الخليج ناقلة البضائع والحاصلات الزراعية، كما أن البواخر ( بابل ونينوى ونجد ) كانت تذهب الى استنبول ثلاث مرات في السنة ومرة واحدة الى بريطانيا.

وهكذا راحت بواخر(شركة لنج) التي كانت قد تأسسيت في العراق للقيام بالنقل البحري قبل هذا العهد بفترة من الزمن ، وكان لوجود هذه الشركة أهمية للتمهيد لتوغل النفوذ البريطاني في العراق. وقد اشترى ايضاً بواخر لحفر شط العرب والانهر لبقائها صالحة بصورة دائمة للملاحة النهرية.
على أن إصلاحات مدحت باشا الاساسية كات بشأن الاراضي في العراق وتثبيت حقوق الفلاحين والمتصرفين الحقيقيين الذين تقع على عواتقهم تبعة إصلاحها وزيادة حاصلاتها. وقد عبّر مدحت باشا عن هذا المعنى ابلغ تعبير بقوله في تقريره المرفوع الى الباب العالي" أن أهل كل بلد هم اصحابه ومالكو خيراته وعليهم يتوقف عمرانها ، فحرمانهم حقهم في الملكية والاراضي يعني أنهم غرباء عنها لا يمتون اليها بصلة ، فلا ينتظر أن يقوموا بإعمارها وأن ذلك ليتنافى مع ابسط القوانين الطبيعية وحقوق التصرف المقدسة.
وعلى هذا فقد سعى حثيثا لاصلاح الاراضي في العراق وتثبيتها على اسس عادلة متينة. وشكل لجاناً لتحديد الاراضي وتثبيت حقوق ذوي العلاقة فيما عرف بعد ذلك بـ(تسوية الاراضي)

كما شملت اصلاحات مدحت باشا مختلف نواحي الحياة ، فإعتنى بالشرطة وأقام اسلاك البرق ونظم البريد ورتب العراق إداريا وقسمه الى وحدات بصورة متسلسلة، ولا تزال تنظيماته الادارية جارية – مع بعض التحوير الذي تطلبه تغير الاحوال) الى اليوم. وكان يرى ان الخطوة الاولى لتربية الشعب تربية حرة تؤهله بجدارة لممارسة النظام النيابي. وان يكون رئيس البلدية منتخبا من اهالي البلدة ذاتها غير معين.
وقد إعتنى بدائرة الطابو (دائرة تسجيل الاموال غير المنقولة) وكان يهدف من تسجيل العقار وتثبيت حقوق الملكية توطين العشائر وجعلهم مستقرين في أماكن معينة. كما انشأ المدارس والمعاهد الصناعية والمستشفيات والملاجيء والدوائر الرسمية.

واقام مطبعة في بغداد وأنشأ جريدة(الزوراء) باللغتين العربية والتركية) واقام معامل للنسيج والطحين والثلج ومعملا في بعقوبة لتصفية النفط المستخرج من مندلي ، ومعملاً لاصلاح البواخر في البصرة ومعملاً للحديد.

كما فتح الشوارع في بغداد وأنشأ حديقة عامة فيها، وربط الكاظمية ببغداد بـ( الترامواي)او ما يسميه البغداديون بـ( الكاري) وربط جانبيها بجسر جديد ، كما أنشأ مدينتي ( الناصرية) في لواء( المنتفك) والعشار على شط العرب في البصرة ، كما انه الحق الكويت بالعراق وجعله تابعاً للبصرة ، وأخضع الاحساء ونجد وأقام الحصون والقلاع في مختلف الانحاء المهمة.
ومن المؤلم انه لا يتاح لهذا المصلح العظيم ان يقيم طويلاً في العراق فاضطر الى الاستقالة اثر الدسائس التي دبرها خصومه في الاستانة( استنبول) وعندعودته الى الاستانة فتحت له من جديد آفاقاً واسعة واصبح بعد ذلك صدراً اعظم- رئيس وزراء - ثم صار الزعيم الذي عقدت عليه آمال مثقفي الامة العثمانية ومفكريها. مما جعله يلقب بـ(أبي الاحرار) .

دعوة مدحت باشا الى الديمقراطية
رأى مدحت باشا أن اساس ضعف الدولة وفسادها هو الاستبداد، فدعا الى الديمقراطية وحكم الدستور والقانون والمساواة بين المواطنين ومكافحة الفساد. ودعا الى الحرية مثلما دعا الى العدل، وبالجملة فقد دعا الى نمط الدولة العصرية التي رأها مجسدة في اوروبا القرن التاسع عشر آنذاك.
تلك كانت سبل مدحت باشا وتياره الى الاصلاح والنهوض ومداواة الرجل المريض ، ولكن كان للآخرين رأي آخر هو الذي إنتصر وهو( دوام الاحوال على ما هي عليه) وهكذا هُزم مدحت باشا ، وإنتصر الرأي السائد ، فكان انتصاره هذا هو هزيمة الدولة العثمانية وإستمرارها متوسدة سرير المرض. الى أن أتت اللحظة المناسبة لموت أو إماتة هذا المريض في الحرب العالمية الاولى كما هو معروف ، لكن تركيا نجحت عبر أتاتورك في إحياء إصلاحات مدحت باشا فحفظت ما يمكن حفظه وتقدمت ما امكنها التقدم.


مدحت باشا والسلطان عبد الحميد الثاني
شهدت تركيا في الفترة التي صعد بها السلطان عبد الحميد الى العرش العثماني عام 1876 صراعاً قوياً بين رجلين على جانب عظيم من القوة والدهاء والحنكة هما مدحت باشا وعبد الحميد . وقد رأينا كيف إنتصر مدحت باشا على عبد الحميد بمساعدة الاوضاع الداخلية والظروف الدولية وصعود موجة الحرية في البلاد ، فاعلن الدستور الذي وضعه وكان عبد الحميد يخادع مدحت باشا قبل صعوده الى العرش زاعماً له انه يوافق على اعلان الدستور، مصرحاً بأن الدولة لا تستطيع حل مشاكلها الحاضرة والخروج من وهدتها الا اذا عملت به، وقد رأى نفسه مضطراً الى مجاراة مدحت باشا في هذه الاراء لأن أبا الاحرار كان في تلك الايام الرأس المفكر في الدولة واليد التي تعمل على ادارة دفة الامور وتوجيه الفئات المختلفة من اوساط الشعب.
ولابد هنا أن يشتد الصراع بين مدحت وعبد الحميد ويبلغ أوجه في المرحلة التي اعقبت اعلان الدستور ، فقد كان لابد من أن تثير الاعمال التي يتصرف بها ابو الاحرار كأنه رئيس وزراء في دولة اوروبية دستورية راقية والتي تؤلف حوله القلوب وتجمعها على حبه والاعجاب به.
حفيظة السلطان عبد الحميد الذي ايقن بأن الامر اذا استمر على هذا الحال فمعناه زوال نفوذه وفقدان سيطرته
ولا ريب أن ابا الدستور- مدحت باشا – كان يدرك ما يضمره عبد الحميد للدستور وحماته من عداء متعاظم، وكانت خطة مدحت باشا الاسراع بتنفيذ الدستور .إذ لم يقم بين سلاطين آل عثمان خلال الستمائة سنة التي إنقضت على الحكم العثماني رجل أشر من عبد الحميد. أو نداً له في إستبداده وجوره. فقد الغى الدستور الذي أقسم الايمان المغلظة بإعلانه والمحافظة عليه وسجن عدداً كبيرا من الاحرار أو نفاهم الى الولايات النائية الذين كانوا السبب الاول في صعوده الى الحكم .
ومن العجب أن لاينتبه مدحت باشا الى المؤامرات التي كانت تحاك حوله في الخفاء ولا يتخذ حيطة لها. اذ كان يسير عالماً بأن سيرته تلك مناقضة تماماً لما يريده السلطان
لم تدم صدار مدحت باشا في عهد السلطان عبد الحميد سوى 48 يوما .وفي اليوم الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني سنة 1877 اقيل من منصبه ونفي من بلاده وهو في حدود الخامسة والخمسين من عمره..
وأخيرا امر عبد الحميد بتشكيل محكمة لمحاكمة مدحت باشا وعدد من انصاره بتهمة مقتل عمه السلطان عبد العزيز وكان المتهمون خمسة عشر منهم السلطان مراد ووالدته والجارية الذين اصدر عبد الحميد عفوا عنهم مكتفيا بالصاق تلك الجريمة ببعضهم منهم مدحت باشا.
وجرى نقل المعتقلين الى الباخرة ( عز الدين) فسارت بهم الى جزيرة رودس ومنها الى ميناء بوسعيد فالبحر الاحمر ثم رست في جدة فإنزل المنفيون الى البر وسجنوا في منزل هناك ثم سيقوا الى مكة ومنها الى الطائف التي تقرر ان تكون مقراً لهم
ولم يكد المنفيون في سجن الطائف الذي إنتقلوا فيه من متاعب السفر وقسوته الى عذاب أمر وأقسى حتى اضيف اليهم زميل جيد هو شيخ الاسلام ( حسن خير الله أفندي)
وما كاد مدحت ورفاقه يصلون الى الطائف حتى أمر بنقله الى السجن الذي إعتقلوه فيه ، كي يعاني العذاب الذي يعانون . ويؤكد بعض المعتقلين ان رجال عبد الحميد لم يدعوا وسيلة من الوسائل التي تسيء الى مدحت ورفاقه . فقد احاطوا الطائف بالجنود وفرقتين من المدفعية ثم ارسلت لواء للتجسس على الجميع . ثم حضر الميرلاي محمد لطفي الى الطائف ويبدو انه هو الذي أختير لقتل مدحت.
كانت آخر رسالة تلقتها أسرة مدحت باشا منه مؤرخة في 18 نيسان سنة 1883 وقد قال فيها " ستكون هذه الرسالة آخر رسائلي على ما اظن لانهم قطعوا عنا الطعام وأخذوا الورق الاقلام وضيقوا علينا الخناق ، كما اخبرتكم في رسالتي السابقة ، وهم يريدون تسميمنا واحداً بعد واحد ، وقد ظهرت نيتهم هذه ظهور الصبح لكل ذي عينين". ثم روى امثلة من اعمالهم ومحاولاتهم.
ولم تتلق الاسرة بعد ذلك الا رسالة واحدة ارسلها اليها حسن خير الله أفندي شيخ الاسلام السابق ينعاه فيها اليهم. مؤكدا لهم أنه لم يمت من المرض الذي إعتراه كما قيل بل قتله عملاء السلطان.
ويروي الشيخ كيف تم مصرع مدحت باشا فيقول : أن ذلك قد حدث في ليلة العاشر من نيسان 1883 إذ بقي في تلك الليلة الميرلاي والبكباشي بكر في الحجرة الكائنة على باب الثكنة، وحاصرا السجناء بعدد من الجنود . وفي الساعة الخامسة اوقظ الحاج شكري اغا خادم محمود باشا وجيء به الى البكباشي بكر في حجرة هناك . ثم فارق بكر الثكنة وتوجه الى دائرة السجناء ووضع جنديين على باب كل مسجون ووضع في ساحة السجن عدداً من الجنود شاكي السلاح.
وكان علي بك نجل نامق كمال نائماً مع مدحت في حجرة واحدة فحطموا باب الحجرة بعد منتصف الليل واخرجوه منها ودخلوا على مدحت باشا فخنقوه ،فلم يقل لهم سوى كلمة واحدة حسب أنها تردعهم وكانت خليقة حقاً لو فقهوا لها معنى وهي "أن الجندي يحافظ على وطنه ولا يرتكب الجنايات". ثم حطموا باب حجرة محمود باشا ودخلوا عليه ، وكان الملازم محمد اغا قد احضر حبلاً فوضعوه في عنقه وعذبوه عذاباً أليماً بعد أن كسر احد الجنود ذراعه بعصاه . ولما استشهد الرجلان اخذوهما الى الساحة ودفنوهما قبل بزوغ الفجر.
ويقال ان الطاغية السلطان عبد الحميد لم يطمئن الى موت ابو الاحرار فظلت الهواجس تعصف به حتى ارسل الى الطائف أمراً بحفر قبره وفصل رأسه عن جسده وارساله اليه ليتحقق من موته . فنبش القبر وفصل رأس مدحت عن جثمانه ووضع في صندوق ارسل الى الاستنانة فلما تسلّمَ عبد الحميد هذه الهدية إطمأن وشاع السرور في قلبه
ولكن عبد الحميد أخطأ في الحساب والتقديرذلك أن مدحت باشا لم يكن جسدا يفنى إذا قطع ومزق و مثلّ به أشنع تمثيل.. بل كان بذرة خيرة وحق وحجرية زرعت في تربة الشر والباطل والاستبداد . فما زالت تنمو وتسمو حتى عدت شجرة عظيمة أثمرت ثمراً حسناً وإمتدت فروعها شرقاً وغرباً وطولاً وعُرضاً وبسطت ظلها الوارف على الوطن الذي تمخض بتلك البذرة الطيبة زمناً طويلاً.


نهاية السلطان عبد الحميد
هو الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية ، تقسم فترة حكمه الى قسمين الاولى دامت سنة ونصف لم تكن له سلطة فعلية والثانية حكم خلالها حكماً فردياً يسميه معارضوه ( دور الاستبداد) وقد دام قرابة ثلاثين سنة اذ تولى الحكم عام 1876 وخلع بإنقلاب عام 1909 قاده الضابط العراقي محمود شوكت شقيق رئيس الوزراء العراقي حكمت سليمان . وكان محمود احد قادة كمال اتاتورك حينما توجه على رأس قوة عسكرية احتلت استنبول ثم قصر( يلدز) - قصر السلطان عبد الحميد – واجبرته على الرحيل عن الحكم والخروج من تركيا وابعد الى ( سالونيك) وهي الخطوة الاولى لاسقاط الخلافة العثمانية.فوضع رهن الاقامة الجبرية هناك حتى وفاته في 10 شباط/فبراير 1918 وخلفه اخوه محمد رشاد للفترة من 27 نيسان/ابريل .1909 الى 3 تموز/يوليو 1918 .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

916 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع