من حكاية جدتي ... الثالثة والتسعون

                                              

                       بدري نوئيل يوسف

من حكاية جدتي ... الثالثة والتسعون

الملاك والشيطان

في هذه الليلة حدثتنا جدتي عن المشاكل التي تقع بين جارنا أبو البنات وزوجته. وكان السبب ان كل ولادتها بنات بحث أصبح العدد سبعة. وجن جنون صاحبنا أبو البنات ويوميا يختلق لها حكاية حتى يتشاجر معها، ذات يوم وبعد نقاش حاد بين الزوجين، تعصب أبو البنات على زوجته ورمى عليها يمين الطلاق، وقال لها لن ترجعي في عصمتي إلا في يوم مشؤوم وأغبر ليس به نور فخرجت الزوجة لبيت أهلها وهي تبكي.

وبعد أن هدأ الزوج وأحس بالندم على ما فعل، خرج ليبحث عن فتوى من أحد العلماء والتقى بشيخ المدينة وسرد له القصة، قال الشيخ: ومن أين سنأتي لك بيوم مشؤوم أغبر ليس به نور! سامحك الله لا أجد لك مخرج من هذا أيها الزوج ولكن اذهب إلى المدينة الاخرى لعلك تجد شيخ أعلم مني قد يجد لك فتوى.
رجع الزوج للبيت وأستعد للرحيل باكرا واستيقظ متأخرا، لأنه كان ساهرا لشدة حزنه وأسرع للسفر إلى المدينة.. وذهب للجامع الكبير ليصلي الظهر، ويسأل الشيخ عن يمين الطلاق، ولكن الشيخ كان رده مثل شيخ المدينة الاولى، من أين سنأتي لك بهذا اليوم المشؤوم الأغبر الذي ليس به نور!
خرج الزوج مهموم يجر قدميه إلى أن وصل سوق المدينة، وجلس شاردا لأكثر من ساعة أمام كشك لبيع الخردوات
وجاء صاحب الكشك إلى الزوج وقال له: ما بالك أيها الرجل جلست لأكثر من ساعة في حالة شرود تام، فحكى الزوج قصته وأنه لم يجد شيخ يفتي له فهمس صاحب الكشك إلى الزوج وقال: أترى ذلك الشخص على يمينك.
قال الزوج: الذي يفترش الأرض وثيابه رثه وشعره كثيف وغير ممشط.
قال صاحب الكشك نعم اذهب وقص عليه حكايتك وأسأله عن الحل.
أستغرب الزوج وكيف لهذا الرجل المجنون أن يجد لي مخرج وأنا سألت المشايخ ولم يجدوا لي حلا.
قال في نفسه: سأذهب فأنا لم يعد لدي سبيل غيره، ذهب إليه وجلس على الأرض أمامه.
سأله الزوج: أريد أن أحكي لك حكايتي.
أجابه المجنون: احكي يا غافل.
استغرب الزوج وبدأ في سرد حكايته حتى نهايتها.
سأله المجنون: هل صليت الفجر؟ أجاب الزوج: لا والله لقد استيقظت بعد الفجر!
سأله المجنون: كيف حال أمك اليوم؟ أجاب الزوج لم أرها اليوم فقد خرجت مسرعا!
سأل المجنون: هل قرأت من القرآن اليوم؟
أجاب الزوج غاضبا: قلت لك يا أخ أنا كنت في عجلة من أمري ولم أقرأ شيء ولم أزر أحد.
قال المجنون: اذهب وخذ زوجتك، فهل هناك يوم مشؤوم وأغبر وليس به نور يومك هذا.
لم تصلي الفجر ولم تقرأ القرآن ولم ترى أمك وتستأذنها، فرح الزوج وأصبح يقبل رأس المجنون ويقول له:
لقد أنقذتني يا علامة، اطلب ما شئت يا شيخ.
فرد المجنون: أنا لا أطلب إلا من ربي وإلهي يا غافل، إنك قد تجد ضالتك في المكان الذي لم تتوقعه، أن العلم في صدور الرجال، وليست في الملابس والمظهر، إياك أن تحتقر أحدا.

نعود لحكايتنا اليومية: يحكى أن حاكم ايطالي دعا فنانا تشكيليا شهيرا وأمره برسم صورتين مختلفتين، ومتناقضتين، عند باب أكبر مركز روحي في البلاد، امره أن يرسم صوره ملاك، ويرسم مقابلها صوره الشيطان، لرصد الاختلاف بين الفضيلة والرذيلة. وقام الرسام بالبحث عن مصدر يستوحي منه الصور.
عثر الرسام على طفل بريء وجميل تطل السكينة من وجهه الأبيض المستدير، وتغرق عيناه في بحر من السعادة.
ذهب معه الى أهله واستأذنهم في استلهام صوره الملاك، من خلال جلوس الطفل أمامه، كل يوم حتى ينهي ذلك الرسم مقابل مبلغ مالي وبعد شهر أصبح الرسم جاهزا ومبهرا للناس، وكان نسخه من وجه الطفل ولم ترسم لوحه أروع منها في ذلك الزمان، وبدأ الرسام في البحث عن شخص يستوحي منه وجه صوره الشيطان، وكان الرجل جادا في الموضوع
لذا بحث كثيراً وطال بحثه لأكثر من اربعين عاما، وأصبح الحاكم يخشى ان يموت الرسام قبل ان يستكمل التحفه التاريخية لذلك، أعلن عن جائزة كبرى ستمنح لأكثر الوجوه إثارة للرعب وقد زار الفنان السجون والعيادات النفسية والحانات. وأماكن المجرمين لكنهم جميعاً كانوا بشرا ًوليسوا شياطين وذات مره عثر الفنان فجاه على(الشيطان!) وكان عبارة عن رجل سيء يبتلع زجاجه خمر، في زاوية ضيقه داخل حانه قذرة اقترب منه الرسام وحدثه حول الموضوع، ووعد بإعطائه مبلغ هائل من المال، فوافق الرجل وكان قبيح المنظر، كريه الرائحة، أصلع وله شعرات تنبت في وسط رأسه كأنها رؤوس الشياطين! وكان عديم الروح ولا يأبه بشيء ويتكلم بصوت عال ٍوفمه خال ٍمن الأسنان فرح به الحاكم لان العثور عليه سيتيح استكمال تحفته الفنية الغالية.
جلس الرسام أمام الرجل وبدأ برسم ملامحه مضيفاً إليها ملامح (الشيطان)، وذات يوم التفت الفنان الى الشيطان الجالس أمامه وإذا بدمعه تنزل على خده فاستغرب الموضوع، وسأله إذا كان يريد ان يدخن أو يحتسي الخمر!
فأجابه بصوت أقرب الى البكاء المختنق، (أنت يا سيدي زرتني منذ أكثر من اربعين عاما حين كنت طفلا صغيرا
واستلهمت من وجهي صوره الملائكة، وأنت اليوم تستلهم مني صوره الشيطان لقد غيرتني الأيام والليالي، حتى أصبحت نقيض ذاتي! بسبب أفعالي).
وانفجرت الدموع من عينيه وارتمى على كتف الفنان وجلسا معا يبكيان أمام صوره الملاك.
يا اولادي العبرة من هذه الحكاية ان الله يخلقنا جميعنا كالملائكة ولكن نحن من يغير ونشوه أنفسنا بسبب معاصينا، فالله يهدينا خلال مسيرتنا في طريق الخير والشر. فلا تلوث روحك ونور وجهك وبصيرتك بأفعالك الغير مدروسة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

673 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع