لقد استعادوا الوطن

                                             

                            بسام شكري

لقد استعادوا الوطن

تغييرات سريعة ومثيرة ظهرت في العراق منذ ثورة الأول من تشرين كانت تمثل مستوى عالي من الوعي والتطور الفكري لدى شباب التغيير، الفرحة على وجوه الجميع بأنهم قد استعادوا الوطن الذي سرقه منهم اللصوص فشباب ساحات الاحتجاجات اليوم غير الشباب العاطل المتسكع الذي كان بالأمس فهم ليسوا فاشلين ولا ضعفاء ولا قاصرين لكنهم ولدوا في وطن تحكمه ميليشيات بنظام طائفي قسم العراق بالطول والعرض من اجل نهب ثرواته وتحويله الى مستعمرة إيرانية فما هي مظاهر التغيير التي حصلت خلال الفترة القصيرة الماضية؟

لقد شهدت ساحات الاعتصامات حركة نهوض فكرية وتربوية سريعة جدا وقفزة وعي متقدمة بين العراقيين بمختلف أعمارهم قادها شباب التظاهرات في عدة مجالات فقد قام الشباب بنظيم محاضرات على الهواء الطلق تشرح أسباب الخلل في النظام السياسي وامسيات يومية للشعر والمسرحية في برامج منتظمة وحفلات غناء بحب الوطن وبالمستقبل الذي يحلم به الشباب وقامت مجموعات أخرى بتنظيف الشوارع يوميا وصبغ الأرصفة واكساء السلالم التي اهملتها حكومة الفساد بالمرمر والاحجار المختلفة وتصليح المصاعد الكهربائية مناطق تجمعاتهم ومجموعات أخرى بدأت برسم لوحات من مختلف الاتجاهات الفنية وقد اظهر مستوى فني رائع وقام سائقي التكتك الفقراء بدعم التظاهرات فاصبح التكتك ذو العجلات الصغيرة الثلاث سيارة اسعاف للجرحى والية سريعة للتنقل بين المتظاهرين ونقل الأغذية والمياه والبطانيات في المقابل قام أهالي المتظاهرين وغيرهم من المواطنين العاديين بتقديم دعم هائل لهم فتلك السيدة التي جاءت بتنور تخبز الخبز الساخن لأبنائها المتظاهرين وتلك التي جاءت بأواني الطبخ واخذت تطبخ للمتظاهرين واستدانت مبلغا لشراء ثلاجة وضعتها في الشارع وتلك التي اشترت غسالة ملابس لغسل ملابس المتظاهرين وتجمعات من نساء يقومون بطبخ الاكل بكميات كبيرة وتقديمها للمتظاهرين وارسل المقتدرين من التجار والصناعيين العراقيين الاكل والفراش بما يوفر الدفء للشباب الذين ينامون في الشوارع تمسكا بساحات الاعتصامات التي اعتبروها رمزا للوطن المسلوب منهم منذ 2003 حين جاء الغزاة بلصوص وعصابات من مزابل أوروبا وايران للسيطرة على الشعب العراقي وأصبحت ساحات الاعتصامات بيت العراقيين جميعا وخلقت مجتمعا متعاونا وحركة دائمة كخلية النحل تعمل ليل نهار في سباق مع الزمن من اجل النهوض بالعراق وتعويض سنوات الضياع التي مرت على العراق 
لقد بدأت حركة التضامن الشعبي في امرأتين تم نشر فيديو عنهما في الأيام الأولى للاحتجاجات الأولى المرأة الخرساء التي كانت تبيع المناديل في الشارع عندما بدأت التظاهرات اظهر فلم الفيديو كيف انها تهرول بين المتظاهرين وتوزع المناديل مصدر رزقها الوحيد مجانا على المتظاهرين وتمسح الدماء من وجوههم وتضمد جراحهم وتبكي بحرقة وهي تعمل بدون ان يصدر منها أي صوت والمرأة الثانية هي بائعة السندويتشات التي ظهرت في فلم الفيديو توزع كل ما لديها من طعام مجانا وعندما انتهى الطعام كانت تضع الخضروات فقط في قطع الخبز وتعطيها للشباب وتعتذر منهم ان بيتها بعيد وسوف تعمل لهم غدا سندويتشات مليئة بالبيض والفلافل وتقول لهم متوسلة ارجو ان لا تظهروا وجهي في التصوير.
لم تشهد ساحات الاحتجاجات أي تحرش جنسي وبالعكس فقد اكتسبت الفتيات المشاركات في التظاهرات ثقة كبيرة بالنفس من خلال احترام الشباب وحمايتهم لهم بالمقابل اكتسب الشباب نفس الثقة وساد شعور عام من ان تلك الفتيات ضمن عائلتهم العراقية التي يجب الحفاظ عليها وحمايتها مثلها مثل الوطن المسروق وثروات الوطن المنهوبة التي جاءوا لاستعادتها.
الدين الإسلامي بكل طوائفه كان غائبا عن ساحات الاعتصامات لأن غالبية رجال الدين المسلمين ومع شديد الأسف كانوا المبرر الذي استند اليه اللصوص في سرقة العراق وليس لهم أي وجه يمكن الخروج به للشارع وعلى العكس فقد تمت مطاردة الكثير من المعممين في حواضر دينية مهمة مثل مدينة النجف الاشرف ,غير ان رجال الدين المسيحي الذين حافظوا على نظافتهم وعدم مشاركتهم في الحكم الطائفي الفاسد نزلوا للساحات تضامنا مع المتظاهرين في زيارات كان لها صدى كبير , ان ذلك الموقف سيظل علامة مضيئة في تاريخهم في المقابل أصبحت التظاهرات الاحتجاجية وصمة عار على الكثير من رجال الدين المسلمين لانهم من أعطوا الشرعية للعصابات تحت غطاء ديني وكانوا يدعمون أعضاء البرلمان الفاسد في الوصول للبرلمان وفي المتاجرة بالمناصب الحكومية. نحن هنا لا نحتكم للدين ولا نحكمه لان ثورة تشرين تريد بناء دولة مدنية لا سلطة للدين فيها.
قبل أشهر كنت احاور مجموعة من الشباب على الفيس بوك حول تطوير أنفسهم والعمل والمثابرة فكانوا سلبيين جدا ومحبطين وكان بينهم شاب من مدينة الحلة اسمه احمد وكان قمة في السلبية وفقدان الامل في الأسبوع الماضي تكلمت معه بالصدفة على الفيس بوك وسألته كيف هي اموره الان؟ قال لي بالحرف الواحد انا اسف عندما كنت فاقد الامل لقد ولدت من جديد فسألته ماذا حصل؟ فقال لي انه كان في بغداد الأسبوع الماضي وقضى خمسة أيام ينام في الشارع وشعر لأول مرة في حياته ان له وطن وعائلة كبيرة ترعاه وتقدم له الاكل والشرب والنوم مجانا وانه لم يصدق عينه عندما شاهد كيف ان الشباب يتعاونون جميعا من اجل مساعدة بعضهم البعض وكيف شعر بانه سيستعيد حقوقه الذي سلبها منه لصوص المنطقة الخضراء.
قصص كثيرة تسمعها وانت تتجول بين المعتصمين تختلط فيها الدموع بالكلمات بالأمل وتجمعات شبابية كثيرة ظهرت خلال الاحتجاجات أيضا وعلى سبيل المثال تجمع شباب مسيحيي العراق الذي يضم شباب من مختلف الديانات وهذه ظاهرة جديدة تدمر في لحظة واحدة النظام الطائفي الذي جاء بعد 2003 فكيف لتجمع مسيحي يضم غالبيته من الشباب المسلمين؟ هذا يعني ان حاجز التقسيم الديني والطائفي قد كسره الشباب وعاد العراق موحدا من جديد ,فئات شبابية كثيرة كانت محرومة من الحياة حتى المعوقين قد شاركوا في التظاهرات وخرجت تظاهرة للصم والبكم في بغداد اثارت اعجاب وتعاطف الشارع العراقي وبرز فنانين من الصم والبكم منهم الفنانة امال محمد حيث زينت رسوماتها في ساحة التحرير أماكن عديدة لتظهر مواهب فنية راقية , وهناك تجمع شباب الكرامة الذي يضم أساتذة وطلبة من مختلف جامعات العراق يقدمون المساعدات الطبية والاسعافات والمحاضرات المختلفة ومن انجازاتهم المثيرة في هذا التجمع قيام الفنانة ضحى الجابري 21 عاما وهي المسلمة المحجبة برسم صورة السيد المسيح (ع) في ساحة التحرير بطريقة هزت مشاعر العالم فرسمته وقد وضع تاج من الاشواك على راسه وعيناه تنظر للسماء وقد نزلت دموع من عينيه واختلطت بالدماء التي تسيل من جبهته وكان اسم اللوحة المسيح يناشدكم من بغداد
الحدث الدراماتيكي الذي زاد من عزيمة المتظاهرين وجعلهم متوحدين جميعا بوجه الظلم والفساد هو فوز المنتخب العراقي على إيران في مباريات اسيا التي جرت في العاصمة الأردنية عمان وانتشار اخبار العرقلة التي قامت بها الحكومة العراقية للمنتخب الوطني قبل وخلال المباريات في عدم تجديد جوازات سفر الاعبين في سفارتها في عمان وضيافة الفريق العراقي في فندق 3 نجوم والذي قام رجال اعمال عراقيين مقيمين في عمان بتغيير الفندق الى فندق 5 نجوم وعمل ميزانية للفريق لتوفير الراحة الازمة له من اجل الفوز وبعد ذلك بأسبوع جاءت بطولة دول الخليج العربي حيث الفوز العراقي في مباراة الافتتاح على قطر والفوز المتكرر في بطولة الخليج مما اعطى دفعة كبيرة ورفع الروح المعنوية للشباب في حين تأسف الفاسدين على خسارة منتخب ايران امام العراق وحتى التهنئة فقد بخل بها رئيس الوزراء المطرود عادل عبد المهدي.
لقد ظهر الوجه الحقيقي للعراق بثورة الشباب فنصبت المسارح في الشوارع وتم تنظيف المدن من الاوساخ تمهيدا لتنظيفها من الفاسدين وظهر راي عام جديد على الساحة هذا الراي العام خلقته ثورة الشباب لا للحكومة الفاسدة لا للبرلمان لا للقوانين والأنظمة التي جاءت بها طغمة الفساد لا للدستور لا للأحزاب الفاسدة لا لكل من شارك في جرائم 16عاما من الفساد , لقد راهن الكثيرين على ان نظام الحكم الفاسد بميليشياته المسلحة والدعم الإيراني الهائل له والسكوت الأمريكي سيبقي الأوضاع كما هي لسنوات طويلة لكن الفاسدين هم من مشي برجله للهاوية وهذه نهاية حتمية للفساد ولما قامت به ايران من دور تخريبي في العراق ، وهنا انصح من وقف متفرجا او مترددا او خائفا من القوى العربية والدولية تجاه الاحداث الأخيرة في العراق ان يتضامنوا مع شعب العراق لان النصر حليف العراقيين وان النظام الذي جاء بعد الغزو الأمريكي ليس له وجود على ارض الواقع الان والعراقيين اليوم سعداء وقد استعادوا الوطن .
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

498 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع