اتحاد الطلبة العراقي العام والنشاط الديمقراطي*

                                         

                            ثابت حبيب العاني

    

بمناسبة الذكرى 66 لتأسيس اتحاد الطلبة العراقي العام

اتحاد الطلبة العراقي العام والنشاط الديمقراطي*

أخذت الحركة الطلابية في عامي 1951-1952 بالتوسع والانتشار. وتشكلت لجان طلابية جديدة في الكليات والمدارس. واستطاع اتحاد الطلبة العراقي العام تصدّر النشاطات وأصدار النشرات. وفي تلك الفترة خاض اتحاد الطلبة الجدال مع رئيس تحرير جريدة "اليقظة" لصاحبها سلمان الصفواني. وقد طغى على اتحاد الطلبة آنذاك طابع التحزب في نشراته، التي بدت وكأنها نشرات الحزب الشيوعي. وفي الواقع كانت قيادة الأتحاد بغالبيتها من الشيوعيين.  ومن الأمثلة على الطابع الحزبي لنشرات الاتحاد هو البيان الذي أصدره الاتحاد حول القضية الفلسطينية الذي كان بعنوان "نحن أخوان اليهود واعداء الصهيونية"، والذي أيد فيه اتحاد الطلبة قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين. إنه هذا الإعلان هو صورة من أخطاء الشيوعيين في العمل مع المنظمات الديمقراطية. وبعد صدور هذا البيان ردت جريدة "اليقظة" ورئيس تحريرها سلمان الصفواني على البيان، واتهمت الاتحاد واعضائه بالعمالة والصهيونية. وعدنا في بيان الرد الصفواني وأكدنا من جديد على إننا "نعم نحن اخوان اليهود واعداء الصهيونية". وعلى الرغم من كل هذه المواقف المتطابقة مع مواقف الحزب الشيوعي، إلاّ أن جموع الطلاب كانت تؤيد الاتحاد وتنضم إلى صفوفه، لأن اتحاد الطلبة العراقي العام كان التنظيم الوحيد على الساحة الطلابية العراقية.
 وكان من أبرز فعاليات الاتحاد في البداية هي عقد المؤتمر التأسيسي في ساحة السباع في 14 نيسان من عام 1948 في بغداد بعد الوثبة. وشكل هذا الحدث منعطفاً مهماً في تاريخ الحركة الطلابية العراقية وعملنا الجماهيري الديمقراطي بين الطلاب. وجاء نتيجة  للتوجيهات الصائبة للرفيق فهد. فقد وجّه الرفيق فهد الطلبة الشيوعيين في الكليات، لم تكن جامعة بغداد قد تأسست بعد، وفي المعاهد وحتى في المدارس الأعدادية والمتوسطة إلى تشكيل لجان طلابية. وقد تشكلت هذه اللجان فعلاً في معظم الكليات وحتى في كلية الشريعة. وركزت في عملها على القضايا الاجتماعية والثقافية في بداية تكوينها. وبعد نجاح وثبة كانون الثاني عام 1948 والانتصار الذي أحرزته الجماهير في ممارسة الحريات الديمقراطية، توجه أعضاء اللجان الطلابية وخاصة الشيوعيين فيها إلى عقد مؤتمر علني. وتم تحديد مكان عقد المؤتمر في دار سينما "روكسي" الكائن في شارع الرشيد. وكنت أثناء عقد المؤتمر في بغداد بعد عودتي من كركوك.
وأخذت الوفود تتجمع عند مبنى سينما "روكسي". ولكن الشرطة كانت قد احتلت السينما وحالت دون عقد المؤتمر في دار السينما. وكان الطلبة الشيوعيين قد أخذوا احتياطاتهم، واستعدوا لعقد المؤتمر في  مكان بديل في منطقة عمالية في شارع الشيخ عمر وهي

                          
 
ساحة السباع في بغداد مكان انعقاد أول مؤتمر لاتحاد الطلبة العراقي العام في عام 1948
ساحة السباع. وقد تهيأ العمال لحراسة المكان. وقد دلّ ذلك على أهمية التخطيط والحيطة في العمل. وما أن بدأت الوفود بالتوجّه تباعاً إلى دار السينما، حتى كان في استقبالهم بعض الطلبة الذين طلبوا منهم التوجه إلى "ساحة السباع". وهكذا تم انعقاد المؤتمر الأول لاتحاد الطلبة العراقي العام في ساحة السباع في شارع الشيخ عمر وفي الهواء الطلق وبدون اية قاعة. وقد حضر المؤتمر شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري ، وألقى قصيدته الرائعة:
يـوم   الشهيـد   تحيـة   وسلام                بك والنضال تؤرخ الاعوام
بك والضحايا الغر يزهو  شامخاً               علم الحساب وتفخر الارقام
بك والذي ضم الثرى من طيبهم                  تتعطر الارضون  والايام
بك يبعـث الجيـل  المحتـم  بعثـه               وبك القيامة للطغـاة تقـام....
 
شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري يلقي شعره في ساحة السباع
وتوالت الخطب والكلمات في المؤتمر، وتم في النهاية انتخاب قيادة الاتحاد من العناصر البارزة في الحركة الطلابية وهم كل من جعفر اللبان رئيساً وأبو زيد صلال نائب الرئيس وخلوق أمين زكي سكرتيراً وعبد الجبار شوكت أميناً للصندوق ومحمود الجنابي وهادي هاشم ومحمد عبدالله رستم أعضاء في اللجنة التنفيذية. وقد شارك في المؤتمر جورج تلو وعمر علي الشيخ وعبد الرزاق مطر عن كلية الهندسة، وبدر شاكر السياب وابراهيم الشيخ نوري وابراهيم عبد الحسين وعناصر اخرى كثيرة. ولم تكن لدي معرفة بجميع الحاضرين لأنني لم أكن طالباً في تلك الفترة. وعندما اعتقلت لاحقاً، شاركني في المعتقل ابراهيم عبد الحسين وبدر شاكر السياب ورئيس الاتحاد في البصرة ولا اتذكر اسمه. تميزت الحركة الطلابية العراقية بتاريخ مجيد، وكانت اللجان الطلابية قد تأسست قبل نضوج الظروف لتشكيل اتحاد الطلبة العراقي العام. وفي عامي 1948 - 1949 وجهتضربات قاسية إلى الاتحاد، واعتقل عدد كبير من قادة وكوادر الاتحاد، وسجن آخرون لعدة سنوات ومنهم جورج تلو وابراهيم حسين وعبد الرزاق مطر وخلوق أمين زكي وغيرهم كثيرون.
بعد تجديد بناء الحزب وتولي بهاء الدين نوري قيادة الحزب في عام 1950 – 1951، دبّ النشاط مجدداً في اتحاد الطلبة. وعاد الكثير من العناصر النشطة التي فصلت من معاهدهم
    
                          

إلى مقاعد الدراسة. وتحركت الاجواء وبدأت النشاطات الطلابية. وكان من أبرز قياداتها حمدي ايوب، إضافة إلى مهدي عبد الكريم وطاهر عبد الكريم وكلاهما من مدينة طويريج. وفي عام 1952 برز نشاط الاتحاد على الساحة بشكل واضح. وفي هذه السنة أيضاُ تأسست رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية.  ولا بد من الاشارة إلى أن قيادة الحزب في تلك الفترة كانت من العناصر الشابة وتفتقر إلى الخبرة والتعامل مع الأحداث، إلاّ أنها كانت تتميز بالجرأة والاندفاع والقدرة على خوض النضال. ولكنها لم تكن يمستوى الأحداث منذ ان فقدنا قيادة الرفيق فهد. فالقيادات التي أتت بعده لم تقدم الحزب خطوات إلى الأمام، بل كانت تواصل ما بذره الرفيق فهد. كما لعب ضعف الأحزاب الوطنية دوراً في ذلك. وعلى الرغم من ذلك، فإن الشعب العراقي كان ملتصقاً بالحزب ويتقبل شعاراته، وذلك يعود إلى ميزة تميز بها الشيوعيون وهي الإصرار والمواصلة وطرح المطالب المتعلقة بمشاكل الشعب ومعاناته. ولذلك كان الشعب يحترم الشيوعيين ويؤيدهم.
لقد تأسست في تلك الفترة نقابة السكك الحديدية بقيادة الرفيق علي شكر، وكان لها تأثير كبير على الساحة العمالية والسياسية. وقد تم حلها لاحقاً من قبل مستر سميث الذي بادر إلى تشكيل لجان عمالية كبديل للنقابة وسميت بـ"لجان سميث" من قبل العمال من باب السخرية. ومن المفارقة أن حزب الشعب كان قد أيد تلك اللجان. ونتيجة لذلك بدأت المعركة من أجل الدفاع عن النقابة والمطالبة باعادة شرعيتها.  ويبدو لي أنه كان من المناسب أن يكون التعامل ومعالجة الموقف بمرونة. وأرى أنه كان هناك قدر من التزمت من قبل قيادة الحزب في التعامل مع القوى والاحزاب الاخرى مثل الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الشعب والاتحاد الوطني بقيادة عبد الفتاح ابراهيم، والتي كانت هي الأخرى مضطهدة من قبل الحكم. فالحكم كان يناور مع هذه الأحزاب، فتارة يبيح لها حرية النشاط لبضع شهور، ثم يغير اتجاهه ليقوم باعتقال قادة وأنصار هذه الأحزاب. ومن الجدير بالذكر إن هذه الاحزاب كانت بشكل عام قريبة من الحزب الشيوعي العراقي، وكان لها تأثيراً كبيراً على الجو السياسي آنذاك. ولم يكن الموقف غير المرن للحزب الشيوعي بعيداً عن المزاج العام الحاد للعراقيين في التعامل مع المنافسين.
ــــــــــــــــــــــــــــ
فصل من كتاب تحت قيد الطبع بعنوان "صفحات من السيرة الذاتية" للمرحوم ثابت حبيب العاني.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

496 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع