معدن الحديد في بلاد الرافدين

                                                         

                الاستاذ الدكتور صلاح رشيد الصالحي

معدن الحديد (Khusarum) في بلاد الرافدين

    

شكل 1: خوذة حديدية الارتفاع (30.8) سم، عثر عليها في كالخو (موقع جنوب شرق نمرود) في شمال بلاد الرافدين وتعود تاريخيا إلى العصر الاشوري الحديث في القرن الثامن ق.م، (من مقتنيات المتحف البريطاني في لندن) (اليمين)، جنديان آشوريان أحدهما حامل قوس، والثاني حامل درع وسيف قصير، وكلاهما يرتديان نفس شكل الخوذة الحديدية، وصور النحات الآشوري عضلات الساق واللحى الكثيفة للجندين دلالة على القوة والرجولة في مواجهة الاعداء (اليسار)
على الرغم من ان الحديد كان شائع الاستعمال في عصر البرونز فانه على العموم كان نادرا ويعد تحفة نادرة، وقد لاحظ البريطاني (هنري لايارد) في رحلته التي دامت ثلاثة أو أربعة أيام من الموصل وجود خام الحديد بكميات مبعثرة على جوانب السفوح الجبلية، وأكدها الرحالة (George Percy Badger) الذي زار المنطقة الجبلية شمال الموصل عام (1842-1850) م فذكر وجود كميات من الحديد في منطقة تياري (Tiyari) ومن المحتمل في مناطق موصاصير (Musasir) (راوندوز في محافظة أربيل)، واوراراتو(شرق تركيا)، وكركميش (على نهر الفرات في تركيا) وهذه المناطق كانت معروفة في انتاج خام الحديد، وقد استعمل الحديد في المقام الأول للقطع الصغيرة من الحلي والزينة ونصال الأسلحة، ويطلق عليه بالسومري آن-بار (AN. BAR) والمعنى (آن) تعني (السماء) وبار (الحديد) والترجمة معناها (معدن السماء) أو (النيزك)، وبالأكدية بارزيلو (parzillu)، وقد استورد الحديد من بلاد الاناضول اضافة إلى جهات اخرى ذكرتها النصوص المسمارية فيما بعد كمصادر للنحاس أيضا مثل قبرص (أطلق عليها في المصادر المصرية، والحثية أسم ألاشيا، وفي النصوص الآشورية كبتارو)، ومـﮔان (عُمان)، ومن الملاحظ عدم وجود أسعار ثابته للحديد في النصوص المسمارية قبل الألف الأول ق.م، وفي النصوص الصورية من الوركاء، كتب بالعلامة الصورية للحديد هي (أن) (an) تعني (السماء) و (الحديد) ويفهم على انه (المعدن الذي من السماء) ربما يعود إلى الأصل النيزكي لبعض أقدم قطع الحديد المعروفة من عصر الوركاء (3500) ق.م، وأور، وتل العبيد (4000) ق.م، ولكن هل كان سكان بلاد الرافدين يشاهدون النيزك يمر عبر السماء وقادرين على أن يجدوه بعد أن ينزل إلى الأرض ويلاحظوا خواصه المعدنية ويحاولون بعد ذلك أن ينتجوا شيئا منه؟
في عصر المستوطنات التجارية الآشورية في بلاد الاناضول كان الاتجار في هذا المعدن الثمين (خوساروم) (Khusarum) غير مباح لكل المشتغلين بالتجارة إذ اعتبر من أملاك الإله آشور ولا يحق لأحد الحصول على هذا المعدن والتصرف فيه بالبيع عدا وكيل هذا الإله وهو حاكم آشوري (الواكلوم)، أو موظف كبير حمل للقب (با) مثل (عائلة "إنا-سين") وكان هذا شريكا للإله آشور بنسبة النصف في تجارة هذا المعدن وفقا لما أفاد به أحد النصوص من كابدوكيا فقد خصصت الأرباح الناتجة عن بيع معدن خوساروم وبعض المعادن الأخرى (الذهب، واحيانا النحاس) لمعابد الآلهة إقريبو(ikribu) (قربان؟ مقاربة من حيث اللفظ باللغة العربية) فيقال (قربان لآشور) (ikribu sha Ashur) عموما الاحتكار ليس للإله آشور فقط بل شملت القرابين الآلهة عشتار، وشمش، وأدد، وفي أحدى النصوص الآشورية ذكر النحاس المحسن مثلا للإلهة ننخرساك (dammuqum sha Ninkarak).
عموما سعى ملوك آشور للحصول على الحديد سواء عن طريق التجارة أو فرضه في الجزيات والغنائم الحربية فالجزية التي أرسلت إلى الملك سرجون الثاني من منطقة تابال (KUR. Ta-bal URU.QU-[e?]) و (كوي) (Que) تتضمن الحديد فضلا عن الجزية من قيليقيا (جنوب بلاد الاناضول).

                            

شكل 2: توفرت رواسب خام الحديد في بلاد الرافدين فسمحت بزيادة كبيرة في استخدام هذا المعدن في صناعة الأدوات والأسلحة والدروع في العصر الآشوري الحديث وما بعده، ويظهر في الشكل سيف حديدي ذو مقبض قمته على شكل انسان ويبدو ان المقبض كان من الخشب، وهناك نقوش تلي المقبض ويبدو ان هذا السيف لشخصية رفيعة المستوى (من مقتنيات متحف نيويورك)
وهكذا استخدم الحديد إلى حد كبير في إنتاج الأشياء النفعية مثل الأدوات، والأسلحة، وفي حلول القرن الثامن ق.م توصل العراقيون القدماء لمعرفة أنواع من الحديد مثل الحديد الممغنط، والحديد النيزكي، وكان الحدادون الماهرون في منطقة لورستان (Luristan) في شمال غرب إيران ضمن جبال زاكروس وهي من المناطق التي خضعت للسيادة الاشورية وكثيرا ما عثر على صناعات لورستانية في بابل وآشور.
كان تراث علم المعادن في بلاد الرافدين متطورا من حيث الاستخراج والتعدين، كما تم تطوير العديد من تقنيات صناعة المعادن في الشرق الأدنى القديم، بالإضافة إلى ذلك أدت التجارة البعيدة التي حفزها الطلب على خامات المعادن والتحف الجاهزة إلى انتشار واسع للمعرفة الفنية والأساليب التقنية عبر منطقة البحر المتوسط بأكملها، وأظهرت الاكتشافات الأثرية الحديثة وجود مصنع للنحاس يعود إلى أوائل عصر البرونز في مستوطنة خربة الحمراء إيدان (Khirbat Hamra) في جنوب بلاد الشام والتي اعتبرت اكبر موقع للمعادن ويؤرخ إلى (4500) عام مضت، بالإضافة إلى الفحص والتحليل المستمر للقطع الأثرية سوف تتوسع معارفنا بان اجدادنا عرفوا استخراج المعادن وتعدينها كان في بداية الالفية الثالثة ق.م.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

809 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع