مقتدى وتدوير نفايات المنطقة الخضراء

                                                 

                          عوني القلمجي

مقتدى وتدوير نفايات المنطقة الخضراء

منذ ان تمكن ثوار تشرين من اسقاط حكومة عادل عبد المهدي، واجبار خلفه مصطفى الكاظمي على اجراء انتخابات مبكرة وتحديد موعد لها، اصطكت ركب اشرار عملية الاحتلال السياسية خوفا وذعرا من مواجهة مصيرهم الاسود، لما ارتكبوه من جرائم يندى لها جبين الانسانية. اهونها سرقة المال العام والخاص واكبرها خيانة الوطن، وبينهما جرائم القتل والاغتصاب والتفجيرات وقتل الثوار بدم بارد. خاصة وان الثوار قد ربطوا بين الانتخابات وبين كتابة قانون جديد للانتخابات وقانون للاحزاب وتشكيل مفوضية وطنية ولجنة قضائية مستقلتين. الامر الذي سيفسح المجال واسعا امام الوطنيين للفوز بمعظم مقاعد البرلمان، وهذا يسمح بدوره بتشكيل حكومة وطنية مستقلة تنقذ العراق من شرورهم.
ومعروف ما حدث. فبعد ان وجدوا صعوبات كبيرة في تجاهل هذه المطالب والشروط، خشية من ازدياد نار الثورة اشتعالا، لجاوا الى اللعب بالبيضة والحجر لركوب موجة الانتخابات المبكرة. فدقوا الدفوف ورقصوا لها وتسابقوا في تاييدها، على امل الالتفاف عليها بطرق ملتوية تسمح لهم بالفوز مرة ثانية. وفعلا تم لهم ما ارادوا. فاجروا تعديلات ترقيعية على قانون الانتخابات وتجاهلوا كتابة قانون للأحزاب يجرم الاحزاب الطائفية والعنصرية والموالية للاجنبي، وتشكيل مفوضية من بين هؤلاء الاشرار، وتعيين لجنة قضائية على مقاسهم. مستغلين قرار ثوار تشرين الطوعي بوقف تصعيد الثورة، حرصا على سلامة ارواح العراقيين من انتشار وباء كورونا القاتل. ناهيك عن غياب اهم هذه الشروط والمتمثل بتشكيل حكومة وطنية مستقلة، لا حكومة محاصصة طائفية كحكومة الكاظمي، تتحكم بها ميليشيات مسلحة تاتمر بارشادات الولي الفقيه الايراني علي خامنئي.
وكما جرت العادة، فان الراقص الاول لهذه الانتخابات المبكرة كان مقتدى الصدر. الذي توالت تغريداته المؤيدة لها، ومطالبة الناس بالاشتراك فيها بقوة والاعلان عن دخوله فيها بشحمه ولحمه، وليس بطريقة اللف والدوران. بل ذهب الصدر ابعد من ذلك، واعتبر هذه الانتخابات الفرصة الاخيرة لاصلاح البلد!!!. ليس هذا فحسب، وانما هدد بكل صلافة ووقاحة، بان مطالبة الثوار برفض مشاركة هؤلاء الاشرار بالانتخابات او اتهامهم بالسرقة، او الفساد دون تقديم دليل، يرتكبون جريمة يستحق عليها العقاب. وتعهد بان يكون العقاب على يد عصاباته المسلحة، التي وصفها بانها اصبحت جاهزة للتحرك حال استلام اشارة من عنده، او قصقوصة على حد تعبيره. تصريحك هذا يا مقتدى يدرج في خانة المثل الشعبي " اللي بعبه عنز يمعمع" فلو قدر ان يطبق في العراق قانون من اين لك هذا، لتم تجريمك قبل غيرك بتهمة السرقة والتصفيات الواسعة للعراقيين والمقابر الجماعية في منطقة ما يعرف بخلف السدة. اظنك يا مقتدى تعلم ان السؤال الاكثر حضورا على السنة العراقيين اليوم، هل غناكم الفاحش ورثتموه عن ابائكم واجدادكم الكرام ذوي الدخل المحدود؟
ليس غريبا والحالة هذه ان يلقى الموقف الصدري المخزي هذا صداه لدى هؤلاء الاشرار، وخصوصا مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة. فقد وجد فيه سندا قد يغطي به على عمالته وخيانته الوطنية من جهة، وتبرير فشله، في تحقيق اي من وعوده الوردية من جهة اخرى. خاصة فيما يتعلق بالحد من النفوذ الايراني وانهاء دور المليشيات وحصر سلاحها بيد الدولة، او توفير الخدمات او تحقيق الامن والاستقرار. زد على ذلك تراجعه عن فتح ملفات الفساد، والغاء المحاصصة الطائفية وتقديم حلول للازمة الاقتصادية. في حين ظهرت هزالة موقفه ضد التدخلات الاقليمية بشكل مخجل ومعيب. فاذا كان اسلافه قد قبلوا بالخضوع للاجندات الايرانية بالسر، او تحت الطاولة كما يقال، فان الكاظمي قبلها بوضح النهار. ناهيك عن تراجعه عن تقديم قتلة ثوار تشرين للمحاكم.
لقد اثبت الصدر بمواقفه المخزية هذه، بانه المحامي عن العملية السياسية وانه لن يتردد في ارتكاب اي فعل اجرامي لحمايتها من السقوط. وبالتالي اثبت نصرته لاسياد العملية السياسية وفي المقدمة منها امريكا وايران، وكلا البلدين المحتلين لا يفكر بغير تدمير العراق والايغال في الحاق الاذى بشعبه. بمعنى اخر فان القادم الجديد، سواء كان ضعيفا او قويا، كفوءا او جاهلا، وطنيا او عميلا، لن يتمكن في ظل هؤلاء الاشرار من تحقيق اي اصلاح مهما كان متواضعا لصالح الشعب العراقي. بل سيسير على خطى اسلافه في اعلاء شان هؤلاء الاشرار بمنحهم حصة الاسد في حكومته وتوزيع الوزارات والمناصب والدرجات الخاصة بالطريقة القديمة نفسها. هكذا فعل جميع رؤساء الحكومات التي تعاقبت في ظل الاحتلال. بدءا من اياد علاوي وابراهيم الجعفري، ومرورا بنوري المالكي، وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي، وانتهاء بمصطفى الكاظمي.
كل ما يستطيع فعله رئيس الوزراء، سواء كان الكاظمي او غيره، هو تلوين جلباب اسلافه بالوان براقة وزاهية لذر الرماد في العيون. والمقصود هنا احتمال قيام الحكومة الجديدة باصلاحات خدمية متواضعة، على امل ارضاء العراقيين الذين ضاقت بهم سبل الحياة، لحرمان الثورة الشعبية من وقودها الدائم، تمهيدا للالتفاف عليها وانهائها. خاصة وان المحتل الامريكي والى حد ما الايراني ، قد ادركا تماما بان استمرار عمليات النهب والفساد والسرقة وارتكاب الجرائم بهذه الطريقة المكشوفة والصلفة، ستؤدي بهذا الشعب المظلوم الى التخلي عن الثورة السلمية وتحويلها الى ثورة مسلحة. بعبارة اخرى، فان هؤلاء الاشرار، سيقبلون على مضض تقديم بعض التنازلات، التي لا تمس جوهر مصالحهم، ولا تقلل كثيرا من مكاسبهم غير المشروعة. وهي محاولة بائسة لن تجنبهم مصيرهم الاسود وخسران كل ما ملكوه من المال الحرام، وربما فقدان حياتهم.

هذه هي الحقيقة واي مراهنة على الانتخابات الجديدة في ان تنتج عنها حكومة وطنية تلبي مطالب الثورة، هي مراهنة فاشلة جملة وتفصيلا. لسبب بسيط اثبتته الوقائع وتجارب الشعوب مفاده، بان المحتل عبر عصور التاريخ المختلفة لم يقدم الخير والسلام والتقدم للبلدان التي احتلها، وانما قام بهدمها وتقسيم اراضيها وتمزيق وحدتها الوطنية وتهجير اهلها وتجويعهم واذلالهم، وان الاداة التي تقوم بتنفيذ هذه المخططات الغادرة هي الحكومات المرتبطة بالمحتل، وحكومة الكاظمي او التي تليها، لن تكون سوى واحدة من هذه الحكومات.
باختصار شديد جدا، فان الانتخابات في العراق هي كذبة مفضوحة، وان المشاركة فيها هي بمثابة الاعتراف بمشروعية العملية السياسية، كون الانتخابات احد اعمدتها، وفي الوقت نفسه اعطاء الحق لذات الوجوه الكالحة التي ستفوز حتما، لمواصلة سرقاتهم من جهة، وخدمة مشروع الاحتلال وتكريسه لعقود طويلة من الزمن من جهة اخرى. بمعنى اخر اكثر وضوحا، فان امكانية وصول وطنيين ومخلصين الى البرلمان، وتشكيل كتلة كبيرة، تكون قادرة على اصلاح العملية السياسية من داخلها، امكانية غير قابلة للتحقيق. بل وتدخل في خانة المستحيلات. حيث سيصطدم القادمون الجدد، بكل تاكيد، بالحيتان الكبيرة التي ليس من مصلحتها اجراء اي اصلاح مهما كان متواضعا. وسيصطدمون ايضا بالدستور الذي يحمي هذه العملية السياسية الطائفية من اي اختراق. والذي لا يمكن تعديله او تعديل اية مادة فيه تضر بمصالح اي طرف فيها لامتلاكه ما يشبه حق الفيتو وفق الفقرة الرابعة من المادة 142.
اقول لمقتدى الصدر، ان تروج للانتخابات في ظل حكومة مليشيات مسلحة وتقوم بشرعنة عملية الاحتلال السياسية فهذا شانك، او ان تستعرض عضلاتك وتتحدث باسم، ما يسمى بالدولة العراقية، وبلغة وقحة متى شئت فهذا امر يخصك. او ان تدعي بانك الزعيم الاوحد والقادر على صنع المعجزات فهذا طبع الجهلة. لكن ان تهدد الشعب العراقي بالعقاب اذا تجاوز على حرامي مثلك، فهذه وقاحة وقلة ادب، مهما ادعيت الوطنية والنزاهة والصلاح. اذ كيف تستقيم هذه الادعاءات وانت لا تزال تلميذا نجيبا في مدرسة الفساد التي اسسها المحتل الامريكي وساندها المحتل الايراني؟ هل نسيت بان العملية السياسية التي تحميها هي صناعة امريكية صهيونية بامتياز؟ وان الحاكم المدني بول بريمر هو من صممها ووضع اسسها لتكون معولا لتدمير العراق دولة ومجتمعا؟
لقد اثبتت الوقائع يا مقتدى بانك ناصر الفساد والفاسدين، لا الدين والوطن. واكدت بتهديداتك بمعاقبة كل من يخالفك، بانك من قاد ويقود الطرف الثالث الذي قتل الثوار، وانك مصر على تكرار جرائمك في المستقبل. وهذا ليس غريبا عليك فلقد تكفلت منذ بداية الانتفاضات بانهائها، حين تعجز الحكومة عن فعل ذلك. وما زلنا نذكر جيدا فعلتك المشينة، بالالتفاف على الثوار الذين اقتحموا المنطقة الخضراء واجبروا نوابها واعضاء حكومتها على الفرار كالجرذان المسعورة. حيث دخلت الى المنطقة الخضراء ونصبت خيمتك قرب بوابتها، وسط ترحيب ضباط الحماية، واجبرت الثوار على الانسحاب منها، بعد ان سقطت الحكومة بايديهم.
ختاما اكرر ما قلته سابقا، بانك بافعالك المشينة هذه لن تفلت من عقاب الشعب العراقي، مثلك كمثل الاشرار الاخرين في المنطقة الخضراء.
عوني القلمجي
19/11/2020

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

580 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع