وداعا نوري المالكي

                                        


                             إبراهيم الزبيدي

إن ما يمكن إدراكه بسهولة ودون عناء، خصوصا بعد أن ننزع النظارات السود المنحازة لهذا الفريق من السياسيين العراقيين أو ذاك، هو أن العراق يتعافى ويدخل في مرحلة النقاهة، بكل كوابيسها وموجات الحمى المتقطعة التي ترافقها.

وأول مظاهر هذه الاستدارة في مسار سفينة العمل السياسي المفروض على العراقيين بقوة السلاح الأمريكي والإيراني، من جهة، وبقوة القبيلة السنية وأموال أثريائها من جهة أخرى، أن الجبل البرلماني العراقي تمخض أخيرا عن غزالة وليس فأرة حين أخرج من عنق الزجاجة قانون الانتخاب الذي يبشر بالخير ويعد بالصحو الوطني المقبل، إذا ما صحت فطنة الناخب العراقي هذه المرة، وتمكن من تحكيم ضميره ومصالحه الحقيقية قبل ولائه للطائفة والقبيلة والمدينة والدينار السياسي، ولتوجيهات المرجعية وخطابات المعممين.

ورغم أن العصا الأمريكية الغليضة هي التي اقتحمت أروقة البرلمان بثياب الأمم المتحدة وأخرجت القانون من سجنه المظلم الكبير، إلا أنها فرصة ذهبية للشعب العراقي لالتقاط أنفاسه، وللتخلص من كثير من الشوائب والطفيليات والحشرات الضارة التي ملآت المنطقة الخضراء، وتسربت إلى ثياب الوطن الكبير عشر سنواتٍ عجافا وسودا لا أعادها الله أصحابها ولا أعاد أيامها على العالمين.

إن ولادة قانون الانتخاب الجديد أثبت أن الكلمة الأمريكية ما زالت ماشية على كثير من القوى السياسية العراقية الفاعلة والمؤثرة في الساحة، وأن أوامر الولي الفقيه ليست أقوى من (تلفون) جو بايدن وكيري وسفارة العم سام.

وما رافق الزيارة الخائبة لواشنطن والتي عاد منها السيد نوري المالكي مكسور الخاطر دليل قاطع على إدراك البيت الأبيض أن مصالحه في هدوء العراق واستقراره وتوقف عجلة الموت والفساد والطائفية أكبر وأهم من نوري المالكي ونهجه السقيم.

أما ما يعنينا في هذا الحدث الجلل فهو أنه وضع أمام العراقيين فرصة ذهبية نادرة لقلب الطاولة ليس على تجار السياسة وسماسرة الطائفية والعنصرية والمهربين، فقط، بل على أي نوع من أنواع التدخل غير المشروع في تقرير مصير الوطن وأهله الطيبين المسالمين الأبرياء.

فحتى لو كانت الهدية الانتخابية أمريكية بامتياز فمن العقل والفطنة والمصلحة الحقيقية للمواطن العراقي المنهوب والمسروق والمغدور والمخدوع أن يختار نوابه بعناية، وأن يقيس صلاحهم بمدى ولائهم لناخبيهم، قبل ولائهم لإحدى السفارتين.

ويبدو أن اتجاه الريح الجديدة يبشرنا بالخير العميم. فالقانون الجديد له فوائد كثيرة ومهمة. أولها أنه سيزحلق السيد نوري المالكي، ويرفع يد ولي عهده الأمين حمودي عن رقاب العراقيين، ويقضي على أحلام حزب الدعوة في أن يستعير من الماضي القريب جبروت الحزب القائد وأقبية مخابراته التي لا تعدل ولا ترحم ولا ترتوي.

وهذه وحدها نعمة ما بعدها نعمة. لأن رحيل هذا المسكون بهوس السلطة المطلقة وبغرور الحاكم (الفلتة) الذي يفهم في كل شيء ويمسك بكل شيء مدخلٌ رائع وعظيم لتقليم أظافر الذي سيأتي بعده، ولمنعه من احتكار الدفاع والداخلية والأمن والمخابرات والمال والخارجية والتربية والنفط والآثار والزراعة والموسيقى والغناء وتجارة الأغنام والسمك والسكائر المهربة.

وأكبر الظن، بل أكبر الأمل، أن يتحقق الحلم ويسقط نوري المالكي ويدخل هو وحزب الدعوة في النفق الذي دخله محمد مرسي والإخوان المسلمون المصريون، ولكن بدون عبد الفتاح السيسي وباسم يوسف ومظاهرات رابعة العدوية الحالمة باستعادة أمجاد غير قابلة للرجوع.

وفي أول أيام سقوط نوري المالكي ستخرج ملايين العراقيين بالزهور والرياحين والزغاريد فرحا بيوم الحرية الحقيقي الجديد، وستخرج من أقبية هذا الحزب الأعمى عشرات الآلاف من النساء والرجال والأطفال الأبرياء التي أخذوا بشبهة قانون 4 إرهاب الذي يسميه العراقيون اليوم ( قانون سبعة قاصر)، وسيسقط أميون ومزورو شهادات ومختلسون ومرتكبو جرائم قتل بالكواتم والمفخخات.

نعم. نستطيع من اليوم أن نتنبأ بذلك اليوم المبارك الجميل. بل نستطيع من اليوم أن نودع الديكتاتور الخائب الجاهل الذي فشل حتى في تعلم الديكتاتورية على أصولها، وحياكتها خطوة خطوة وبالنفس المخادع الطويل. فهو أراد أن يصنع في سنوات ما بذل غيرُه، لتأسيسه، عشرات السنين، ثم سقط في لحظة غادرة.

نعم. نستطيع من اليوم أن نقول له وداعا أبا حمودي، ووداعا أبا مجاهد وحسن العامري والأديب والسنيد والركابي وسامي العسكري والعطية وسائر نائبات الحزب النائحات الشاتمات المدثرات بالسواد.

إن من المؤكد أن سقوط السيد نوري المالكي سيريح الملايين، ولكن المؤكد أكثر أنه لن يستريح، بل لن يذوق طعم نوم مريح يوما واحدا في حياته الباقية، إلا إذا أخذ ملياراته وهرب إلى أحضان الحبايب.

ففي انتظاره ملفات لا تعد ولا تحصى عن مخالفات مالية وإدارية، وقرارات مجحفة ظالمة، وعن إهدار ثروات طائلة، وقتل كثرين عمدا أو عن غير عمد. فمن محكمة إلى أخرى، ومن موقف إلى آخر، ولن يتنهي هذا المسلسل الأليم. ولكن على نفسها جنت براقش.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

691 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع