في الشأن النِسويِّ أيضاً ’’نَسْوَنَةُ‘‘ العمل والفكر!

                                                     

                           بقلم: د. زكي الجابر

في الشأن النِسويِّ أيضاً’’نَسْوَنَةُ‘‘ العمل والفكر!

                     إعداد: د. حياة جاسم محمد

شَهِدَ العالَمُ مع إِطْلالِة القرنِ السادسِ عَشَر حركةً وئيدةً لمشاركةِ المرأةِ في الحياةِ العامّةِ واحترافِ العملِ خارجَ المنزلِ وممارسةِ الكتابةِ الفِكريّة. وبالرغم مما قدَّمه أكثرُ مِنْ مُفَكِرٍ وفيلسوفٍ من أجل الدفعِ بهذه الحركةِ إلى الأَمامِ من خلالِ التركيزِ على رَفعِ الاضطهادِ عن المرأةِ فإِنَّ نصيبَ هذه الحركةِ من النجاحِ لم يأخُذْ بالازدهارِ النظريِّ والتطبيقِ الواقِعيِّ إلّا مُؤخَّراً حين حقَّقَتِ النِسوةُ في المجتمعاتِ الغربيّةِ إِنجازاتٍ متقدِّمةً في فُرَصِ التعليمِ والتوظيفِ المِهَنِيِّ والتملُّك. وها نحن نقفُ عند بوّاباتِ القرنِ الحادي والعشرينَ وما زالتِ المرأةُ موضوعَ المواضيعِ في تَنميطِها جِنسِيّاً وفي إِخضاعِها لِسيطرةِ الرجلِ ونَزَواتِه. وما زال الحَديثُ يَتَجَدَّدُ عن ’’نسونة‘‘ العملِ كما افتَرَضتْهُ حاجاتُ السوقِ المتجدِّدَةِ من ضرورةِ تَجاوُزِ المرأةِ حدودَ الشُغلِ المنزليِّ وانطلاقِها لتكونَ مُساويةً لنظيرِها الرجلِ في ممارسةِ أعمالٍ تتخطَّى ما أَلِفَتْهُ من الأعمال كالتعليمِ والتمريضِ والأعمالِ الكتابيّةِ والمَبيعاتِ والخدمةِ، وأن تَنالَ من الأَجْرِ ما يُكافِئُ بِحَقٍّ جُهدَها، وأن تتمتَّعَ بحقّها من الضَماناتِ الاجتماعيّة. والحديثُ ما زال يتجدَّدُ بَلْ ويتصاعَدُ عَمّا تُحَتِّمُهُ الضرورةُ الفكريةُ والإنسانيَّةُ من أهميَّةِ ممارسةِ المرأةِ للأعمالِ الفكريّةِ والأدبيّةِ والنَقدِيّة.
لقد أخذ مُصطَلَحا ’’الأدبِ النِسويِّ‘‘ و’’النقدِ النِسويِّ‘‘ يَشيعانِ في الأوساط الفكريَّةِ والأكاديميَّةِ منها بالذاتِ باعتبارِهِما أَداتَيْنِ تُحاوِلانِ الكَشْفَ عن مُعاناةِ المرأةِ وصِراعِها نَفسيّاً واجتماعيّاً، وتُظهِرانِ جوانبَ من اضطهادِها لُغَويّاً وأَدبِيّاً، وتَعرِضانِ مَدَى استثمارِها جَسدِيّاً في مجالاتِ الإعلانِ والأفلامِ والمسلسلاتِ التَلفَزِيّة.
إن ’’النقدَ النسويَّ‘‘ و’’الأدبَ النسويَّ‘‘ و’’الكتابةَ النسويَّةَ‘‘ مُصطَلحاتٌ تقعُ في إطارِ مفهومٍ أوسَعَ هو ’’الأُنثَوِيَّةُ‘‘، وهو مفهومٌ يُمثِّلُ منطقةً تتعايشُ، مُتَنازِعةً، فيها تَوَجُّهاتٌ سياسيةٌ وفلسفيةٌ مُتبايِنة، فَثَمَّةَ ’’أنثويةٌ بُرجوازيّةٌ‘‘ تُركِّزُ اهتماماتِها على المساواةِ في الحقوقِ وممارسةِ الحريّاتِ العامة، وثَمَّةَ ’’أنثويّةٌ ماركِسيَّةٌ‘‘ تربطُ اضطهادَ المرأةِ بالبِنيَةِ العريضةِ لِقُوَى الإِنتاجِ كما تربُطُها باضطهادِ جماعاتٍ أُخرى مثلَ الأقليّات، وثَمَّةَ ’’أنثويةٌ راديكاليةٌ‘‘ تَحتضِنُ التَطَرُّفَ الذي يرَى في المرأةِ خصائصَ تَنفرِدُ بها عن الرجلِ إلى الحدِّ الذي يدعو إلى قيامِ مجتمعاتٍ نِسويّةٍ تلبّي حاجاتِ النساءِ ورغباتِهِنَّ، وثَمَّةَ ’’أنثويّةُ ما بعدَ البِنيَوِيَّةِ‘‘ تُمارِسُ تحليلَ النظامِ من أجلِ فَهمِ مَن يُطْلَقُ عليهم ’’النساءُ‘‘ تفريقاً عَمَّنْ يُطلَقُ عليهم ’’الرجالُ‘‘ وُصولاً إلى تغييرٍ لصالحِ المرأة، وثَمَّةَ ’’أُنثويَّةٌ لِيبراليّةٌ‘‘ إِصلاحِيَّةٌ تُعنَى بالحريَّاتِ التي ينبغي أن يُوَفِّرَها المجتمعُ للمرأة.
ولقد وجدتِ ’’الأنثوية‘‘، ولْنَقُلْ بصيغةٍ أجملَ ’’النِسائيَّةُ‘‘، صَدَىً يتجاوبُ مع مَطالِبِها في ’’اتفاقيّةِ القَضاءِ على جميعِ أشكالِ التمييزِ ضِدَّ المرأة‘‘ التي اعتَمَدَتْها الجمعيةُ العامّةُ للأممِ المتحدةِ في كانون الأول 1979، فقد أعربتْ هذه الاتفاقيةُ عن القَلَقِ لمُشاهدةِ حالاتٍ من الفَقرِ لا تنالُ فيها النِسوَةُ إلا أدنَى نصيبٍ من الغِذاءِ والتعليمِ والصحّةِ والتدريبِ وفُرَصِ العَمَلِ، ونَصَّتْ على أهميّةِ مشاركةِ المرأةِ في مُختلِفِ الميادينِ السياسيّةِ والاجتماعيّةِ والاقتصاديّةِ والثقافيّةِ، كما طالبتْ باتخاذِ التدابيرِ لكَفالةِ تَطَوُّرِ المرأةِ وتقدُّمِها وتحقيقِ مشارَكتِها في صِياغةِ السياساتِ وشّغْلِ الوظائفِ العامّةِ والالتحاقِ بالدراساتِ والحصولِ على الدرجاتِ العاليةِ في المُؤسَّساتِ التعليميّةِ في الريفِ والحاضِرة.
إن المُتَأمِّلَ لَيَجِدُ في كلِّ ما تَحَقَقَ من اجتهاداتٍ نظريةٍ وتعاطُفٍ مع حركةِ المرأةِ وتحسُّنِ واقعيٍّ في مكانتِها ضرباً من النظرةِ التَجزيئيّةِ يتجلَّى في فَصلِ إِشكاليّةِ المرأةِ عن إِشكاليّةِ المجتمعِ كَكُلٍّ، وهي إِشكاليَةٌ مِحوَرُها ’’نَحنُ‘‘ جميعاً من نساءٍ وذُكورٍ، ولا يُمكنُ فيها الفَصلُ عَمَلِيّاً بين ’’هُمْ‘‘ و’’هُنَّ‘‘، وما زالَ الطَريقُ طَويلاً وفَسيحاً أمام المهندسين الاجتماعيّينَ لِيقولوا الكثيرَ في معالجةِ هذه الإشكاليةِ المُجتَمعيَّةِ الكبرى.
- إِذْ ما زالَ هناكَ نَقْصٌ نظريٌّ في فحصِ العَلاقةِ بين الاضطهادِ الجِنسيِّ وتفاعُلاتِ العلاقاتِ الاقتصاديّةِ ضِمْنَ النطاقِ الاجتماعيِّ بأَسْرِه.
- وما زالتْ هناك حاجةٌ قائمةٌ إلى اختبارِ العلاقةِ الثُلاثيَّةِ القائمةِ بين مكانةِ العملِ المَنزِليِّ في الاقتصادِ والدَّوْرِ الاجتماعيِّ للمرأةِ والعلاقةِ الأُسَريَّةِ بين الرجلِ والمرأة.
- وثَمَّةَ شَرائحُ اجتماعيةٌ على مُستَوياتٍ مختلفةٍ من الثقافةِ ما زالتْ ترَى في تنظيفِ المنزلِ والمطبخِ وأعمالِ الخياطةِ أعمالاً هامِشِيَّةً تافِهةً، وهي أعمالٌ ينهضُ بها الرجلُ والمرأة.
- وبالرغمِ مِمّا يبدو من تَناقُصٍ في أَهميَّةِ المنزلِ كوحدةِ إنتاجٍ فما زالتِ الأسرةُ بمُقوِّماتِها النسائيةِ والرجاليةِ تُواصلُ سَيرورَتَها في الإنجابِ والتنشِئَةِ الاجتماعيّةِ وتوفيرِ قُوَى العملِ بالبنينِ والبنات.
- وإذا كان هناك مَن يُنكِرُ على المرأةِ تعليمَها ويرَى ضرورةَ اقتصارِها على الخدمةِ المنزليّةِ وتربيّةِ الأطفالِ فإنّهُ لَمِنَ الملحوظِ وجودُ الملايينِ من الأُميّينَ وأشباهِ الأُميّينَ من الرجالِ والوَفْرةِ الوافِرةِ من العاطلينَ مُرتادي المقاهي، ومن يعيشون بطالةً مُقَنَّعَةً وشِبْهَ مُقَنَّعَةٍ يَصبِغونَ الأَحذيةَ ويبيعونَ بطاقاتِ اليانصيبِ ويمسحون زجاجَ السيارات. إن التَكَيُّفَ إِزاءَ المُستجِدّاتِ التي تَفرِضُها الأسواقُ الوطنيةُ والعالَميّةُ وانعكاساتِ هذه المُستجِدّاتِ على فُرَصِ الشُغلِ لا تنتهي إلى ’’نَسْوَنَةِ‘‘ العملِ فحسبُ بل إلى ’’مَرْجَلَتِهِ‘‘ أيضاً إِنْ صَحَّ التعبير.
- وإذا كانت أجهزةُ الإعلامِ تَعرِضُ المرأةَ مُقَوْلَبَةً في إطارِ الجِنسِ والخدمةِ المنزليَّةِ والتصرُّفِ الذي لا يَنِمُّ عن ذكاءٍ أو فِطنةٍ فإنها طالما عَرَضَتِ الرَجُلَ في دَوْرِ المُعتدي والقاتلِ والمُعَرَّضِ للإثارةِ الجِنسيّة.
- وفي مجالِ الفكرِ والأدبِ لم تُسْفِرِ الكتاباتُ النِسويّةُ لِحّدِّ الآنَ عن كَمٍّ ونَوعٍ عميقَين ووافِرَيْنِ يُعالجانِ أوضاعَ المرأةِ، ولم يَتَخَلَّ الرجلُ بعدُ، مُفكِّراً وأديبا،ً عن معالجةِ قضايا رفيقتِه وحبيبتِه وأمِّ أطفالِه وأختِه وابنتِه.
وبَعدُ فهناكَ مَن يُشَبِّهُ المجتمعَ بالطائرِ الذي لن يَقْوَى على التحليقِ إلا بجَناحَيْه: الذكورِ والإناث. وإذا كان ذلك التشبيهُ يقتربُ من جَماليَّةِ الأدبِ وشِعرِيَّتِه فإنَّ من المُنَظِّرينَ الاقتصاديّينَ والمهندسينَ الاجتماعيّينَ وأربابِ الفكرِ مَن لا يَنفَكُّ عن القولِ بأنَّ أيَّةَ تَنمِيَةٍ شاملةٍ لا يُمكنُ أن تُواصِلَ سَيرورتَها بنجاحٍ ما لم تَتَضافَرْ قُوَى النساءِ والرجالِ على تحريكِ عجلاتِها. وإنَّ اقتصارَ المرأةِ على الدَورِ المنزليِّ الضيِّقِ يُشكِّلُ إهداراً لِما وَهَبها اللهُ من مَلَكاتِ العَقْلِ والإبداعِ وبالصورةِ التي تنتهي إلى رُكودِها عَقلاً وعاطِفةً وإسرافِها تَبَرُّجاً وتَزَيُّناً، كما أنّه يؤدّي إلى تحميلِ الرجلِ مسؤوليةً لا يَقْوَى وَحْدَهُ على النُهوضِ بِها. وكلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له، وقديماً قال رَهينُ المَحْبِسَيْنِ، شيخُ المعرة:
فلا تَطْلُبَنْ مِن عِندِ يومٍ وليلةٍ
خِلافَ الذي مرَّتْ به السَنَواتُ
**************
نشرت في صحيفة ’’العَلَم‘‘ (المغرب)، 2-5-2000. مرّتْ قبل أيام الذكرى السابعة لرحيل كاتب المقالة، زوجي الدكتور زكي الجابر في 29-1-2012.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

809 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع