سقوط الزوراء قديما وحديثا

     

       

         سقوط الزوراء قديماً و حديثاً..

 

  

و "الزوراء" من أسماءِ بغداد، و هي لم تسقطْ لا قديماً و لا حديثاً، بل سقطَتِ الأنظمةُ الحاكمةُ بسبب الفسادِ المستشري بها و سوء إدارة و تصرفاتِ حكامها، من خلفاءٍ متديّنين من المفروض أنهم كانوا يتبعون خطى النبي، و حكامٍ و رؤوساء باللباس العسكري يتبعون أهواءَ آلهة الحرب...

في مقالٍ قرأته قبل عشر سنوات أو أكثر لكاتبٍ أعتذر عن نسيانِ أسمه، يقول أنه وَرَدَ أسم "زوراء" في نبؤة راهبٍ من الأديرة أو الديارات المسيحية التي كانت منتشرة في أرضِ العراق. إذ روى أحد القساوسة الأطباء عن الخليفة أبي جعفر المنصور و بناء عاصمتهِ بغداد أو المدينة المدوَّرة أنه موجود في الكتب أن يواجه شخصٌ أسمُهُ "مقلاس" أثنين من المتمردين ضد حكمِهِ، و يرجع لتأسيس عاصمتهِ "زوراء" بعد إخماد التمرُّد. و يظهر من كتب التاريخ أن المنصور كان يدعى "مقلاس" في طفولته كتدليل...و المتمردان هما محمد ذو النفس الزكية و أخوه أبراهيم. و رجع المنصور بعد ذلك الى إكمالِ بناء بغداد في 149هـ-766 م.
أودُّ أن أذكر في هذا البحث شيئاً بسيطاً مما وَرَدَ في الكتب عن سقوط الخلافة العباسية في بغداد على يد هولاكو و كيف ساعد الجيران الأشقاء جيش المغول في إحداث الخراب في بغداد و مدنِ الخلافة بعدها الواحدة تلو الأخرى. و كيف ساهم و يساهم الجيران اليوم في تصدير المخرّبين الى العراق، و هي عادةٌ دَرَجَ عليها هؤلاء الأقربون منذ القِدَم. فهم يحزنون عندما يصيب الخير أرض السواد، و يفرحون عندما تجدب...و جدبها منهم.

 

                         

مخطوطة تصور حصار المغول لـ بغداد عام 1258 ميلادية قبل إقتحامها.

الغـــزو المغولي

قادَ جنكيز خان (1162-1227 م) جيشَه العرمرم لإسقاط قلاع النزاريين و الأسماعيليين، فلم يتمكن منها و لا من أهلها. و أنتهى حُكم جنكيزخان الى حفيده منكو خان يتبعه أخوته و يقودون جيوشه، فتتساقط المدن و القصبات كسقوط أوراق الأشجار في الخريف. و كان هولاكو أحد هؤلاء الأخوة. و كان يتردد على منكوخان قاضي قضاة المسلمين  شمس الدين القزويني الذي كان همُّه الوحيد إثارة حفيظة المغول ضد الأسماعيليين، أو كما كانوا يسمّون بالملاحدة.
يذكر رشيد الدين فضل الله الهمذاني (ت 718 هـ) في كتابه "جامع التواريخ"، و هو تاريخ المغول الإيلخانيين من آبقاخان الى كيخاتوخان و عنى و أهتم بكتابته السلطان غازان أبن حفيد هولاكو: "في ذلك الوقت كان قاضي القضاة المرحوم شمس الدين القزويني موجوداً في بلاط الخان، و ذات يومٍ ظهر للخان مرتدياً الزرد تحت ثيابه خشية الملاحدة. كما سَرَدَ له طرفاً من إعتداءاتهم و غاراتهم. و كان الخان يتوسَّم في أخيه هولاكو مخايل المُلك، و يرى في عزائمه مراسمَ الفتح و الغزو. و كان قد تفَكَّرَ فرأى أن بعض ممالك العالم قد دخل فعلاً في حوزة جنكيزخان و بعضها لم يستخلص بعد." فاستخدمَ المغول لأن الخلافة العباسية عجَزَتْ عن دحرهم.
و يستمر صاحب "جامع التواريخ" فاستقرَّ رأي منكوخان على أن يعهدَ بكل طرفٍ من المملكة الى واحدٍ من أخوتهِ ليُخضعها لإرادته. فصارت بلاد النزاريين و الأسماعيليين من نصيب هولاكو.
يذكر منهاج الدين عثمان بن سراج الدين الجوزجاني في "طبقات ناصري" ان الإمام و العالم الكبير قاضي القضاة شمس الدين القزويني أستطاع أن يستحوذ على عقل و عواطف القائد المغولي و يُثير في نفس حفيد جنكيزخان كيف أن جدَّه لم يتوفَّقَ في إسقاط قلاع (الملاحدة) و إخضاعها و معهم الى سلطانِهِ و إرادتهِ. ففي أثناء زحف المغول الأول بقيادة جنكيز خان، أجتاحت قواتُه بلادَ خراسان و عَمَلَت فيها الدمار و الموت و أنهزم أمامه السلطان محمد خوارزم شاه، و لكن بقيتْ قلاع النزاريين صامدة  و لم تسقط حالها حال المدن الأخرى.
و يذكر الجوزجاني أيضا أن جيوش الخليفة العباسي المستعصم أنتصرت عام 655 هـ على المغول في كثير من المعارك، ثم نشبت معارك في اليوم التاسع من محرم أول أشهر السنة الهجرية 656 على أبواب بغداد فأنتصر جيش الخليفة و قام سليمان شاه قائد الجيوش بتعقّب "الكفار حتى أصفهان و قتل من المغول مئات الآلاف و ألحَقَهم بجهنم و بئس المصير ... و أسروا أبن ملك الموصل الذي كان مرشداً للكفار."
و يُلام في سقوط الخلافة العباسية الوزير مؤيد الدين أحمد بن محمد المعروف بإبن العلقمي، و تجمع كل الروايات التي شيعت في (خيانته) على رواية واحدة أقتبسها عماد الدين أبو الفداء 672 -732هـ (1273-1331م)، وهو من مواليد دمشق حينما فرَّت عائلتهُ من حماه اثر إحاطة المغول بها ومن سلالة الأيوبيين، في كتابه "المختصر في تاريخ البشر": "إن مؤيد الدين بن العلقمي كانَ رافضياً، و كان أهل الكرخ أيضاً روافض، فجَرَت فتنة بين السُنة و الشيعة ببغداد على جاري عادَتهم، فأمرَ أبو بكر أبنُ الخليفة و ركن الدين الدوادار (قائد الجيش) العسكرَ فنهبوا الكرخ، و هتكوا النساء، و ركبوا منهنَّ الفواحش، فعظم ذلك على الوزير إبن العلقمي و كاتبَ التتارَ و أطمعهم مُلك بغداد."
و يعزي صاحب "الحوادث الجامعة" سبب عدم مقاومة الجيش العباسي لهولاكو الى سوء تدبير الخليفة الذي جعلَ أحد خصيان قصر الخلافة من خَدَمِ حريمه قائداً للجيوش الأسلامية المتصدية: "فأمتنع الأمراءُ من المسيرِ تحت لوائِه، و كان الخليفة قد أهمَلَ حالَ الجند و منَعَهم أرزاقَهم، , و أسْقَطَ أكثرهم من دساتيرِ ديوانِ العرَض، فآلتْ أحوالهم سؤال الناس، و بَذَلَ وجوهُهم في الطلبِ في الأسواق و الجوامع."

عانَتْ بغداد في عام 654هـ - 1256م من فيضان عظيمٍ لنهر دجلة أغرَقَ عاصمة الخلافة العباسية و عمَلَ الخراب فيها. و قد جرَتِ العادة انه كلما تغرق بغداد ينتقل الخليفة من قصوره، مع أهلهِ و حريمهِ و أموالِهِ و كنوزهِ، الى السفنِ فيبقى فيها حتى يهبط مستوى النهر فيعود مع رهطِهِ الى البر. و خلَّفَ الفيضان حالة من فقدان الأمن في المدينة، فسيطرَتْ عصاباتُ السلبِ و النهبِ عليها. و ساعدت حادثةُ الكرخ الشهيرة على تدهورِ الأمن العام أكثر و أكثر. و من سوء حظ بغداد أن قائد الجيش ركن الدين الدوادار كان على خلافٍ دائمٍ مع الوزير أبن العلقمي، في حين كان الخليفة منغمساً في ملذاته مع جواريه و غلمانهِ، فلم يقدِّروا قوة المغولِ حق قدرها و لا حجم الكارثة المحيقة بعاصمة الخلافة.
لقد تعدَّدَت روايات المؤرخين في إلقاء اللوم على قاضي القضاة شمس الدين القزويني (السني) أو الوزير أبن العلقمي (الشيعي) في استقدام المغول، و كل مؤرخ ينحاز الى من يعتنق مذهبه أو طائفته. و لهذا تعتبر شهادة المؤرخ المسيحي كريكوريوس أبو الفرج بن هارون الملطي (1226م-1286م)، و الذي يُدعى بإبن العبري شهادة مُعتدلة لا تَهُمّه براءة أو خيانة أيٍّ من القاضي السنّي أو الوزير الشيعي، و أهمُّ من هذا أن ابنَ العبري شاهدُ عيانٍ عاصرَ الأحداثَ، و هو يقول:
"في شهرِ شوال رحلَ هُولاكو عن حدودِ همذان نحو مدينةِ بغداد، و كان في أيامِ محاصرتِهِ قلاعَ الملاحدة (هكذا كانت تُسمّى مناطقُ الأسماعيلية من أصحابِ الحسن بن الصبّاح الأسماعيلي من أشهرِ جماعةِ النِزارية – آ.د.) قد سَيَّرَ رسولاً الى الخليفةِ المستعصمِ بالله يطلب منه نجدة، فأرادَ أن يُسيِّرَ فلم يقدر، و لم يُمِكِّنُهُ الوزراءُ و الأمراء، و قالوا: إنَّ هُولاكو رجلٌ صاحبُ أحتيالٍ و خديعة، و ليس محتاجاً الى نجدتِنا، و إنما غرضه إخلاء بغداد من الرجالِ فيملكها بسهولة، فتقاعدوا بسبب هذا الخيال عن إرسالِ الرجال. و لمّا فتحَ هُولاكو تلك القلاع أرسلَ رسولاً آخرَ الى الخليفةِ و عاتبه على إهمالِ تسييرِ النجدة. فشاوروا الوزيرَ بما يجب أنْ يفعلوه، فقالَ: لا وجه غير إرضاء هذا الملك الجبار ببذلِ الأموالِ و الهدايا و التحف لهُ و لخواصِه.
و عندما أخذوا في تجهيزِ ما يُسَيّرونه من الجواهرِ و المُرصّعات، و الثيابِ و الذهبِ و الفضّةِ و المماليكِ و الجواري و الخيلِ و البغالِ و الجمال، قال الدوادار الصغير و أصحابُهُ الذين كانوا يكرهون ابن العلقمي، إنَّ الوزيرَ إنّما يُدبِّر شأنَ نفسهِ مع التتار، وهو يرومُ تسليمنا اليهم، فلا نُمكِّنَه من ذلك. لهذا السبب تراجعَ الخليفةُ عن إرسالِ الهدايا الكثيرة، و اقتصرَ على شيءٍ نزرٍ لا قدر له. فغضبَ هُولاكو و قال:"لا بدَّ من مجيئِهِ (الخليفة) بنفسِه، أو يسَيِّر أحد ثلاثة، إما الوزير، إما الدوادار، و إما سليمان شاه. فتقدَّمَ الخليفةُ اليهم بالمضي فلم يركنوا الى قولِهِ، فسيَّرَ غيرهم مثل ابن الجوزي و ابن محيي الدين فلم يجدْ دياً عنه." (ابن العبري – تاريخ مختصر الدول).
و في الوقتِ الذي كان فيه الخليفة لاهياً مع جواريه و مطربيه و يغدِقَ عليهم الأموالَ حتى آخرِ لحظة و لا يستمعَ الى نصيحة أحد و لا يأخذَ بمشورة الوزير، فقد عقدَ هذا الأخير مؤتمراً قال عنه رشيد الدين فضل الله الهمذاني في (جامع التواريخ):"و قد اجتمع عند الوزير أُمراءُ بغدادَ و عظماؤها مثل سليمان شاه بن برجم و فتح الدين بن كره و مجاهد الدين بن الدوادار الصغير و أطلقوا ألسنَتَهم بقدحِ الخليفة و طعنِهِ قائلين انه صديق المطربين و المساخِرة و عدو الجيش و الجنود و إننا أُمراء الجيش بِعنا كُلَّ ما ادَّخرناه في عهدِ والدِه." ثم قال سليمان شاه كلاماً يُثيرُ النفوسَ و الهممَ و وصل الكلامُ للخليفةِ فأعجبَ به و قال للوزير:"إن كلامَ سليمان شاه له الأثر في النفس"، و لم يمنح المال لتجهيز الجيش و أرسل الى هُولاكو هدية صغيرة و بعث اليه برسالة يقول فيها:"إنَّ كل ملك قصد أسرة بني العباس و دار السلام بغداد كانت عاقبته وخيمة." و بعد أن أحسَّ الخليفة بالخطر أرسلَ جيشاً هزيلاً جداً بقيادة القائد التركي قبجان المعروف ب (قره سنقر). و عندما تقدَّمَ هُولاكو لم يُلاقِ أيَّ مقاومة تُذكر على طولِ المسافة من همذان الى بغداد.
و في الثاني و العشرين من شهر محرَّم سنة 656هـ - 1258م بدأ الهجومُ العام على بغداد عاصمة الخلافة العباسية.

         

غزو بغداد

وقفَ هُولاكو على مشارف بغداد بعددٍ لا يُحصى و عُدَّةٍ لا تقهر، و لم يبقَ للخليفةِ إلّا الرجوع لوزيرهِ، فحملَ الأخير رسالةِ الخليفة، و لكن بعد فواتِ الأوان، جاء فيها:"أنتَ طلبْتَ أحد الثلاثة و ها أنا قد سيَّرتُ إليك الوزيرَ و هو أكبرهم.

" فأجاب هُولاكو:"انني لما كنتُ مقيماً بنواحي همذان طلبتُ أحد الثلاثة، و الآن لم أقتنعْ بواحد."
و روى أبنُ العبري أيضاً أن المغولَ رموا بغداد بسهامٍ كُتِب عليها بالعربية " إن الأركاونية (المزارعين) و العلويين و الدانشمندية (العلماء و طلبة العلم) و بالجملة كل من ليس يقاتل فهو آمن على نفسه و حريمه و ماله."
و بعد أن وصلَ هُولاكو و جندُه الى أسوارِ بغداد توقَّعَ أنْ يُلاقي مقاومة تليق بشرف عاصمة الخلافة الأسلامية، فطلبَ الدوادار  و سليمان شاه. و المهين في الموضوع أن أغلب الجندِ خرجوا مع قادتهم و أصبحوا تحت رحمة المغول، فما كان من هُولاكو إلّا أن قتلهم جميعاً فأصبحت بغدادُ خالية من الجيش بسبب سوء تدبير الخليفة. و أخيراً طلب هُولاكو من الخليفة أنْ يُلقيَ الناسُ أسلحتَهم فتوجّه الخليفة بنداءٍ الى عمومِ الناس في بغداد:"ليضع سكان المدينة أسلحتهم و ليخرجوا كي نحصيهم." و بالفعل خرج الناس فقتلهم المغول و دخلوا بغدادَ و لم يتركوا شيئاً، فقتلوا و نهبوا و حرقوا و أباحوا كلَّ حيٍّ و جماد.
و حضرَ هُولاكو الى دارِ الخلافة و أخذَ يُحصي ثروةَ الخليفة. قال رشيد الدين الهمذاني في (جامع التواريخ):"إن كل ما كان الخلفاء قد جمعوه خلال خمسةِ قرون وضعه المغولُ بعضاَ على بعض فكان كالجبلِ على جبل." منه حوضٌ من الذهب الأحمر، و سبعمائة زوجة و سرية و ألف خادمة للخليفة. قال هُولاكو و هو يفتش قصور الخلافة:"إن الأموال التي تملكها على وجه الأرض ظاهرة و هو مُلكُ عبيدنا، لكن أُذكر ما تملكه من الدفائنِ، ما هي و أين توجد."

                     

مقتل الخليفة
و من ضمن الفظائع التي جَرَتْ في بغداد عند سقوط الخلافة هي الثارات التي كانت تُسْفَك الدماء بسببها بين أفرادِ هذا المذهب و ذاك. و يذكر أبن الفوطي في الكتاب المنسوب له (الحوادث الجامعة) أن القاضي المحدث أبو بكر فخر الدين عبد الله بن عبد الجليل كان يدهم بيوت فقهاء بغداد و يُخرجهم منها ليسوقهم الى مخيّمِ هُولاكو ليُقْتَلوا. في الوقت نفسه يتهم أبنُ تيمية نصيرَ الدين الطوسي أنه كان من أهمِّ رجالِ الأسماعيلية و هو الذي أصدرَ الأمرَ بقتلِ الخليفة. و أما صاحب (الحوادث الجامعة) يقول:"أن هُولاكو أمرَ بقتلهِ فقُتِلَ يوم الأربعاء رابع عشر من صفر و لم يُهرَقْ دمَه بل جُعِلَ في غرارةٍ و رُفِسَ حتى مات." و يذكُرُ عماد الدين أبو الفداء في (المختصر في أخبار البشر):" أنهم (المغول) قتلوه و لم يقع الأطّلاع على كيفية قتلهِ، فقيل خُنِق، و قيل وُضِعَ في عدلٍ و رفسوهُ حتى مات، و قيل غرق في دجلة، و اللهُ أعلمُ بحقيقةِ الأمر."
حكومة بغداد بعد الغزو
و هكذا، أنتهى الأمرُ و شكَّلَ المغولُ حكومةَ بغداد، و لم تكُن شيعية، مثلما أسْهَبَ المؤرخون في وصف خيانة إبن العلقمي من أجلها و الثأر لحادثة الكرخ، بل كانت سُنّية على نهج حكومة المستعصم بالله، و هي حسب كتاب (الحوادث الجامعة) شُكِّلَت من موظفي الخليفة السابقين. فكان علي بهادر مديراً للشرطة، فخرُ الدين بن الدامغاني صاحب الديوان، و تولّى نظامُ الدين البندنيجي قضاء القضاة، و تولّى تاجُ الدين علي بن الدواحي، حاجبُ باب الخليفة، صدرَ الأعمال الفراتية. و ظلَّ عزُ الدين بن أبي الحديد في منصبِه السابق مع تكليفه بمعالجة ما خربَ و نُهبَ من المكتبات. و كان الحاكم الفعلي و نائب هُولاكو أو ولده قراغا، عمادُ الدين عمر بن محمد القزويني.
أما الوزير أبن العلقمي فأُقِرَّ على الوزارة، مثله مثل باقي موظفي الخلافة السابقين، و يقال أنه لم يتحمَّل صدمة ما حصل فتوفاه الله بعد أربعة أشهر من سقوط الخلافة.

                                    


ظلَّ هُولاكو وثنياً أو بوذياً، و لكنه كان قريباً من المسيحية بحكمِ أختلاط المغول بالمسيحيين و زوجاتهم المسيحيات. و أول من أسلمَ، بعد أن كان قد تعمَّد بالعماد المسيحي، هو أبن هُولاكو، تكودار، الذي سُمِّيَ أحمد. لكن أسلام الأمير المذكور لم يؤدِّ الى أسلام المغول الذين ظلّوا يحكمون البلاد الأسلامية بموظفين من أهلها، و لم يُسيئوا الى عقائد الناس و لم يفرضوا عقائدَهم على أحد. لكن الذي أثَّرَ في المغول و حملهم على الأسلام كجماعة هو إسلامُ السلطان غازان بن أرغون بن أبقاخان بن هُولاكو، و عُرِفَ بمحمود العام 694هـ-1296م. أي حكم المغول العراق 38 عاماً و هم على دينِهِم، و حكموا ايرانَ و أطرافَ الأسلام الأخرى بأكثر من هذا. لكن أسلام غازان أدّى الى قهرِ أهل الذمة، فهُدِمَت الكنائس و دور عبادة الأديان الأخرى، و أُلْزِموا بثيابٍ خاصة، و تبنّى كلّ ما كان المتوكل العباسي فرضه عليهم قبل قرون.
و يذكر كمال الدين أبو الفضل عبد الرزاق بن أحمد بن محمد الصابوني المعروف بأبن الفوطي 642-723 هـ / 1244-1323 م في كتابهِ (تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب) عن الحياة الأجتماعية في عهدِ هُولاكو في بغداد و عن حالةِ الآداب و التعليم و أحوال الناس فيها بما في ذلك أسرة الخليفة العباسي المستعصم بالله، و المعاملة التي لقيتْها أسرته فيما بعد حيثُ زوِّجَتْ بناتهُ زواجاً لائقاً بهنَّ بأبناءِ الأمراء.
و كان أبن الفوطي قد عاصرَ الأحداثَ التي تلت سقوط الخلافة العباسية و رافقَ علماءَ عصرِه بالأنتقالِ من العصر العباسي الى عصرِ هُولاكو و حاضرتِه في مراغة، و كما يقول د. عدنان آل طعمة في (مراجعات حول تاريخ العراق الحديث):"شارك في نقل حوالي نصف مليون مخطوط من بغداد الى تبريز، و كان بها يومها ست و ثلاثين خزانة عامة وفقاً لما صرَّحَ به أبن سعيد الغرناطي في زيارته الخاصة لهذه المكتبات في بغداد، و ساهمَ أبن الفوطي في بناء الجامعة الجديدة و ( تقلَّدَ منصب خازن كتب الجامعة المستنصرية في 679هـ - آ.د.) التي قامت على يد نصير الدين الطوسي، الوزير الأول و المستشار الخاص لهُولاكو و معلِّم أولاده الذين دخلوا الأسلام."
كيدُ الأشقاء في سقوطِ بغداد و ديار الخلافة
و الجدير بالذكر هنا، و هذا موضوعنا الرئيس، كيف أن ملوكَ المسلمين و أمراءَهم و سلاطينَهم ساعدوا هُولاكو في ذبحِ و إسقاطِ الخلافة العباسية و البقية الباقية من ديار الأسلام.
فبعد أن مضى هُولاكو بجيشه لإخضاع الأسماعيليين و النِزاريين و إسقاطِ قلاعِهم المنيعة، أرسلَ عدّةَ رسائلَ الى ملوكِ و سلاطينِ المسلمين داعياً لهم:"لقد عزمنا على تحطيمِ قلاعِ الملاحدة و إزعاجِ تلك الطائفة، فإذا أسرعْتم و ساهمتم في تلك الحملة بالجيوشِ و الآلآت فسوف تبقى لكم ولايتكم و جيوشكم و مساكنكم و ستُحمَد لكم مواقفكم. أما اذا تهاونتم في أمتثالِ الأوامرِ و أهملتم، فإنّا حين نفرغ بقوة الله من أمرِ الملاحدة فإننا لا نقبل عذرَكم و نتوجّه اليكم فيجري على ولايتِكم و مساكنكم ما يكون قد جرى."
و لبّى الجميعُ نداءَ هُولاكو الوثني ضدَّ أخوانِهم المسلمين.
و يذكر رشيدُ الدين الهمذاني في (جامع التواريخ) الهِمَّة في تلبية نداءِ هُولاكو:"أقبَلَ من بلاد الروم السلطانان عز الدين و ركن الدين، و من فارس سعد بن الأتابك مظفر الدين، و من خراسان و آذربيجان و آران و شروان و جيورجيا الملوك و الصدور و الأعيان."
و بعد أحتلال هُولاكو بغداد و زحفِه الى بلاد الشام أنضمَّ اليه العديد من الملوك و الأمراء و السلاطين المسلمين مثل الملك السعيد بن الملك العزيز بن الملك العادل أخي صلاح الدين الأيوبي الذي سلَّم لهُولاكو الصبيبة. و يقول أبو الفداء في (تاريخه):"و سار الملك السعيد معهم و أعلنَ الفُسْقَ و الفجور و سفك دماء المسلمين." و حالفَ المغول في قتالِ المسلمين في معركة عين جالوت، و لما أنهزم المغول قبض المسلمون عليه و قتلوه. و أشترك صاحب حمص الملك الأشرف موسى في المعركة نفسها، و تمكن من الفرار فلم يؤسر. و هذا الأخير من أحفادِ شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي.
و كان الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل بن الكامل بن العادل شقيق صلاح الدين الأيوبي أحد الذين أطمعوا المغول على غزو الشام و مصر، و أسره الظاهر بيبرس بعد عين جالوت. و ذكرَ أبو الفداء في (تاريخه) أيضاً:"و أحضرَ الفقهاء و القضاة و أوقفهم على مكاتباتٍ من التتر الى المغيث عما كتبَ اليهم في إطماعِهم في مُلك مصر و الشام" فقتله الظاهر.
و كان الأيوبيون أوَّلَ من تعاونوا مع هُولاكو في الشام فأرسلوا اليه يخطبون ودَّهُ. و أرسلَ الناصر الأيوبي أبنَه العزيز سنة 656هـ-1258م، أي في سنة سقوط بغداد، بتحفٍ و هدايا الى المغول معلناً خضوعه لهم.
و أسرعَ أيضا صاحب دمشق الأشرف موسى الأيوبي في تقديمِ ولائِه لهُولاكو، في حين هربَ صاحبُ حماه المنصور بن المظفر الأيوبي الى مصرَ تاركاً حماه و أهلها يلقون مصيرهم. و فرَّ الناصر يوسف من دمشق لينجو بجلده، و لله في خلقه شؤون...
و أخيراً، من أجلِ معلوماتٍ موسّعة في هذا الشأن، إقرأ:
1-مرآة الزمان، سبط أبن الجوزي، ت 684هـ، حنبلي.
2-تاريخ مختصر الدول، كريكوريوس ابن العبري، ت 685هـ، مسيحي.
3-الفخري في الآداب السلطانية، ابن الطقطقي، ت 708هـ، يميل الى التشيّع،
4-جامع التواريخ، رشيد الدين الهمذاني، ت 718هـ، سُنّي.
5-تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب، و الكتاب المنسوب له (الحوادث الجامعة)، ابن الفوطي، ت 723هـ، شافعي و قيل حنبلي.
6-ذيل مرآة الزمان، قطب الدين اليونيني، ت 726هـ، سُنّي.
7-المختصر في أخبار البشر، عماد الدين أبو الفداء، ت 732هـ، سُنّي.
8-عيون التواريخ، ابن شاكر الكتبي، ت 764هـ. سُنّي.

آرا دمبكجيان


  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

945 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع