خامنئي رجل سلطة ما على رأسه ريشة

                                             

                             إبراهيم الزبيدي

ما جرى في العراق مؤخرا ضد رسم الكاريكاتير الذي اعتذر عنه اسماعيل زاير، وليته لم يعتذر، مهزلة بكل أضلاعها الأربعة.

فلو كانت حكومة نوري المالكي، وحدها، هي التي هاجت وماجت ضد الصحيفة لقلنا إن هذا هو سلوكها الطبيعي والاعتيادي من أول أيامها، وبالتالي  فليس جديدا ولا غريبا عليها أن تصادر حرية رأي، أو تعتدي على صحفيين. لكن الأمر تعداه إلى جماهير غفيرة من شعبنا العراقي (العظيم) صانع الحضارات، منهم أفندية، ومعممون، ومعقلون (نسبة إلى العقال)، تظاهروا في شوارع بغداد وساحاتها ضد صورة، نعم صورة ليس أكثر، ثم هاجموا مقر الصحيفة التي نشرتها بالمتفجرات. وتقول أنباء عاصمة الرصافي والسياب والجواهري ومصطفى جواد وعبد العزيز  الدوري وعبد الجبار عبد الله وجواد سليم ومحمد غني حكت وعزيز علي وعبود الكرخي وأبو قاطع إنهم  المتظاهرين ما زالوا يحاصرون المحررين والعمال الأبرياء في مبنى الصحيفة.
إن جوهر المسألة هي أن خامنئي، عمليا، رئيسٌ لرئيسِ الجمهورية، وفوق الوزراء، ورئيس البرلمان، وقائد الحرس الثوري، ورئيس المخابرات، ورئيس البنك المركزي، ووزير النفط، ومدير الملف النووي، ووزير الخارجية، والداخلية، والدفاع والتربية والتعليم والثقافة والبلديات. يعني أنه رجل سلطة وسياسة ومال بامتياز، وهذا ما ينزع عنه صفته الدينية والمذهبية بالكامل. كما أنه، بصفاته السلطوية العديدة هذه، لم يعد مرجعا لأحدٍ من الطائفة.
والآن تعالوا ننظر إلى الكاريكاتير بعيون محايدة. ماذا يقول؟.
يقول الكاريكاتير إن خامنئي القائد الأعلى لكل شيء في إيران، ليس أكثر من لسان وأسنان وعيون جاحضة متوثبة لا تشبه عيون البشر. هذا ما فهمته أنا من الكاريكاتير، وربما لا يكون رسامُه قصد ما فهمته، وقد يرى فيه غيري شيئا آخر مختلفا، وهذه براعة الفن.
وفي كل الأحوال فلا أنا برؤيتي للصورة، ولا رسامُها، ولا اسماعيل زاير، قمنا بشتم خانئي والتطاول عليه، بل حاولنا تحليل شخصيته السياسية السلطوية وحدها. وهذا من حقنا، بل من واجبنا الأكيد.
ولأن دستور العراق ضمن لنا حرية الرأي والقول والتعبير، إذا لم نمس المحرمات، وخامنئي لا يدخل في خانة المحرمات، فلم يكن تصرف (الجماهير العريضة العراقية) ضد صورة كاريكاتير عابرة معقولا ولا مقبولا بكل المقاييس والموازين.
ثم ما هذا العمى في البصر والبصيرة؟  ألم تتعضوا بما فعله الخميني يوما حين كان سببا في أن يصبح سلمان رشدي بطلا عالميا من أبطار حرية الفكر والعقيدة؟ ألم يساعد على نشر كتابه (آيات شيطانية) بجميع لغات الكرة الأرضية؟ ألم يكن الأفضل والأكرم لو تجاهلت (جماهيرنا العراقية العريضة) تلك الصورة، وتركتها تمر كآلافٍ غيرها، ولم تجعل منها شرارة توقظ النقمة النائمة في ملايين العراقيين والعرب على إيران وعلى حبايب إيران؟
فالصورة تحدثت عن رئيس دولة خارجية، أولا، وثانيا هي لم تمس مذهبه ولا دينه ولا قومه بسوء، لا من قريب ولا من بعيد. فعلام حكمت هذه الجماهير (العراقية) على رسامها (العراقي) بالخيانة العظمى، وأدخلته في طابور الملحدين والمتطاولين على المذاهب، والمتهمين بتهديد الأمن الوطني؟.  
لقد سبقني كثيرون من زملائي الكتاب والمعلقين فاعتبروا هيجان (الجماهير العراقية العريضة) دليلا على أن دولتنا ليست مستقلة بتاتا، بل لم تصل حتى إلى مرتبة مستعمَرة تابعةِ لإيران، لأن لشعوب المستعمرات حقوقا كفلها القانون الدولي، أولها احترام ثقافة شعبها وتراثه، وضمان حرية الرأي والفكر والعقيدة. رغم أن  القانون الدولي نائم هذه الأيام.
وحتى لو سلمنا بأن بلادنا ساقطة تحت حكم الاحتلال الإيراني، وهذا ما هو واقع فعلا، فمن باب الحكمة والحنكة والشطارة أن تحسب دولة الاحتلال الغازية حسابَ الزمن الدوار، وأن ُتبقي على شعرة معاوية، و(تترك للصلح مطح). لأن الدنيا يومان، يوم لك ويوم عليك. وقد علمنا التاريخ الدامي الطويل أن كثيرا من الشعوب التي استعمرتها دول مجاورة طردت غزاتها المستعمرين شر طردة، بل استعمرتهم هي ذاتها بعد ذلك، كما فعل بنا الاسبان، وكما فعلنا نحن بالترك، وبالفرس مرات ومرات.
ولكن الذي يؤلم ويخيف في هذه التظاهرات (الجماهيرية الشعبية العراقية) ضد صحيفة نشرت صورة، سواء كانت مسيرة بأوامر محلية (وطنية ديمقراطية) من حكومة المالكي، أو مأمورة مباشرة من سفارة الباب العالي في بغداد، هو أن شعبنا العراقي ودع عقله، وغادر طيبته، وفقد روح التسامح والأريحية والتحضر والوسطية، وغاص في الهمجية التي يشجع خامنئي، نفسُه، على نشرها في الأوطان المستعمَرة، ليسهل عليه ترويضها وحكمها وسوقها إلى ساحات حروب حلمه الشرير غير الرحمني وغير الإنساني والمخالف لطبيعة العصر والأوان، وهو إقامة امبراطورية فارسية قومية عنصرية في القرن الواحد والعشسرين، ولكن على جماجم الشيعة والسنة في دول الجوار، وبدمائهم وخراب بيوتهم.
إن خامنئي قاتل بكل المقاييس. وتعالوا نتحاسب. كانت الحرب العراقية الإيرانية حربا طائفية بامتياز، وكانت شرارتها الأولى هي فكرة الخميني في تصدير الثورة إلى العراق، ومنه إلى دول المنطقة الأخرى، لتحريرها من الكفر والكفار، وإقامة الامبراطورية الخمينية، وفق الفهم الخميني للإسلام.
ولولا أنْ تصدت له الطائفتان العراقيتان معا، ولولا أن توفر لردعه حاكمٌ مقامر عنيد آخر مارس السياسة بالعضلات والاغتيالات وقطع الألسن والمقابر الجماعية، لكان العراق ودول أخرى في المنطقة مُستعمراتٍ فارسية منذ عام 1980، ولكانت الدماء قد سالت وظلت تسيل منذ ذلك التاريخ ولم تتوقف. تماما كما يحدث اليوم في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن والبحرين.
وعند هذا الحد يتحمل خامنئي، نصف جريرة الأرواح التي أزهقت في تلك الحرب اللعينة، من الطرفين، وجريرة ما احترق وما تهدم من منازل ومدارس ومصانع ومستشفيات وجسور، وما ضاع من مال كان كفيلا بجعل إيران والعراق والمنطقة جنان الله الوارفة، بلا منازع.
ثم انتهت تلك الحرب على مضض، وما زالت تأثيراتها وأضرارها تتواتر إلى اليوم.
وكان المؤمل أن يفتح غياب الخميني في العقل السلطوي الإيراني صفحة إيرانية جديدة من الفهم الواقعي لتعقيدات المنطقة، وأن يُرسي قواعدَ تعامل ٍ صحيحة ً، بينها وبين جيرانها، أقل ما تتميز به هو الجنوح إلى السلم، والمراوحة والتفاهم والتكامل المصالحي، لتفادي حروب جديدة ذاق الطرفان مرارة أهوالها. لكن الخلف جاء أشد من السلف قسوة ودموية، وأكثر إصرارا على إشعال الحرائق في كل مكان يستطيع الوصول إليه.
ثم سقط نظام صدام بدبابات أميركية خالصة، ولكن بمعونة إيرانية وسورية أسدية لا تنكرها إيران، بل تباهي بها على الدوام. يومها دخل العراق في عصر المليشيات الشيعية المُولَّدة والمموَلة والمسلحة والمدرَبة في إيران، تقابلها "مقاوَمات" سنية تمولها وتسلحها دول عربية وأجنبية، منها وفي طليعتها إيران أيضا، بحجة مقاومة الاحتلال، لكن ضحايا "جهادها" كانت دائما من العراقيين وليس من المحتلين. ثم يكتشف العالم، بعد سنين، أن إيران ترعى القاعدة (السنية)، وترسل "أوباشها" عبر أراضي حليفتها سوريا إلى مدن وقرى لا تقع في العراق السني وحده، بل في الشيعي أيضا، لتعميق الضغينة بين الطائفتين، ولحشد الجماهير الشيعية حطبا لحروب الولي الفقيه.
وبين هذا وذاك سالت دماء غزيرة أخرى، واحترقت منازل ومدارس ومساجد وأسواق عديدة، وُتعلق، كلهُا أيضا، برقبة الولي الفقيه.
كما ينبغي ألا ننسى التواجد الإيراني الاحتلالي في سوريا، ماليا وعسكريا ومخابراتيا، وحتى فكريا وثقافيا، والذي كان أهم أسباب النقمة الشعبية السورية على نظام الأسد، والمحرك الرئيس الذي فجر ثورة السوريين عليه وأحرق سوريا وجعلها خرابة.
وفي هذه أيضا تتحمل رقبة خامنئي جريرة الدماء التي سالت وسوف تسيل، من السوريين واللبنانيين والعراقيين، على التراب السوري وعلى الأرض اللبنانية والعراقية، بفعل هذه الحرب البائسة. فلولا قواته ومخابراته وشبيحته وحزبُه اللبناني وأمواله المدفوعة لبشار ولروسيا والصين، ولولا مليشياته العراقية المتخلفة التي تدعي حماية مقام السيدة زينب، لانطفأت تلك النار اللعينة من زمان.
وفي لبنان، من أيام قوات الردع السورية في السبعينيات، إلى احتلالات حزب الله واغتيالاته وحروبه الداخلية والخارجية، صارت مقابر الشهداء هي الأكبر والأوسع والأكثر انتشارا في هذا البلد الجميل. وذنبها كله معلق برقبة خامنئي أيضا دون سواه.
وفي فلسطين أيضا، تغلغلت الأصابع الإيرانية لتشعل نيران المذابح "الوطنية" الفلسطينية، بين موالين لإيران ومعارضين. يضاف إليها دماءُ اليمنيين، من الحوثيين وخصومهم، ودماءُ البحارنة، من المعارضة المُحركة إيرانيا ومن الحكومة والشعب الآمن البريء.
وما زال خامنئي مصرا على نهجه الدموي العدواني ضد شعوب المنطقة كلها، والذي هو أبعد ما يكون عن دينٍ أمر بعدم قتل النفس التي حرم الله، إلا بالحق. أما الحق فاختصاص خامنئي وحده. فهو الذي بيده أن يجعل قتل هذا حقا، وقتل ذاك باطلا. وهذه أيضا واحدة أخرى من كبائره التي لا تغتفر.
أفبعد هذا كله لا يصبح من حق رسام كاريكاتير عراقي واحد أن يقول آه، وأن يرسم خامنئي كما يرآه؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

580 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع