الغدر الروسي المعتاد والحرب القائمة في "ادلب"

                                         

                        د.صبحي ناظم توفيق
               عميد ركــن متقاعد.. دكتوراه في التأريخ
                        29/شباط/2020

        الغدر الروسي المعتاد والحرب القائمة في "ادلب"

تسارعت الأحداث في مناطق خفض التصعيد المتفق عليها في تحت رعاية روسية وبحضور إيراني في منتجع "سوتشي" الروسي، وأصبحت ليست مجرد مواجهات ميدانية، بل حرباً زُجَّت في أتونها الطائرات والمدافع والدبابات بين قوات الجيش التركي والفصائل التابعة لها، والجيش السوري والميليشيات التي تحت إمرتها بدعم جوي روسي، والذي لولاه لما تقدّم السوريون وميليشياتهم شبراً واحداً.

إتفاقيات "أستانا" و"سوتشي"
وإستناداً لبنود إتفاقيات "أستانا" و"سوتشي"، كان المفترَض تسيير دوريات مشتركة تضم أفراداً من الشرطة العسكرية التركية-الروسية، ونشر نقاط سيطرة ومراقبة ثنائية بالبقاع المشتمَلة بخفض التصعيد والمحددة بدقة متناهية، وإخلائها من أية قوات مسلحة نظامية وجميع الميليشيات وحظر إطلاق أية نيران أسلحة في ربوعها، كي يستشعر المدنيون السوريون بشيء من الأمان في منازلهم وديارهم ولا يضطرون للهروب من براثن المواجهات فيلتجئون نحو الأراضي التركية المتاخمة بواقع مئات الألوف من المشرّدين، ليُضافوا إلى أربعة ملايين آخرين من السوريين الذين إلتجأوا إلى "تركيا" التي إحتضنتهم طيلة تسعة أعوام منذ ٢٠١١.

    

وبينما جاهدت "تركيا" لتطبيق بنود "سوتشي"، فأن "دمشق" ظلّت تماطل تحت مظلات روسية-إيرانية متذرعة أن مناطق خفض التصعيد أرض سورية لا بد من إسترجاعها لسيادتها.. والمستغرب أن "روسيا" صاحبة القرار في "سوريا" وراعية "أستانا وسوتشي" آثرت الصمت لأشهر عديدة دون حراك يذكر.
وفيما إقتحم الجيش السوري والميليشيات الآتيات لدعمه من كل حدب وصوب، بقاعاً عديدة مشمولة بخفض التصعيد أمثال "سراقب وأتارب"، فقد عزمت "تركيا" على تنفيذ الخفض مقحِمة جيشها وفصائل المعارضة السورية في أتون صراع لإخراج تلك القوات منها.

   

وعوضا عن تأييد "موسكو" لـ"آنقرة" وتوجيه أوامرها إلى "دمشق" بتطبيق بنود الإتفاقيات المبرمة قبل أشهر وأسابيع، فقد شنّت طائرتها المنطلقة من قاعدة "حميميم" السورية بحمولاتها الثقيلة عشرات القصفات على القوات التركية موقِعاً في صفوفها (٣٣) صريعاً في غضون يوم واحد وافق الخميس ٢٧/شباط الجاري.

     

المقاتلات/هجوم أرضي الروسية في قاعدة "حميميم" السورية

الغدر الروسي
أقل ما يمكن أن يوصَف به التصرّف الروسي في مناطق خفض التصعيد أنه ((غدر وسِكّينة في الخاصرة))، وأن "موسكو" صديقة لا يوثق بها، كما كان ديدنها في معظم تصرفاتها بعموم التأريخ، ليس مع "تركيا" فحسب، بل مع المسلمين ثم العرب، وحتى مع حلفائها في آوروبا الشرقية والكتلة الشيوعية-الإشتراكية قبل إنهيار الإتحاد السوفييتي وما بعد سقوطه.
المسالك المحتملة أمام تركيا
المعضلة الآن، أن "تركيا" التي ظلّت عازمة على نشر قواتها في مناطق خفض التصعيد، فإن أمامها المسالك الآتية:-
1. إما:- أن تتراجع عن قراراتها وتسحب قواتها الى المناطق الثلاث الآمنات والمسمّاة "درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام"، والتي حققتها في أقصى الشمال السوري المتاخم للحدود التركية، رغم تأثير مثل هذا القرار على هيبتها وسمعة قواتها المسلحة وإغاضة مشاعر شعبها حيال الحكومة القائمة.
2. أو:- أن تترك بقاع خفض التصعيد على علاّتها وتسحب قواتها، وتتهيأ لصد هجمات القوات السورية المتوقعة عليها بحجة السيادة، مع قبول نزوح مليون لاجئ سوري مُضاف إلى أراضيها.
3. أو:- الإصرار على التمسّك بالمواقع الحالية وتصعيد الموقف، وتوقع تضحيات وخسائر في صفوف قواتها، وإيقاع المزيد من الخسائر على الخصوم، مع توقع صرف أموال ضخمة على هذه العمليات.
4. أو:- الإصرار على الموعد النهائي الذي حدّده الرئيس "أردوغان" مع نهاية هذا اليوم (السبت 29/شباط)، وشنّ هجوم كاسح على القوات السورية النظامية والميليشيات التي تحت إمرتها وإخراجها من كامل مناطق خفض التصعيد، مع تقبّل النتائج المترتّبة جراءه.
5. أو:- فتح بوابات "تركيا" للاجئين السوريين وسواهم بالتدفّق نحو "اليونان، بلغاريا، رومانيا، أوكرانيا" براً وبحراً لخلق معاضل إنسانية ترغم العديد من دول الإتحاد الآوروبي وحلف NATO تصطف لجانب "آنقرة" وتضغط على "موسكو" للعودة لإتفاق "سوتشي".
6. أو:- إتباع مسلك طموح للغاية ومحفوف بمخاطر جمّة، يكمن في تصعيد الموقف حيال الطيران الروسي المنتشر في "سوريا" ومنعه من التدخل، والتهديد بإلغاء الإتفاقيات الإقتصادية المبرمة مع "تركيا" وتعليق صفقة منظومة (S-400) ومدّ خطوط أنابيب الغاز الروسي عبر الآناضول، مع التهديد بغلق المضائق التركية أمام الملاحة الروسية خروجاً على معاهدة "مونترو" الدولية المبرمة مع "آنقرة" عام 1936، مع السماح بعبور أساطيل دول NATO الى البحر الأسود.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

776 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع