متى ولماذا تثور الشعوب ؟.

                                                

                         قاسم محمد داود

متى ولماذا تثور الشعوب ؟.

أينما وجد الظلم الاجتماعي أو السياسي فإن الانتفاضات واقعة لا محالة، هذه قاعدة قديمة قِدم الانسان على الأرض، فلانتفاضات والثورات ليست وليدة اليوم. ففي تاريخ الإنسانية الطويل لم تتوقف الشعوب عن الثورات والاحتجاجات الى يومنا هذا فمن ثورة العبيد في روما ( 73 – 71 ق.م ) التي هزت وهددت القلب الروماني وهو روما وأسهمت في تغيير حقوق العبيد الرومان القانونية ونهاية ذروة استخدام العبيد في روما وبداية مفهوم جديد للعبيد في المجتمع والقانون الروماني الى ثورة الزنج في جنوب العراق (869 – 883 م ) زمن الخلافة العباسية حيث قام الزنج بأول ثورة مسلحة ضد سادتهم ثم ضد السلطة الحاكمة واستمرت لأربعة عشر عاماً متصلة والثورة الفرنسية (1789 ) والثورة الروسية ( 1917 ) والعديد من الثورات التي قامت بها الشعوب . والسؤال هو متى ولماذا تثور الشعوب؟
تشير المصادر التاريخية والأدبية إلى أن الشعوب تلجأ الى الانتفاضات والاحتجاجات والثورات عندما لا تكون سعيدة بوضعها الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي وأنها مقموعة من قبل السلطة الحاكمة وأن حكوماتها لا تستجيب لمطالبها المشروعة، لذلك تلجأ الشعوب إلى الثورات لتغير النظام الحاكم برمته، أو تغير الحكومة القائمة واستبدالها بحكومة أخرى تستجيب لمطالبها، أو تستخدم هذه الأساليب للضغط من اجل إصلاحات معينة. وحدوث الثورات وغيرها من أشكال الرفض والاحتجاج مرتبط بأنظمة الحكم، حيث أن الثورات تحدث في الأساس في الدول غير الحرة والتي لا يشعر المواطن فيها بأن حقوقه السياسية وحرياته المدنية مكفولة بشكل كامل.
- تثور الشعوب وتنتفض عندما لا يستطيع الناس الحصول على العمل المناسب لكسب العيش وهو من اول مستلزمات الحياة الحرة الكريمة، وهذا حق طبيعي ثابت للإنسان وسابق لوجود الدولة والمجتمع، أقرته الشرائع الإلهية والوضعية على السواء، كما أن المال العام الزائد عن نفقات الدولة مملوك على التساوي بين جميع أفراد المجتمع وهو بمثابة دخل احتياطي لكل فرد من أفراد الدولة، لا ان يذهب لجيوب حفنة من رجال المال والأعمال والزعماء السياسيين عن طريق الفساد المالي والإداري والسياسي. ولو اخذنا العراق كمثال سنجد ان معدلات البطالة في ارتفاع مستمر،" ففي آخر إحصائية لوزارة التخطيط بلغت نسبة البطالة بين الشباب 22.6%". في حين أعلن" صندوق النقد الدولي في مايو 2018 أن معدل بطالة الشباب في العراق تبلغ أكثر من 40% من أصل تعداد السكان البالغ 37 مليون حسب آخر إحصائية أعلنتها وزارة التخطيط العراقية في كانون الأول الماضي". كما ان نسبة الفقر المعتمدة لدى البنك الدولي هي 22.5 أي ما يقارب ربع سكان العراق.
- كما تثور الشعوب وتنتفض عندما لا يجد المواطن السكن المناسب الذي يأويه حيث أن توفير السكن الملائم قمة سلم الأولويات الضرورية للإنسان في أي مجتمع، فهو لا يقل أهمية عن حاجة الانسان على الطعام والشراب، كما أنه ضروري لتحقيق الاستقرار المجتمعي الذي يستطيع الفرد من خلاله أن يؤدي دوره المأمول في المجتمع، وعلى رغم إدراك أهمية السكن في تحقيق رغد الانسان وبقائه وحفظ كرامته إلا ان التقديرات تشير إلى أن أكثر" من 1.1 بليون شخص من سكان المدن يعيشون في مساكن دون المستوى الملائم وأن عدد الذين لا مأوى لهم يربو على 100 مليون شخص، بحسب إحصائيات مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الانسان" . ففي بلد غني مثل العراق تعد أزمة السكن من أبرز القضايا التي يعاني منها البلد، وتزداد الازمة أتساعاً وتنعكس تأثيراتها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، اذ تشير تقديرات وزارة التخطيط الى ان العراق يحتاج الى 3 ملايين وحدة سكنية. ونتيجة لعدم وجود حلول لهذه الأزمة فقد نتج عنها" 3 آلاف منطقة عشوائية منها 1022 في بغداد و700 في البصرة التي تنتج حقولها النفطية 4 مليون برميل يومياً، و300 منطقة في المدينة النفطية الأخرى كركوك وفي بقية المحافظات الأخرى.
- ولن نكون بعيدين عن الحقيقة إذا ما قلنا ان الشعوب تنتفض وتحتج وقد تثور عندما تفتقد مستوى جيد من الرعاية الصحية وبالتزام الدولة والحكومة بضمان وتوفير وضع صحي وخدمات صحية للمجتمع عموماً وعليها توفير العدد الكافي من المستشفيات والمرافق الصحية العامة فضلاً عن توفير مياه الشرب المأمونة ومرافق الصرف الصحي وعدم ترك الاسر الفقيرة تتحمل عبء نفقات صحية لا تتناسب مع مدخولاتها المادية، ومن هذا المنطلق برز اهتمام الحكومات في الدول المتقدمة التي تعتبر المواطن هدفها الأول، لذلك صار الاهتمام بالخدمات الصحية من أولوياتها ووضعت قوانين الضمان الصحي والرعاية الصحية لتحقيق هذا الهدف، على عكس مما هو موجود في اغلب الدول العربية، حيث تخصص للرعاية الصحية فقط 7.8% من اجمالي الانفاق الحكومي ويختلف الواقع الصحي في الوطن العربي من دولة الى أخرى، ففي العراق الذي بلغت ميزانيته العامة 112 مليار دولار للعام 2019، يعاني قطاع الصحة والخدمات الصحية من تدهور كبير حيث لا يوجد قانون للضمان الصحي، وتردي الخدمات الطبية ونقص في الكوادر الطبية : (تشير إحصائيات اوربية توثق عدد الأطباء نسبة الى عدد السكان أن العراق يحتل المرتبة 70 من مجموع 107 بلدان ضمن التصنيف الأوربي، إذ ان العراق ووفق الإحصائية له طبيب واحد لكل 1500 عراقي، وهو رقم ضئيل وفق المقاييس الاوربية والعالمية) كما يعاني من نقص في الادوية وقلة المراكز التخصصية لمعالجة الامراض المستعصية، ولكي نعرف الواقع الصحي للمواطن العراقي ومدى سوء الخدمات الصحية من خلال الاحصائيات فقد بلغت" 15 سرير مستشفى و6.3 طبيب 11 ممرضة لكل 10000 مواطن عراقي".
- ولا يمكن لأحد ان ينكر ان تردي وسوء حال الواقع التربوي والتعليمي من العوامل المشجعة على ان يحتج المواطن وينتفض ضد الأنظمة والحكومات في الكثير من بلدان العالم، ففي العراق الذي تبلغ ميزانياته العامة مئات المليارات من الدولارات سنوياً ومع ذلك يعاني من نقص كبير في عدد الأبنية المدرسية وقدم وعدم صلاحية الموجود حالياً كذلك في الجامعات الحكومية والمستلزمات التعليمية والمدرسين رغم العدد الكبير من خريجي الكليات والمعاهد التربوية، وحسب الإحصائيات الرسمية فأن 6690 بناية مدرسية بحاجة الى ترميم كلي او جزئي، وأن 6879 بناية مدرسية غير صالحة للاستخدام، وأن 1200 مدرسة مبنية من الطين او القصب، وهناك مدراس من الكرفانات، وهناك المدارس ذات الدوام المزدوج والدوام الثلاثي، والعراق بحاجة الى بناء 16000 مدرسة ابتدائية ومتوسطة وثانوية ، وهذا لا يعني ان ما تبقى من المدارس صالحة فجميعها تعاني من نقص الماء الصحي والحمامات الصحية النظيفة وتردي التجهيزات والمعدات الكهربائية والمختبرات والساحات الرياضية وقاعات النشاط الفني وغيره من الأنشطة الأخرى.
ان تراجع مستوى المعيشة وسوء الخدمات بكل جوانبها لا ينتج في الغالب عن قلة الإمكانات والموارد وانما هو ناتج سوء التخطيط والفساد، ومن الأمثلة على ذلك قطاع الكهرباء في العراق فقد أنفقت الحكومات المتعاقبة منذ 2003 أكثر من 40 مليار دولار دون أي حلول تذكر، ومع كل صيف يشتعل الشارع بالمظاهرات والاحتجاجات على تدهور الكهرباء وقلة تزويد المواطنين بها. من ذلك كله يتضح لنا بأن هناك مجموعة من الأسباب تؤدي بالشعوب إلى الاحتجاج والثورة ضد الأنظمة الحاكمة. وبما لا يقبل الجدل او النقاش ان للشعوب الحق كل الحق في الاحتجاج والثورة عندما تحس بالضيم والظلم من طرف الأنظمة الجائرة المستبدة الغارقة في وحل الفساد ونهب الثروات وتسخيرها لخدمة احزابها دون ان تقدم شيئاً للمواطن غير الوعود والاقوال التي لا تستند الى أفعال تذكر، تكون الثورة حقاً شرعياً بالنسبة إلى الشعوب اذا ما بلغ الانتقاص من الكرامة حداً لا يمكن السكوت عنه. وتستكمل الثورة شرعيتها عندما تتم بطرق مدنية متحضرة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

991 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع