حول مسألة عزل ترامب

                                                  

                           د. منار الشوربجي

حول مسألة عزل ترامب

التفاصيل الكثيرة والتطورات المتلاحقة تجعل من الصعب على غير المتخصصين متابعة ما يجري في الولايات المتحدة بخصوص عزل ترامب، وهي التفاصيل التي لا تعني بالضرورة أننا قاب قوسين أو أدنى من عزل الرئيس الأمريكي فعلاً.

فلأن الكونغرس، وفق الدستور الأمريكي، صاحب الصلاحية للرقابة على أداء المؤسسة التنفيذية برمتها، فإنه يتعين على المسؤولين في الجهات التنفيذية المختلفة إخطار الكونغرس فور وقوعهم على ما يستوجب النظر في انتهاك ما للدستور أو للقانون. وهناك إجراءات متبعة في ذلك، حيث يمر ذلك الإخطار أولاً بأعلى سلطة في الجهة التنفيذية التي تقوم بدورها بإخطار الكونغرس.

وقد تلقى المراقب العام، التابع لهيئات الاستخبارات الأمريكية، خطاباً سرياً من شخص في موقع مسؤولية يكشف عما اعتبره انتهاكاً للقانون من جانب الرئيس نفسه وفريق العمل في البيت الأبيض، فقام المراقب العام بدوره بالتحقق من صدقية ما نما لعلمه فتأكدت بالفعل صدقيته. فقام بدوره باطلاع مدير الاستخبارات، والذي كان عليه وفق القانون أن يقوم بتحويل الأمر للكونغرس.

لكن بدلاً من ذلك، قام الرجل بتحويل الأمر لمكتب التحقيقات الفيدرالي الذي يتبع جهة تنفيذية هي وزارة العدل في الوقت الذي تشير فيه الوثائق إلى تورط وزيرها شخصياً.

فيما يستوجب تحقيق الكونغرس. لكن المراقب العام، الذي ينص القانون على قيامه بنفسه بإخطار الكونغرس في حال صدامه مع أعلى مسؤول في الهيئة التنفيذية التي يتبعها، قام فعلاً بإخطار الكونغرس، الذي قام بتحقيق مبدئي في الأمر، انتهى بإعلان رئيسة مجلس النواب البدء رسمياً في إجراءات عزل الرئيس.

أما القصة نفسها، فهي تتعلق بمحادثة تليفونية أجراها ترامب مع الرئيس الأوكراني طلب فيها منه أن يفعل كل ما بوسعه للتحقيق في دور منافسه الديمقراطي في انتخابات الرئاسة القادمة، جوزيف بايدن، في وقف التحقيق داخل أوكرانيا مع ابنه. وقد أكد نص المحادثة الذي نشره البيت الأبيض بنفسه أن ترامب طلب ذلك فعلاً.

وهو ما اعتبر انتهاكاً للقانون، حيث استخدم الرئيس صلاحيات الرئاسة لأغراض انتخابية، خصوصاً أنه طلب تدخل دولة أجنبية لحسم المعركة الانتخابية القادمة لصالحه. وترامب طلب في تلك المحادثة من نظيره الأوكراني التواصل مع كل من محاميه الخاص ووزير العدل الأمريكي للعمل معهما بشأن طلبه.

ومما لا يقل خطورة عن كل ذلك أن امتنع مساعدو ترامب بالبيت الأبيض عن حفظ نص المحادثة التليفونية بالملف المعتاد، الذي يسمح بتداولها من جانب المسؤولين عن صنع السياسة نفسها في الهيئات المختلفة، وتم، بدلاً من ذلك، حفظه في ملف آخر بالغ السرية في أجهزة الكمبيوتر التابعة لمجلس الأمن القومي .

والذي لا يتضمن سوى المحادثات بالغة الحساسية بالنسبة للأمن القومي الأمريكي، الأمر الذي اعتبر بدوره سعياً من جانب مساعدي ترامب للتغطية على فضيحة تتعلق بانتهاك القانون.

ورغم أن رئيسة مجلس النواب قد رفضت بشدة طوال العامين الماضيين مطالب أعضاء في حزبها بعزل ترامب إلا أن تلك التفاصيل دفعتها دفعاً لتغيير موقفها والإعلان عن بدء إجراءات عزله رسمياً. فالكونغرس وحده هو الذي له صلاحية عزل الرئيس. وهو العزل الذي لا يكون بسبب الخلاف السياسي وإنما يتعلق بارتكاب جريمة الخيانة العظمى أو ما يمثل انتهاكاً للدستور أو القوانين الأمريكية.

لكن مسألة العزل ليست قانونية فقط وإنما هي أيضاً سياسية بامتياز. فهي مرتبطة ارتباطاً مباشراً بكون أعضاء الكونغرس المطلوب منهم البت في الأمر سياسيين يتخذون موقفهم وفق حسابات سياسية أصلاً.

فإجراءات العزل تبدأ بمجلس النواب، وتنتهي بتصويته بالأغلبية البسيطة على عزل الرئيس، ثم ينتقل الموضوع لمجلس الشيوخ الذي يقوم بالتصويت ولكنه هذه المرة تصويت بأغلبية الثلثين، وهو عامل ثالث يجعل جوهر عملية العزل مسيسة. فالحزب المعارض لترامب، الحزب الديمقراطي، يملك في مجلس النواب الأغلبية البسيطة المطلوبة لعزل الرئيس، لكنه لا يملك أغلبية الثلثين.

ولا حتى الأغلبية البسيطة بمجلس الشيوخ، لأن الحزب الجمهوري، حزب الرئيس، هو صاحب الأغلبية بالمجلس. وهو ما يعني أن احتمالات عزل ترامب فعلياً غير مؤكدة لأنها تتطلب موافقة عدد من الأعضاء الجمهوريين على العزل، فضلاً عن موافقة كل الديمقراطيين. فأغلبية الثلثين أغلبية صعبة للغاية حتى لو كان يسعى لها أعضاء حزب الأغلبية، لا الأقلية، كالديمقراطيين.

ومن هنا، فإن البدء رسمياً في إجراءات عزل ترامب لا تعني بالضرورة أن يتم عزله فعلاً. فقد ينتهي الأمر فعلياً كما انتهت إجراءات عزل بيل كلينتون، حيث صوت مجلس النواب لعزله، ثم فشل مجلس الشيوخ في الوصول لأغلبية الثلثين.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1053 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع