محطات من تاريخ شرطة العراق ليلة القبض على رئيس الوزراء حكمت سليمان

     

 محطات من تاريخ شرطة العراق /ليلة القبض على رئيس الوزراء حكمت سليمان - من ذكريات مدير الشرطة المرحوم محيي الدين عبدالرحمن

    

    

خصيصا لمجلة الكاردينيا:لابد قبل سرد هذه الذكريات من التعريف بشخصية حكمت سليمان والاحداث التي اودت الى القبض عليه، فهو من رجال العهد الملكي البارزين. ففي سنة 1935 اسند المرحوم الملك غازي الاول رئاسة الوزراء الى المرحوم ياسين باشا الهاشمي، فشرع الهاشمي في اختيار الوزراء الذين ينوي ضمهم لكابينته الوزارية ممن يتامل تعاونهم معه. فقام بمفاتحة عدد من الشخصيات ومن بينهم المرحوم حكمت سليمان، للدخول في هذه الوزارة، فاشترط حكمت ايداع وزارة الداخلية اليه، غير ان الهاشمي اخبره ان هذه الوزارة هي من حصة المرحوم رشيد عالي الكيلاني فطلب منه ان يختار وزارة اخرى. فاجابه حكمت سليمان (نحن لسنا ممن ياخذ المناصب صدقة بل ناخذها عنوة، والايام بيننا وسوف نرى)!!! 

                                            

                           حكمت سليمان

وتشكلت الوزارة ولم يكن بينها حكمت سليمان مما ادى الى انزواءه في داره يرسم الخطط للاطاحة بوزارة الهاشمي. وكان من جملة من يترددون على داره ويسهرون الليل عنده المرحوم الفريق بكر صدقي قائد الفرقة الثانية في الجيش العراقي، واثناء السهرة فاتحه حكمت سليمان بما جرى بينه وبين الهاشمي، وشجعه على القيام بحركة عسكرية لاسقاط الوزارة، ووعده بانه ستكون له الصدارة في تشكيل الحكومة الجديدة، لاسيما وقد سرت اشاعات ان الملك ابدى استياءه من اداء حكومة الهاشمي لتدخل الهاشمي في امور القصر الملكي. وبعد تفكير عميق من قبل بكر صدقي وتقليبه للامور وافق على ما عرضه حكت سليمان، وقال له انتظر الفرصة المناسبة للتخلص منه.

      

                        الملك غازي الأول

وبعد مرور عدة أشهر سنحت الفرصة للفريق بكر صدقي للقيام بتمرد عسكري، مستغلا غياب طه الهاشمي رئيس اركان الجيش شقيق ياسين الهاشمي في مهمة رسمية خارج العراق، فأعلن عصيانه من مقره في منصورية الجبل، حيث كانت فرقته تجري مناورات في تلك المنطقة.

          

                       الفريق ياسين الهاشمي

        

               الفريق عبداللطيف نوري

وقد شاركه في حركته هذه الفريق عبداللطيف نوري قائد الفرقة الاولى وبعد ان حامت الطائرات العسكرية للانقلابيين فوق سماء بغداد قامت بالقاء مناشير تدعو لاسناد الحركة، كما القت بعض القنابل على المنطقة المحيطة بمقر مجلس الوزراء، ارسل الفريق بكر صدقي انذارا الى الحكومة للتخلي عن الحكم، واسناد رئاسة الحكومة الى حكمت سليمان ويبدو ان الملك غازي كان مرتاحا لهذه الحركة فلم يامر باي نشاط عسكري لمقاومتها وافشالها.

      

                     الفريق بكر صدقي

وسقطت حكومة ياسين الهاشمي الذي هرب الى سوريا، كما هرب وزير الخارجية نوري السعيد الى مصر، بعد ورود اخبار عن مقتل صهره المرحوم جعفر العسكري وزير الدفاع على يد اعوان بكر صدقي. ودخل الفريق بكر صدقي بغداد على راس قواته حيث اتخذ من مبنى وزارة الدفاع مقرا له، وتشكلت وزارة جديدة برئاسة حكمت سليمان. الذي شغل منصب رئيس وزراء المملكة العراقية من 30 أكتوبر 1936 ، إلى 12 أغسطس 1937

               

                             جعفر العسكري

وبعد مرور اشهر على وزارة حكمت سليمان حدث مالم يكن في الحسبان، فحينما كان الفريق بكر في طريقه براً لحضور مناورات عسكرية مشتركة في تركيا عن طريق مدينة الموصل، سقط صريعا برصاص ضباط معارضين لحركته، وسقطت حكومة حكمت سليمان. وطلب الملك غازي من نوري السعيد تشكيل الوزارة الجديدة وحال الانتهاء من مراسم الاستيزار اعلن نوري السعيد الاحكام العرفية في البلاد، وبدأ باصطياد اعداء الامس وعلى راسهم حكمت سليمان.

              

                       نوري السعيد

ويروي معاون مدير الشرطة (المعاون) محيي الدين عبدالرحمن معاون شرطة السراي: انه كان في مكتبه في معاونية شرطة السراي، طلب حضوره مدير شرطة لواء بغداد المرحوم عبدالجبار الراوي ولدى دخوله مكتب المدير أخبره باتصال رئيس الوزراء الذ] أمر بالقبض على حكمت سليمان على وجه السرعة وإيداعه في موقف الشرطة في السراي.
كان الوقت ليلا حينما تحركتُ نحو دار حكمت سليمان في الصليخ وبصحبتي راس العرفاء توفيق (وهو والد رفيق مدير امن بغداد في العهد الملكي).
ولدى وصولي الدار اعلمتني السيدة عقيلته انه مدعو على العشاء في دار وزير العدلية جمال بابان، فانطلقنا الى دار جمال بابان في الاعظمية واستاذنت لمقابلته لامر هام، وبعد دقائق ظهر الخادم وقال: سيدي تفضل في الصالون، ويبدو أن حفل العشاء كان مقاما في حديقة الدار لكون الوقت آنذاك صيفا.

                                         

                                 جمال بابان

وبعد انتظار دقائق في الصالون دخل جمال بابان وسلمت عليه وقال لي: خيرا؟؟. قلت له: سيدي عندي امر من الباشا نوري السعيد رئيس الوزراء بالقبض على حكمت سليمان المدعو عندك على العشاء. قال ولماذا لا تقبض عليه خارج داري؟ ولماذا هذا الاستعجال؟ قلت له: سيدي الاوامر التي عندي القبض عليه فورا، وفي اي مكان يتواجد فيه، فعاد الوزير الى الحديقة دون جواب.
وبعد دقيقة حضر وزير الشؤون الاجتماعية السيد عمر نظمي، وقال لي: يا محيي لماذا لا تنتظر خروجه بعد العشاء؟ قلت له: ان الاوامر صريحة بالقبض عليه على وجه السرعة. فذهب الوزير وارسل المرحوم السيد الفريق احمد الراوي مدير الشرطة العام فأديت له التحية واخبرته باعلان الاحكام العرفية في البلاد وطلب رئيس الوزراء بالقبض على حكمت سليمان، فسالني: الا يمكن تاجيل تنفيذ القبض الى منتصف الليل بعد عودته الى الدار؟ قلت له سيدي لا يمكن ذلك، وانت اعرف بإجراءات الشرطة لتنفيذ اوامر الجهات العليا؟.

               

              عمر نظمي وزير الشؤون الاجتماعية

فتركني وعاد الى الحديقة وحين شعر القوم انه لابد من تسليم حكمت سليمان بعد كل هذا الاصرار حضر جمال بابان الى الصالون مستصحبا معه حكمت سليمان، حيث بادر حكمت بالقول: هيا يا معاون السراي لنذهب حيث تريد!!.
وفعلا غادرت الدار ومعي المقبوض عليه حكمت سليمان، وصادفنا وزير العدلية واقفا عند باب الدار ليقوم بتوديع حكمت، وهو في انفعال وتوتر شديدين. ولدى وصولنا المركز اودعت حكمت سليمان في غرفة منفردة وتوجهت نحو مكتب مدير شرطة لواء بغداد حيث اخبرته بالقبض على المقصود، وانه موقوف حاليا في المركز. فسارع المدير للاتصال برئيس الوزراء ليبلغه بالقبض على حكمت سليمان.
وفي اليوم التالي تم ارسال حكمت سليمان مخفورا الى المجلس العرفي العسكري الكائن في معسكر الوشاش، وجرت محاكته امام المجلس ثم صدر الحكم عليه بالاعدام وارسل الى السجن المركزي في باب المعظم. وبعد مضي شهرين من صدور حكم المجلس العرفي العسكري باعدام حكمت سليمان، يبدو ان السفارة البريطانية توسطت لدى رئيس الوزراء فصدرت ارادة ملكية بالعفو عن حكمت سليمان الذي عاد لمزاولة حياته العادية مع عائلته في داره.

                           

                   حكمت سليمان مع زوجته

وفاة حكمت سليمان:

ذكر الطبيب البريطاني سندرسن في كتابهِ (عشرة آلاف ليلة وليلة) أنه زاره في السجن المركزي حيث أودع كمجرم عادي وهو في ضيق شديد ووجدهُ في غاية الضعف والهزال وفي حالة قلق وخيمة، وقد نقص وزنه كثيرا وساءت حالته الصحية، فأوصى بنقلهِ إلى المستشفى ليتم علاجه، ثم ساءت حالته في الصيف فنقل بناءاً على توصية الطبيب، إلى منطقة بنجوين في جبال كردستان تحت حراسة مشددة.
وقد توفي حكمت سليمان في مدينة الأعظمية بتاريخ 16 حزيران 1964 وشيع بموكب كبير ودفن في مقبرة الخيزران بالاعظمية.

والى اللقاء في حلقة اخرى من مذكرات والدي المرحوم مدير الشرطة محيي الدين عبدالرحمن.

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

922 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع