تشيخوف واحد ام تشيخوفان

                                                    

                              أ.د. ضياء نافع

تشيخوف واحد ام تشيخوفان

هذا العنوان الطريف و المثير معا جاء عند الباحث الروسي المعاصر دميتري بيكوف في كتابه الصادر عام 2011 في موسكو . عنوان الجزء الاول من الكتاب – تقويم 1 ( وبعنوان اضافي هو – احاديث عن الشئ الرئيسي ), وعنوان الجزء الثاني - تقويم 2 ( وبعنوان اضافي هو – نقاشات عن الشئ غير القابل للنقاش ) . يضم الكتاب تواريخ ميلاد في كل شهر من شهور السنة لمختلف الشخصيات في روسيا والعالم ايضا وبعناوين طريفة ومبتكرة بكل معنى الكلمة ترتبط بتلك الشخصية , التي يصادف يوم ميلادها في ذلك الشهر او هناك حدث مهم جرى لتلك الشخصية في ذلك اليوم , وهي صياغة مبتكرة فعلا لتأليف كتاب باكمله حول الشخصيات التي يرغب المؤلف ان يختارها للكتابة عنها , وقد اتاحت هذه الطريقة للمؤلف ان يختار شخصيات متنوعة جدا , لايوحّدها موضوع واحد ولا يربطها مع بعض اي رابط , سوى انها ولدت في ذلك اليوم ليس الا او حدث شئ كبير في مسيرة حياتها بذلك التاريخ, وهكذا استطاع هذا الباحث ان يتكلم عن اي شخصية تخطر بباله , وقد تناول لينين وستالين وتشي جيفارا ومارغريت تاتشر والثورة الثقافية في الصين ومجموعة من الشخصيات العالمية الاخرى و في عدة مجالات , ومن جملة هذه الشخصيات كانت مجموعة من الادباء الروس , اذ تحدّث المؤلف عن – تشيخوف واخماتوفا وشولوخوف وتولستوي وبوشكين وماياكوفسكي وبابل واكسيونوف ولوناتشارسكي وغريبويديف وفيسوتسكي ونابوكوف واندرييف وسولجينيتسن , ومن الواضح تماما , ان هذه الاسماء مختلفة ومتنوعة جدا ولا يجمعها اي شئ مشترك .... وكل واحد من تلك الشخصيات الادبية الروسية جاء تحت عنوان طريف خاص به , وكان تشيخوف بعنوان – تشيخوفان ( الترجمة الحرفية لعنوان المقالة عن تشيخوف كما جاء عند المؤلف هو – 2 تشيخوف) , وقد ارتأينا ان نترجم عنوان تلك المقالة – (تشيخوف واحد ام تشيخوفان وكما ذكرنا في عنوان مقالتنا هذه) , وذلك للتركيزعلى هذا العنوان الغريب اولا , وثانيا لايصا ل الفكرة الاساسية التي اراد المؤلف ان يقولها للقارئ ( و القارئ العربي بالذات الذي نكتب له ) , وخلاصة تلك الفكرة تكمن في انه اراد ان يقول , ان هناك ( تشيخوفان اثنان ) وليس تشيخوف واحد في الادب الروسي , وهي فكرة غريبة فعلا ومثيرة ايضا لكل القراء , بغض النظر عن كونهم قراء روس او من قوميات اخرى , اذ ان تشيخوف اصبح كما هو معروف – ومنذ فترة ليست بالقصيرة - اديبا عالميا وليس اديبا روسيّا وحسب. 

لقد جاءت مقالة بيكوف عن تشيخوف تحت تاريخ ( 29 ) كانون ثاني / يناير 1860 , وهو يوم ميلاد تشيخوف , وتقع المقالة في ( 21) صفحة من الجزء الاول من ذلك الكتاب , ( تشيخوف 1 ) من ص37 الى ص 48 , و(تشيخوف 2) من ص48 الى ص 58 . يرسم المؤلف في مقالته تلك صورة ( انطباعية ) جميلة لتشيخوف , تعتمد بالاساس على نتاجاته الادبية ( ومن الواضح ان المؤلف يعرف نتاجات تشيخوف بعمق ), واقول ( انطباعية ) لأن الصورة تتكون من ( نتف ) , ان صح التعبير , من هنا وهناك من تلك النتاجات , حسب تعبيرنا العربي الشائع – (من كل بستان زهرة ) , وتبدو هذه النتف – للوهلة الاولى – وكأنها منتقاة بشكل عشوائي ودون اي خطة دقيقة واضحة المعالم لدى المؤلف, ولكن هذه المقاطع ترسم - في نهاية المطاف - فعلا صورة فنيّة متكاملة لتشيخوف الاديب , وهذه الصورة الفنية ذكرتني بقول لتولستوي عن تشيخوف , اذ قال تولستوي آنذاك ما معناه, ان تشيخوف يرسم بالكلمات لوحاته مثل الفنانين التشكيليين الانطباعيين , لا تستوعبها للوهلة الاولى , ولكن عندما تتراجع قليلا وتتأملها تكتشف جماليتها , وعندها تندهش . وهكذا الامر مع هذه الصورة الفنية لتشيخوف و التي رسمها بيكوف له , اذ اننا نكتشف هناك الاستنتاجات التي وصل اليها المؤلف , نكتشفها عبر الايماءآت في تلك المقالة , اوما بين سطور تلك المقالة ايضا . انها لوحة مرسومة وفق اجواء المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي , لوحة لتشيخوف , والتي اراد المؤلف ان يثبت فيها وجود ( تشيخوفيين اثنين ) في الادب الروسي , الاول هو تشيخوف (المعروف!) في الزمن السوفيتي , والثاني هو تشيخوف (غير المعروف!) لدى القراء في الوقت الحاضر , اي ان المؤلف رسم صورة تشيخوف كما يراها هو الآن , ونحن في القرن الحادي والعشرين , وهو يرى ان تشيخوف اكبرمن ان يكون كاتبا واقعيا وحسب , وانه كاتب يمتلك وحهة نظره الفكرية الخاصة به , وجهة نظر تتبلور فيها حتى الآراء السياسية والاجتماعية رغم انه قال كلمته هذه بشكل غير مباشر , ولكن القارئ الفطن يقدر ان يتلمّس كل هذا عبر الايماءآت التشيخوفية الفريدة في ادبه الرائع.
تشيخوف كان اديبا مشهورا في روسيا الامبراطورية , وكان علما من اعلام الادب في روسيا السوفيتية , وها هو ذا يثير الباحثين من جديد في روسيا الاتحادية . لقد تذكرت ما قاله لي المرحوم د. عبد الامير الورد عن تشيخوف , عندما دردشت معه قبل اكثر من عشرين عاما في كليّة اللغات بجامعة صنعاء , وسألته لماذا كرّر تقديم مسرحية تشيخوف في العراق بعد ان قدّم نفس تلك المسرحية الفنان الكبير سامي عبد الحميد , اذ قال لي الورد عندها – لكل منّا تشيخوفه الخاص به ...

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1284 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع