عبد الرحمن محمد عارف يروي خفايا أحداث 17 تموز 1968

   

عبد الرحمن محمد عارف يروي خفايا أحداث 17 تموز 1968  

  

                 اعداد / د.هادي حسن عليوي

ماذا جرى صبيحة السابع عشر من تموز عام 1968 في العراق، وكيف سيطر الانقلابيون على القصر الجمهوري؟ ومن ثم ارغام عبد الرحمن محمد عارف رئيس الجمهورية على مغادرة العراق الى المكان الذي يرغب فيه، مقابل الحفاظ على حياته وسلامة عائلته.

كل ذلك وغيره من احداث سمعها العراقيون عن لسان المنتصرين، لكنه لم يسمع رواية طرف المعادلة الثاني، في هذه الحلقات يكشف عبد الرحمن محمد عارف رئيس الجمهورية آنذاك احداث قصة 17 تموز عام 1968.
يبدأ الرئيس عبد الرحمن محمد عارف روايته قائلا:

                          

تسلمت تقريرا من مديرية الامن العامة صبيحة يوم 17/ 5/ 1968 جاء فيه انهم رصدوا بعض التحركات السياسية لعناصر بعثية دائمة الاتصال بعبد الرزاق النايف، وترتئي الدائرة عدم التحرش فيهم حتى تكتمل الصورة لعناصرها القيادية، وقد قمت بالاتصال فورا بالنايف وأبلغلته ان هناك عناصر بعثية تستغل اسمك في التحرك، فنفى ذلك، وأعرب عن عزمه لاعتقال من هو بعثي الا انني فضلت تأجيل الامر، كي لا افسد تحريات قوات الامن.

            

عندها عرفت ان هناك حركة ما لقلب نظام الحكم، وعلى اثر ذلك دعيت الى اجتماع في 28/ 5/ 1968 ضم اربع عشرة شخصية عسكرية وقومية من بينهم اعضاء في حركة الثوريين العرب الذين تركوا العمل قبل اسابيع، اضافة الى عبد الرزاق النايف وابراهيم الداود وولدي قيس وفي الاجتماع تمت مناقشة ما جاء في ذلك التقرير، من دون الايحاء الى مصدره، فأجاب النايف دون الاخرين:

بان ما ورد اليكم سيدي الرئيس هراء وليس له صحة والاحوال على جانب من الاستقرار الكبير

ويضيف الرئيس عارف:

طرح النايف علينا اقتراح نقل ضابط وضباط صف من الوحدات الفعالة المرابطة في بغداد او القريبة منها للشبهات التي تحوم حولهم لانهم من البعث العربي الاشتراكي، كما اقترح اعادة 27 ضابطا اوقفوا عن العمل بعد حركة تشرين الثاني عام 1963 ومنحهم جميع حقوقهم المغبونة، وتبين لي ”يقول عارف بعد انقلاب 17 تموز ان ضباط القائمة الاولى كانت من البعث اليساري”الموالي لسوريا “ والقائمة الثانية من البعث اليميني ”جناح عفلق “ وكان النايف يهدف من ذلك ابعاد القائمة الاولى كي لا تجهض حركتهم الانقلابية من قبل جماعة البعث اليساري.

ويكمل عارف حديثه مع الباحث هيثم غالب الناهي المنشور في كتابه خيانة النص قائلا:

  

استلمت خبرا في الثاني من حزيران مفاده ان السفارة البريطانية تلتقي بصورة مستمرة مع بعض الضباط، ما زالوا في السلك العسكري وبعضهم من المتقاعدين، وقد شوهد كل من حردان التكريتي واحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش واكرم الياسين يزورون السفارة البريطانية ليلا على شكل مجموعات لم تتجاوز الاثنين، وبواقع مرتين للفترة الماضية، التي لم تتجاوز الشهرين كما شوهد احمد حسن البكر مرات عدة يزور السفارة البريطانية منفردا كل ثلاثة ايام مع بزوغ الفجر حتى لا يكشف امره.

فقررت استدعاء البكر دون الاخرين لمعرفتي بكيده ونواياه وسبق وان حذرته من اللعب بما لا يحمد عقباه قبل سنة، حين كانت هناك شكوك حول تحركه السياسي، فتم اللقاء في داري مساء الثامن من حزيران عام 1968 وحين وصوله مترجلا من مسافة بعيدة من الباب الرئيسي صاح بمجرد ان رآني:”سيدي الرئيس انت فخر، انت عزة، لولاك ماكان لي اثر “.

فقلت: اجلس احمد، لي حديث خاص ومحرج معك، واحلفك بالله ان تجيبني بصراحة وتخرج معززا مكرما، خبرني هل انتم بصدد انقلاب وتغيير نظام الحكم، واذا كان كذلك لماذا تتجهون للاجنبي؟”شنو عدكم انسويه، العراق ما يتحمل نكسة “.

     

الا ان احمد حسن البكر ما ان انتهيت حتى قال لي بالحرف الواحد:

سيدي انت تدري، انا حتى من البعث اعلنت براءتي وانا الان تماما بعيد عن العالم السياسي.

  

فسألته وزياراتك للسفارة البريطانية فاجاب بكل صلافة:

سيدي تعتقد اخون وطنيتي وموقفي من الانكليز وازور سفارتهم وانا واحد من ضباط 14 تموز وانت اكثر العارفين، ونبيك محمد وشايه.. “.

         

                      صالح مهدي عماش

فقلت له: اسمع احمد زين، وبلغ حردان وصالح وجماعتك الاخرين ما في اسهل من الاعتقال، لكن لا اريد ان اسيء لمن حمل الرتبة العسكرية وبعضكم كان معنا في خلايا ثورة 14 تموز 1958.

فراح البكر مجيبا:” سيدي والله لم افكر يوما بالتآمر عليك، ولم افكر يوما ان اطمح اصير رئيس، والواقع انا لحد يومك هذا أتأرق واخجل من رئاستي للوزراء في عام 1963 وما نتج عنها، انت اهلا للقيادة ونحن اتباعكم، راح اطلع منك للبيت الى ان انت دز عليّ

وفعلا كما يذكر عبد الرحمن عارف ان البكر التزم داره حتى دخول البعثيين القصر الجمهوري وسألتهم: اين احمد؟ فقال في الاذاعة يذيع البيان الاول للثورة!فقال لهم: بلغوه ان عبد الرحمن يقول:”ان من علامته اذا وعد اخلف

ويقصد عارف بذلك الحديث النبوي الشريف علامات المنافق ثلاث.. اذا وعد اخلف واذا تحدث كذب واذا ائتمن خان “.
في السابع عشر من حزيران سلمت الامن العامة الرئيس عارف تقريرا مفصلا عن خيوط الانقلاب العسكري وبمساعدة دول اجنبية من خلال سعد صالح جبر وناصر الحاني ويقول قيس نجل الرئيس عارف:

      

لم ار والدي حزينا مثل ليلة الثامن عشر من حزيران ولم اره مترددا مثلما وجدته ذلك اليوم، فمرة يأمرني الاتصال بفلان للحضور ومرة اخرى بعد دقائق يتراجع.

ومع صبيحة التاسع عشر من حزيران اتصل الرئيس عارف بالاستخبارات العسكرية واطلعهم على ما ورد له من تفاصيل، وطلب حضور كل من عبد الرزاق النايف وابراهيم الداود، ويقول الرئيس عارف:

حين واجهت النايف والداود بما يضمرانه مكيدة لي، تناول ابراهيم الداود كتاب الله ”المصحف الشريف “ من على طاولتي وقالا نحلف بالقرآن نحن اتباعك ونحميك اكثر من انفسنا ولا نتآمر عليك، ولكي يؤكد النايف موقفه مني قام على اثر ذلك بالقاء القبض على العديد من الضباط وضباط الصف والمدنيين من البعثيين، قدرت اعدادهم حينذاك بمائة واربعة وستين عسكريا وعدد لا يستهان به من المدنيين لان التقرير الذي ورد الي ينص على ان هناك انقلابا عسكريا يقوم به البعث العربي الاشتراكي مع دولتين عربيتين مجاورتين.

           

ويذكر الرئيس عارف ان المعلومات تلك اخذت من شخصيتين اردنيتين تم القاء القبض عليهما، وهما يرومان دخول السفارة البريطانية ببغداد بالمستمسكات بعد ان روقبا بدءاً من دخولهم الاراضي العراقية.لكن تبين فيما بعد ان عبد الرزاق النايف قد قام باعتقال العسكريين والمدنيين من البعثيين من جناح سوريا ليبقى الشارع فارغا لجناح عفلق.

ويبدو مما تقدم وسيرة عبد الرحمن عارف ان هذا الرجل كان حسن النية بدرجة مفرطة، فكيف لا يتحقق من الاشخاص المعتقلين بمعزل عن النايف اذا كانت التقارير تشير الى تورطه بالانقلاب! خاصة ان التقارير تؤكد ان جناح عفلق هو المتآمر وليس البعثيين بشكل مطلق!

      

ويبدو ان الصورة تتكرر فالبرغم من تقارير الامن والتحذيرات العديدة من الداخل والخارج فان عبد الاله”الولي على العرش “ ونوري السعيد بقيا مترددين ولم يتخذا ما يتطلبه الامر للحفاظ على النظام الملكي، وها هي نفس الصورة تتكرر لدى عبد الرحمن عارف.

المهم ان الرئيس عبد الرحمن عارف طلب من ابنه قيس الاتصال بالصحفي سامي فرج علي مراسل جريدة الانوار اللبنانية في بغداد وحال مجيئه يقول الرئيس عارف:

اخبرته مباشرة بوجود مؤامرة وشيكة الوقوع ضد العراق، ترأسها بريطانيا وتدعمها دولتان عربيتان ماليا وعسكريا والبعث هو المرشح.عليك بنشر تلك المعلومات من دون ذكر اسمي” اي اسم الرئيس عبد الرحمن عارف “ لكوني لا اريد الاحراج مع الدول المجاورة.

 

وكان صيد جريدة الانوار سمينا فقد نشرت المعلومات وبشكل تفصيلي مع تعليقات موسعة، ومانشيتات رئيسية وفي اليوم التالي تناولت الصحف الاخرى”عربية واجنبية “المعلومات واخذت تحلل ما اثار ضجة واسعة وقتها.

لكن سامي فرج علي لم يلتزم بما طلبه عارف من عدم ذكر اسمه وعدم الافراط ببعض التفاصيل بل ذكر كل ماحواه اللقاء والمعلومات التي تسلمها كما حذرت الانوار اللبنانية الشعب العراقي من مغبة عودة البعث ثانية كل ذلك جعل سامي فرج علي اول معتقل سياسي بعد 17 تموز عام 1968.ومع كل ذلك فالنتيجة هي وقوع الانقلاب في صبيحة 17 تموز.. ولم يفاجأ عبد الرحمن بدخولهم القصر، وكان جاهزا ليس كعادته فعندما سئل اين ترغب الذهاب؟ اختار عارف تركيا لسببين:

الاول قربها من وطنه الذي اجبر الرحيل منه والثاني لكونه توا كان عائدا من تركيا، وقد سلم اليه مفتاح مدينة اسطنبول فاجلالا لهم اختار تركيا ويقول عارف رب موقف لن انساه ابدا، هو وجود السفير البريطاني ببغداد في مطار بغداد حال دون مغادرتي العراق فقد صافحني وقال: وداعا هذا ثمن من لم يحترم التاج البريطاني .لنستكمل في الحلقة الثانية خفايا واحداث 17 تموز 1968 يرويها عبد الرزاق النايف وقادة حركة الثوريين العرب المرتبطة بالنايف.

لنشاهد معا هذا اللقاء مع السيد/ قيس عبدالرحمن عارف:

http://www.youtube.com/watch?v=ETGBVde3uI4

       

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

727 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع