حتى لا تـــُقطع وتـــُقتلع

                                       

                            مثنى عبيدة

في المراحل التاريخية والمصيرية في حياة الفرد أو الشعوب تتصارع في الروح أفكار وأراء بعضها هادى هدوء نسمات الفجر وبعضها هادر مثل هدير المرجل والمدفع ،

ووسط كل ذلك يحتار المرء إلى أين يتجه في فعله وتصرفه هل يميل إلى السكون والراحة ويجلس ينتظر الآخرين يــُكملون له المشوار ويصبح على هامش حركته ولن يضرهم أو يؤخرهم في تقدمهم نحو ما يصبون إليه ،أما يشارك ويدلوا  بدلوه ويسهم في صناعة الغد حتى لو كانت مساهمته بسيطة ولا تذكر كما يعتقد وأنها لن تغير من مجريات التاريخ والوقائع .
 
أردت أن أسوق هذه المقدمة لكي أدخل في صلب الموضوع وهو أننا الآن على أبواب الانتخابات البرلمانية في العراق وهذه العملية الانتخابية تتطلب منا العمل وأعمال التفكير فيما ستؤول إليه الأمور في العراق مستندين إلى ما جرى خلال عشر سنوات ٍ مضت .
 
قبل بضعة أيام التقت مجموعة طيبة من أبناء العراق في المهجر وكان المتحدث الرئيس معهم رجل من العراق ( عبر الانترنيت ) وكان هدف اللقاء التعريف بما يجري على الأرض وتبادل الرأي ومعرفة اتجاهات الرأي العام العراقي سواءً في الداخل أو الخارج.
 
أستعرض المتحدث الوقائع والإحداث الجارية في العراق من قتل ٍ وتهجير ٍ واستهداف ٍ للمدن والقرى والهدف من وراء ذلك والذي أحدى ثمراته هي إبعاد وتهميش وتغيب آلاف مؤلفة من الناخبين بسبب العمليات العسكرية المستمرة في الأنبار والمناطق الأخرى وكذلك انشغال النازحين في ترتيب أمورهم المعيشية الصعبة في ظل أوضاع إنسانية مزرية ومؤلمة جداً . مما يجعل الناخب النازح والمهجر من بيته بعيداً كل البعد ِ عن عملية وضع ورقة بالصندوق وتلوين أصبعه باللون البنفسجي أو الوردي أو أي لون أخر فقد تلونت حياته وصبغت بصبغة الدم المتناثر من أشلاء أبناءه وأحبته وبلاده . كذلك عرج المتحدث على المشاكل السياسية بين الفرقاء وانقسام القوائم الانتخابية وتبدل لعبة الكراسي وانشقاق البعض عن الكل ، وما يواجه الناس من مشاكل حياتية ومعيشية صعبة للغاية ...
 
هؤلاء النازحين سيكونون في طليعة الغائبين عن الانتخابات رغم كل ما يقال عن توفير مراكز اقتراع بديلة أو غير ذلك لأن العراقي الذي تم تهديم بيته لم يعد يشعر برغبة في المشاركة والمساهمة بسبب أن حلم حياته في السكن الآمن والبيت والعيش الكريم قد تهدمت أركانه فلماذا يذهب ويشارك ؟؟
 
كما هذه العمليات العسكرية المستمرة ولغاية هذه اللحظة سوف تلقي بظلالها على مجمل الحياة العراقية والدعاية الانتخابية ومنهم من أراد توظيفها بشكل ٍ يساعده على ترميم شعبيته أو حضوره بين الناس ، المشكلة أن الناخب موزع ومشتت ولا يعرف إلى أين يتجه العراق برمته وسط كم هائل من المشاكل الداخلية والتي من الممكن تفجرها بأي وقت ولأتفه سبب وبين مشاكل خارجية مع دول ٍ ومحيط ٍ كـٌلٌ له غايته في هذا البلد المبتلى .
 
يعتقد الكثير من العراقيين بأن مشاركته لن تقدم حل ولا تؤتي بثمارها ولن تغير شيئاً وهؤلاء مثل القائلين بان الوقوف على التل أسلم،
 
أن ما يعزز لدى هذا الفريق وجهة نظره الفشل السياسي الكبير الذي رأينا تفاصيله وأحداثه طول السنين الماضية حتى من القيادات والشخصيات التي كنا نأمل فيها خيراً هكذا صرح أعضاء هذا الفريق .
 
هنا تبرز تساؤلات كثيرة نضعها أمام دعاة هذا الرأي وهم عراقيون صادقون في حبهم للعراق ولكن قد تختلف رؤيتهم للأمور عن الآخرين ولا بأس من الحوار معهم رغم أن الوقت يمضي والحقيقة أننا أضعنا عشر سنين في حوار الطرشان بينما الآخرون ساروا ويسيرون دون أن تعيقهم كل هذه الحوارات واللقاءات والمناقشات لان ما يتجسد على الأرض هو ما تراه العين ..
 
نقول ما البديل الحقيقي والواقعي والذي يأخذ بنظر الاعتبار المعطيات على الأرض ؟؟ ما البديل للإصلاح ؟؟ وهل المقاطعة وعدم الذهاب للاستفتاء على الدستور نفعت وغيرت شيء منه ومما جره وما أعقبه ؟؟ هل من جلس في بيته ولم يشارك في العميلة الانتخابية السابقة وغيرها وهو يراقب وكأنه لا يعنيه هذا الأمر هل أستطاع أن ينجو بنفسه من الويلات وعظام الأمور التي حدثت ؟ بل هل أستطاع أن يبقى في بيته آمناً مطمئناً ؟؟ أما تراه وملايين معه خلف الحدود ؟؟ يناقشون ويحللون ويتحاورون في مقاهي ومجالس وشوارع وقنوات فضائية وكلها خلف الحدود ؟ وأمست رؤية العراق حلماً بين الأحلام البعيدة جداً ؟؟  نسأله هل رأيت طوابير القيادات والأفراد من القوات المسلحة العراقية السابقة وهي تقف على بوابات التطوع للجيش بعد فوات الأوان ؟؟ هل رأيت طوابير الذين يرومون العمل والتوظيف بعدما أحجموا عنه في بادئ الأمر ؟ هل رأيت السجون والمتعقلات ؟ هل رأيت كل مظاهر التحول في العراق ؟ التعليم الصحة الخدمات هل رأيتها ؟
 
ربما يرفع هؤلاء شعار المقاطعة لكي يقول بان العملية السياسية سوف تسقط ما دام لم يشارك فيها هو وغيره ؟ وهنا نسأله هل رأيت أو سمعت أن بلداً انهار وتبدلت به النظم السياسية بهذه الطريقة ؟ وهل أن العملية السياسية في بلد ٍ مثل العراق سوف يتوقف قطارها لأنني لم أركب فيه ؟
 
قد يقول قائل لماذا نعطي الشرعية للنظام السياسي القائم وهنا نمشي معه المشوار ونقول له هل أنك وكل من تتحدث نيابة عنهم هل انتم على قلب رجل واحد ورأي واحد ؟ هل لديك مرجعية سياسية دينية ثقافية اجتماعية تحترمها وتنزل عند رأيها ؟ أما أنك جـُبلت على المقاطعة والنفور والتحدي والتخلي ؟؟ ثم حتى لو فكرت بأن من حقك تكوين إقليم أو أقاليم أو حتى الانفصال عن جسد العراق فإنك ملزم أمام العالم كله لكي تحضى بالقبول والموافقة على أن تكون جزء من عملية سياسية يشرعها دستور بلدك وبرلمانه المنتخب .
 
يتم ألان طرح مبدأ هو بان الأغلبية السياسية هي الأغلبية السكانية والجغرافية والواقعية في العراق ؟ هل علم المقاطعون ماذا يعني هذا وهل عرف من يريد البقاء على التل ماذا يعني هذا ؟
 
أن الحقوق المشروعة للشعوب الحية تحتاج إلى فكر متقد ومتجدد يأخذ بنظر الاعتبار الواقع والظروف المحيطة وليس فقط شعارات وأحلام وردية ربما أنها كانت تتحقق لو توفر  لها المجال وفقاً لمحيط يتقبلها ويصدقها ويؤمن بها ويحتضنها ..
 
لقد جربنا ما مضى وعرفنا ماذا يراد وما يجري على الأرض مما يتطلب النظر بواقعية منفتحة وليست انهزامية كما يتصور البعض. ( قبل فترة ظهر مقطع تمثيلي لشخص منهزم يحاول أن يرمي كل ما جرى من عمليات قتل على نفسه لكي يتم إعدامه وينجو من عذاباته وفي مستشفى للأمراض العقلية جاءه الطبيب وقال له هل تظن أنك بهذه الطريقة سوف ترتاح وسوف ينجو المجتمع ؟ لا أنك سوف تموت منتحراً بينما القاتل يتجول بحرية ويواصل عمله ولن يضره انتحارك بل العكس فقد تخلص من واحد ٍ أخر أراد أن يخلي الساحة له بملء أرادته )  ..
 
أن الأمانة التي يتحملها العراقيين المهاجرين واللاجئين والمغتربين في دول العالم كبيرة جداً وذلك على الأقل سد النقص الحاصل في العراق من جراء عدم تمكن الكثيرين من أهل العراق الاصلاء للذهاب إلى صناديق الاقتراع لدواعي أمنية معيشية اجتماعية ، سمها ما شئت المهم أن الكثيرين لن يذهبوا وللأسف فأن عدم ذهابهم لن يغير شيئاً من الواقع لذا بات لزاماً على كل عراقي يعتقد بأنه يحارب الظلم والدكتاتورية والتفرد وأنه يرفض الإقصاء والتهميش ويقول انه من أهل العراق الاصلاء أن يشارك ويقول كلمته ويختار الأصلح والأفضل وفق ما يعتقد ويؤمن المهم أن يشارك لكي لا يدع كفة الميزان تميل بشكل ٍ لا يسمح مستقبلاً لأي صوت أن يعلو ولا يرفض أو يعترض .
 
أن التوجه إلى العراقيين في خارج العراق وللأسف الشديد كان غائباً عن نظر القيادات والحركات السياسية والاجتماعية التي تتطلع إلى صناديق الاقتراع علها تحملها إلى البرلمان العراقي وفي دورته الجديدة ، وأن عدم توجه هذه الفعاليات تجاه الناخبين في الخارج خسارة كبيرة لها ، ولكن لا بأس المهم هو أن يمارس العراقي المغترب دوره تجاه بلده وأن يكف عن المناقشات الفارغة وعن الانشغال بالتسوق والتنزه في الحدائق والأسواق في بلاد الاغتراب ويطالب أهله في العراق الواقعين تحت الضيم والفقر والعوز والحرمان الذين يجابهون بصدورهم العارية المفخخات والمدافع والطائرات أن يكف عن مطالبتهم فوق ما يحتملون وهو لا يستطيع أن يركب سيارته الفارهة ويذهب آمناً مطمئناً إلى مركز الاقتراع لكي يختار من يختار ..
 
أنها معركة وجود فإما أن تشارك وتساهم في بناء العراق من أجل أولادك ومستقبلهم وأما أن تقاطع فتقطع جذرك وجذر أبناءك وبعد عشرات السنين سوف تعض أصبع الندم بعد فوات وقت الندم ...
 
أن هذا المقال هو محاولة متواضعة لشخص عراقي يؤمن بالعراق كله لذا فأن ما كتبه موجه إلى كل عراقي متردد أو يفكر بالمقاطعة وعدم النزول يوم الانتخاب إلى مراكز الاقتراع وهذا المقال ليس موجه لطائفة معينة أو دين معين أو فئة معينة أنما إلى كل عراقي يحب العراق وأن أختلف مع الآخرين  بالرؤيا والتصور ذلك لأن العراق ملك الجميع وعليهم واجب المساهمة في قيادته نحو بر الأمان ..
 
أرجوك أيها العراقي في الداخل والخارج لا تقاطع...... حتى لا تـــُقطع وتـــٌقتلع َ
 
والله من وراء القصد ...
 
17 / 4 / 2014 م
 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

705 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع