ذاكرة / فرهود سوق الهنود في البصرة ١٩٤١ .. حكايات ودروس (*)

 

      شارع الساحل على نهر العشار حيث انطلق المتظاهرون

     

 ذاكرة/فرهود سوق الهنود في البصرة ١٩٤١.. حكايات ودروس*

  

        

                   بقلم/ محمد سهيل أحمد*

            

* ما ان اقتربت الساعة من السابعة صباحا حتى سحب حاكم البصرة الميجور للويد مسدسه وأطلق النار على قفل احد المحلات .
 ** حين قدمت قوائم الاضرار الى الميجور وقعها بلا تدقيق قائلا من اغرب خصائص شعبكم عدم تقديره للمواقف !
*** تبين ان رجال الفرهود كانوا قد خبأوا كميات من العتاد تحت ارضيات صرائفهم ما ان مستها النيران حتى اخذت بالتفجر !

الحكاية الاولى : كان الاضراب قد عم اسواق البصرة صبيحة السابع من أيار 1941 فأوصدت المحلات التجارية ابوابها احتجاجا على قرب دخول القوات البريطانية الى البصرة ، واستمرت المظاهرات تجتاز شارع الساحل متوجهة الى الكورنيش وهي تهتف وتستنكر وترفع اللافتات . وعند  مدخل سوق الهنود وقف الميجور ( للويد ) برفقة الترجمان الخاص به وقد بدا عليه القلق ناظرا الى ساعته بين الحين والآخر ، فقد كان ينتظر وصول القوات البريطانية الى المدينة . وما ان اقتربت الساعة من السابعة صباحا حتى سحب حاكم البصرة الميجور للويد مسدسه وأطلق النار على قفل احد المحلات قائلا للمترجم ان يصرخ بكلمة Loot  بمعنى فرهود ! وما كاد المتظاهرون والسابلة يسمعون كلمة الفرهود حتى توقفوا عن  التظاهر وراحوا يكسرون أبواب المحلات المغلقة وينهبون ما فيها ، ولم تمض لحظات حتى انفرطت المظاهرة وتحول سوق الهنود الى فوضى وسلب ونهب . وفي تلك اللحظات تدفقت القوات البريطانية لتأخذ طريقها ؛ الأول باتجاه ميناء المعقل والثاني باتجاه فلكة اسد بابل . وبعد ان استقرت القوات في مراكزها اعلن عن منع التجول فانفرط عقد الفرهود بعد ان نهبت الجماهير كل شيء تقريبا !
الحكاية الثانية : في اليوم التالي ابلغ الميجور المترجم بالذهاب الى سوق الهنود لرفع اسماء المتاجر المتضررة . ويذكر المترجم حميد علي  قائلا : وعندما علم اصحاب المحلات بمهمتي حتى راحوا يبالغون في تقدير الخسائر حتى ان اقيامهم وصلت الى 160 الف دينار . وكنت خائفا من ان يتهمني الميجور بالمبالغة في التقدير والتزوير لأنني كنت عارفا بأن أي دكان لم تزد موجوداته عن المائة دينار ، وحين قدمت قوائم الاضرار الى الميجور وقعها بلا تدقيق قائلا :من اغرب خصائص شعبكم عدم تقديره للمواقف فانا وقعت ما قدمته لي رغم معرفتي بأنها غير صحيحة ولكننا اشترينا بهذا المبلغ التافه سلامة جنودنا فالجندي البريطاني في حال مقتله يكلفنا اكثر من عشرين الف باون ، ونحن نعرف بأننا سنسترجع المبالغ التي دفعناها بطرق اخرى من جيوبكم !

      

                     مدخل سوق الهنود ايام زمان

الحكاية الثالثة : خلال حملة النهب والسلب في محلة المشراق كان من نصيب الحمال ( ابوجميع ) علاوي الحبوب ، فلم يكتف بحمل گونية ( كيس من الخيش) ام قلم العريض بل كان يصر على حمل گونيتين في كل مرة ونجح ابو جميع مرتين . ولكنه في المرة الثالثة لم يقاوم الثقل الهائل فانهار امام عتبة بيته ودفنته الگواني تحت ضغط ما يقارب نصف الطن !
الحكاية الرابعة : أما ( عجيرب ) وهو رجل سكير اسود اللون فكانت حصته من الفرهود تختلف عن حصص الآخرين اذ وجد في دكان ابو حسقيل لبيع المشروبات الروحية كميات كبيرة من العرق اشغلته عن بقية المنهوبات عندما لمح قرابيات العرق السرمهر ، جعل منها سريرا على قارعة الطريق وتمدد فوقها واستمر يغرف بالطاسة ويشرب مواصلا الليل بالنهار حتى خمد بدنه ليلحق بالحمال ابو جميع !
الحكاية الخامسة : أما عبد الوهاب فقد اهتم بنهب محلات الاثاث ونقلها الى بيته في ( المجيبرة ) فتكدست في غرف البيت وممراته وفوق السطح حتى انه عجز عن الحركة داخل بيته .وتشاء الصدف قيام معيدية بمحاولة اشعال البريمز لاعداد شاي الا ان البريمز انفجر فاشتعلت النار في صريفتها وسرت الى الصرائف والبيوت المجاورة وخصوصا بيت عبد الوهاب فالتهمت جميع منهوباته . وكانت فرقة من رجال الاطفاء قد هرعت لاطفاء النيران الا انها جوبهت بطلقات من الرصاص يتطاير من حولهم فتراجعوا مبتعدين عن الخطر وتركوا النيران تشتعل لثمانية ايام وسبع ليال اكلت الاخضر واليابس  وتركت الارض يبابا . وقد تبين بعد اطفاء النيران ان رجال الفرهود كانوا قد خبأوا كميات من العتاد والطلقات تحت ارضيات صرائفهم التي ما ان مستها الحرارة حتى اخذت بالتفجر !
----------------
اضاءات
• تعرضت دائرة الكمارك الى الفرهود سنة 1941 اثر دخول القوات البريطانية البصرة .
•اقترنت حوادث الفرهود بتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية ففي فترة الحرب العالمية الثانية ارتبطت بالواقع السياسي للبلد . وتكرر المشهد نفسه عام 1991 ابان حرب الخليج الثانية مثلما تعرضت المدينة الى فرهود لم يعرف له مثيل في التاريخ يوم السابع من نيسان 2003  ابان حرب تغيير النظام السابق وكان الحصار البغيض واحدا من اسباب حصول تلك الظاهرة المؤلمة .
•استندت الحكايات الخمس على شهادات معتمدة ادلى بها المترجم الملا حميد حمدي وذكريات لقاء مع السيد ابو زيدون احمد عبد الرزاق  سنة 1997 .  
•المادة مستقاة وبتصرف بسيط من كتاب ( لوحات من البصرة .. عبير التوابل والموانئ البعيدة ) لمؤلفه الاستاذ احسان وفيق السامرائي . ( محمد سهيل احمد ) ــ مكتب الكاردينيا في البصرة .
*مدير مكتب الگاردينيا في البصرة.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

905 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع