نهر الحراك العراقي.. هل يمضي إلى مصبّه صافيا؟

                                                                           

                             كوليت بهنا

نهر الحراك العراقي.. هل يمضي إلى مصبّه صافيا؟

بكثير من الحماس، تابع العديد من السوريين المظاهرات الشعبية التي خرجت قبل أيام في عدد من المدن العراقية، وأغرقوا وسائل التواصل الاجتماعي وبخاصة "فيسبوك" بعدد لا يحصى من المنشورات التي تهلل بالحراك العراقي الشعبي وتؤيده بقوة، وتشارك العديد من النشطاء السوريين في الخارج بـ "هاشتاغات" وشعارات خاصة بحراك الشارع العراقي وتبنوها شخصيا، في محاولة متواضعة منهم لتقديم ما تيسّر من دعم معنوي ومناصرة وحشد لإخوتهم العراقيين، رفاقهم التاريخيين في مواجهة المظالم.

للحماس الشعبي السوري أسباب عدة، أولها إن موجة الجيل الثالث من ثورات الربيع العربي التي انطلقت بداية العام في السودان وتكللت بنجاحٍ مبين، ومن ثم ارتداداتها الاهتزازية في شوارع القاهرة، ووصولها أخيرا إلى بغداد، عادت وبعثت الأمل في قلوب السوريين الخائبة والمكسورة.

اعتبر معظم السوريون أن نجاح أي حراك عربي وأي انتقال سلمي ومدني هو مكسب لهم وللشعوب العربية الحيّة التي صمتت مكرهة لعقود. وتاليا، حق الشعب العراقي في الغضب، بل الغضب وبقوة، بعد صبر ستة عشر عاما من توقف الحرب والوعود الواهية وخيبة الآمال والخذلان الدولي وانتشار الفوضى والفقر والبطالة رغم ما يمتلكه هذا البلد الغني من ثروات هائلة يتقاسمها أرباب الفساد.

ومن الناحية العاطفية، يعتبر العراقيون والسوريون أرضيهما أرض واحدة، أو ما يطلق عليه البعض منهم "قلب واحد" شطرته الحدود السياسية رغما عنهما، لكن ظل شريانا نهري دجلة والفرات العظيمين يغذيان هذا القلب، ويغذيان وشائج القربى وأواصرها، ويمسحان آثار الندبات المتتالية وكل ما أصاب هذا القلب المشطور من نوائب.

إن هبت الريح الغربية على دمشق، تحركت نسائم الهواء في بغداد، وإن مرضت "ليلى" في العراق، توجع السوريون وخرجوا للبحث عن سبل شفائها. وفي السياق، يتداول البعض شفاهة قصة قيل إنها كانت تحدث وتتكرر خلال سنوات العقوبات التي فرضت على العراق، حيث لجأ أهل الفرات ومدنه في سوريا (دير الزور ـ البوكمال وغيرهما) إلى حيلة قديمة وذكية لاختراق هذه العقوبات ومساعدة الأهالي في العراق، وذلك عبر إلقاء سلال القش المحملة بالمواد الغذائية والأدوية والسلع الضرورية في نهر الفرات، ليتكفل التيار النهري بحملها وإيصالها إلى أقرب نقطة داخل الأراضي العراقية، وحين كان يتم التقاطهم أحيانا متلبسين "بجرم" المساعدة الإنسانية، كانوا يتصنعون البراءة ويشيرون إلى النهر مع عبارة: "الفرات هو المذنب.. اقبضوا عليه.. لا دخل لنا".

معا، تقاسم العراقيون والسوريون الحرمان والظلم وأنظمة الحكم الاستبدادية، ومعا، دفعا في السنوات الأخيرة أفدح الأثمان لمحاربة التنظيمات الإرهابية يتقدمها تنظيم "داعش" الأكثر دموية، ومعا، يعيشان اليوم نتائج التمدد الإيراني، وهو ما يطفو اليوم على السطح كأحد أهم الأسباب القاهرة التي دفعت العراقيين إلى الغضب والخروج إلى الشارع.

البلدان اللذان حكمهما جناحي حزب "البعث" لخمسة عقود خلت تقريبا، وما خلفه الصراع العقائدي بينهما من تاريخ سياسي حافل وشائك تأرجح بين مدٍّ وحشي وحادّ، وجذرٍ غير مُطَمئِن أو مستقر، لم يترك أثره يوما في خلخلة العلاقات الطيبة والتاريخية بين الشعبين، وظل الطرفان يتبادلان النكات والسخرية على أحوالهما المتشابهة، كل منهما يلقيها بمرح على الجهة المعاكسة.

وحين بدأت الحرب على العراق 2003، تضامن السوريون مع العراقيين سياسيا وشعبيا، وأتاحوا لهم فرص العيش والعمل بينهم بما يحفظ كراماتهم، ويقول أحد السوريين ممن تشاركوا في العمل مع العراقيين خلال سنوات إقامتهم في سوريا، والتي امتدت بين ثلاث وخمس سنوات، إن العراقيين الذين يُنظر إليهم باحترام شديد كرجال ونساء أشداء: "جاؤونا أعزاء النفوس، يحملون مدخراتهم الشخصية وبعض الذهب المصاغ الذي ترتديه نساؤهم، قاموا ببيعه وتوظيف أموالهم في السوق السورية، مما أنعش قطاع العقارات السوري وبعض المهن الصغيرة التي استثمروا فيها مثل المطاعم والمخابز وغيرها، ولا فضل أو منّة لأحد عليهم، وهم السبّاقون وأصحاب الفضائل والكرم".

كل ما تقدم من دعم وحماس للحراك العراقي الشعبي السلمي، لا يمنع المرء من أن يضع يده على قلبه خشية من بعض الهواجس والمخاوف المرشح حدوثها، إذ أن سقوط قتلى ومصابين في الأيام الأولى للحراك لا يبشر ببدايات طيبة، وإيران التي تتحكم بمفاصل البلاد سرا وعلنا، لن تترك نهر الحراك يمضي إلى مصبه صافيا، شأنها شأن العديد من المتربصين الذين ستتحرك شهيتهم لبؤرة نارية ودموية جديدة في المنطقة تُفتح وفقا لأجندات مذهبية جاهزة السيناريوهات والنتائج وإحصائيات الدمار.

ولعل أكثر ما يثير المخاوف هو توفر السلاح بين أيدي العراقيين، بعد إجازة الحكومة العراقية بيعها للأفراد قانونيا.

كل السلامة للعراق كما غنّاه مطربه الأجمل ناظم الغزالي "خايف عليها.. تلفان بيها".

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

675 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع