الحملة الوطنية الشاملة للتبرع بالمال والذهب الذي لا ندري أين ذهب

                                                 

                        بقلم المحامي المستشار
                        محي الدين محمد يونس

    

الحملة الوطنية الشاملة للتبرع بالمال والذهب الذي لا ندري أين ذهب

في بداية النصف الثاني من عام 1983 وكانت الحرب العراقية الإيرانية في أوج شدتها وشراستها وتواجد معظم الشباب العراقي في جبهات القتال الطويلة من شمال العراق إلى جنوبه, وبحجة مشاركة من لم يسعفه حظه في المشاركة في هذه الحرب العبثية بسبب السن أو الجنس أو أي سبب أخر.

  

                       الحرب العراقية الإيرانية

فقد أصدرت السلطة العراقية قراراً يقضي ويدعو المواطنين كافة للتبرع بالمال والذهب مشاركة في المجهود الحربي ودعماً لقادسية صدام وتعويضاً عن عدم تمكنهم من القتال وسميت بـ (الحملة الوطنية الشاملة للتبرع بالمال والذهب) ولهذا الغرض كلفت تنظيمات حزب البعث الحاكم للقيام بمهمة جمع التبرعات من المواطنين ونشطت القيادات الحزبية عن طريق كوادرها المنتشرين في كافة المدن العراقية من خلال مراجعة المواطنين في مساكنهم ومحلات عملهم ودوائر الدولة ومؤسساتها وحث الجميع على المشاركة الفعالة في هذا الواجب الوطني حسب بيانات الحكومة العراقية والتي سخرت جميع وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة لهذا الغرض ومحاولة خلق حالة من التنافس بين المواطنين من جانب والمحافظات العراقية من جانب آخر وكان المردود الإيجابي والسلبي لهذا النشاط ينعكس على تقييم المسؤولين الحزبيين لدى القيادة العليا للحزب والتي قامت لهذا الغرض بتشكيل لجان فرعية وحسب المناطق السكنية ولجان رئيسية في المحافظات مهمتها الاشراف على اللجان الفرعية بالإضافة إلى قيامها باستدعاء الأشخاص ميسوري الحال بعد جمع المعلومات الدقيقة عنهم وعن وضعهم المادي من خلال المؤشرات المنظورة والمعلومة عن حجم ما يملكونه من عقارات وأرصدة مالية ونوع ما يمارسونه من نشاط متميز من حيث المردود المالي.
نعود للحديث عن أسلوب عمل اللجنة الرئيسية في المحافظة والتي كانت تقوم بجمع أعداد من المرشحين من قبلها للتبرع على شكل وجبات في المقر الرئيسي لحزب البعث ويبدأ المسؤول الأول في اللجنة والذي يكون ذو مركز قيادي متميز حديثه مع جميع الحاضرين ويحثهم على استغلال هذه الفرصة الثمينة والمساهمة في هذا الواجب الوطني والذي يدل ويؤشر على مدى اخلاص المواطن لوطنه وقيادته في هذه الظروف التي يمر بها العراق ويحثهم على المنافسة للتبرع بالأموال وكميات متميزة من الذهب وعندما كان ينهي حديثه مع الجميع كان يلجأ للانفراد بكل واحد من الحضور للحديث معه امام الآخرين الجالسين في القاعة للوقوف على كمية وحجم ما سيتبرع به ويبدأ حديثه: ((ها أخويا هذا يومك ... اشكَد تتبرع للعراق... هذا وطنك... اذا ما تكَدر تشارك بالقتال فالفرصة أمامك للتبرع بمالك والاشتراك بالمجهود الحربي ضد العدوان الأجنبي وكونوا على ثقة أن الحزب والثورة راح تعوض الجميع أضعاف ما تبرعوا به بعد الانتصار ونهاية الحرب))
كانت إجابات البعض أما الاعتذار عن التبرع بدعوى ضعف امكانياته المادية أو استعداد البعض الآخر للتبرع بمبالغ وأموال لا تلقى الرضا والقبول من اللجنة ورئيسها ... وحينها يتعرض هؤلاء للتقريع واللوم ووصفهم بضعف إخلاصهم لوطنهم وقصور شعورهم الوطني والتهديد المبطن ((أخي ليش ما تتبرع أو ليش تبرعك قليل لو ما الحزب والثورة ... منيلك كل هذي الثروة... بالشارع الفلاني عندك عمارة ... تملك خمسة قصور ... رصيدك بالبنك ما شاء الله ... معملك ... تجارتك ))
وعلى ضوء هذا الكلام ربما يتراجع عن قراره من كان يرفض التبرع أو التبرع بمبلغ ضئيل لا يرضي طموح اللجنة.
وآخر الكلام مع الشخص المصر على موقفه من قبل مسؤول اللجنة... ((الله وياك العراق ما محتاج فلوسك, أكو من يعوض))
بالإضافة إلى هؤلاء كان هناك عدد من أغنياء المدينة وميسوريها من الذين لا علاقة لهم بالسياسة والسلطة وكانوا يتبرعون بمبالغ تريح المسؤولين المكلفين بهذا العمل في سبيل النأي بأنفسهم عن كل مسائلة مستقبلاً ((جفيان شر)).

               

                الرئيس العراقي السابق صدام حسين

كانت التعليمات الصادرة من السلطة المركزية في بغداد تقضي بفرز الأشخاص الذين يتبرعون مالاً أو ذهباً بما قيمته ثلاثة آلاف ديناراً وأكثر حيث يتم تنظيمهم في مجموعات وحسب عدد المتبرعين في كل محافظة وينقلون إلى العاصمة بغداد بواسطة باصات معدة لهذا الغرض ويتم إقامتهم في فندق الكاظمية السياحي الحكومي لحين تحقق موعد لقائهم بالرئيس العراقي (صدام حسين) وكل مجموعة على حدة وفي موعد محدد, وكانت مراسيم اللقاءات جميعها تنقل من على شاشة تلفزيون جمهورية العراق بالإضافة إلى نشر أسماء المتبرعين وما تبرعوا به من مال وذهب لكل وجبة على صفحات صحيفة الثورة الناطقة باسم حزب البعث الحاكم.
ومن أجل توثيق بعضاً من المعلومات وتفاصيل هذه الحملة التي جرت في الماضي القريب ولكي يطلع عليها المواطن العراقي الذي لا علم له بهذا الحدث أو تنقصه تفاصيلها بسبب عدم معايشته لها, والحديث بشكل مسهب في هذا الموضوع اخترت وحسب معلوماتي الحديث عن لقاء متبرعي محافظتي أربيل والسماوة.
على ضوء عدد المتبرعين من محافظة أربيل فقد تم تنظيم لقائهم على شكل وجبتين ويقود كل وجبة مسؤول كبير في قيادة الحزب في المحافظة ومن يرافقه من كبار الموظفين الإداريين حيث كانت الوجبة تنقل في باصات خاصة إلى القصر الجمهوري وبعد التفتيش الدقيق والفحص الطبي الخاص يتم ادخالهم الى القاعة الرئيسية ويجلسون على الكراسي في اطراف القاعة وعند قدوم الرئيس العراقي (صدام حسين) ودخوله القاعة يبدأ الحضور بالتصفيق والهتافات ومن أشهرها (هلا بيك هلا وبجيتك هلا) والهلاهل الصداحة من بعض النسوة الحاضرات وهذا هو حالنا مع كل مسؤول, يبدأ بمصافحة الرجال والنساء الواقفين بعد دخوله القاعة واحداً واحداً وتعريفهم بأسمائهم أو مناصبهم أو وضعهم الاجتماعي وأما الأطفال فيكون نصيبهم وحسب أعمارهم فيطبق بكلتا كفي يديه على خدي البعض منهم أو قبضة على الرأس أو صفعة على الخد.

      

 الرئيس العراقي السابق مرحبا بالأطفال الصغار بصفعة على الخد

وأثناء مروره بهم كان يبدي اعجابه بالملابس والزي الكردي الزاهي الملون والحلي الذهبية للنساء الحاضرات, كما كان يمعن النظر في شدة الرأس (الجراوية) ويستفسر عن سبب اختلاف شكلها ويجيبه أحدهم بأن شدة الرأس تختلف من منطقة إلى أخرى وبعد الانتهاء من مصافحة الجميع يجلس في صدر القاعة وفي المكان المخصص له وبعد ترحيبه بهم, يبدأ البعض من الحضور بإلقاء القصائد والأشعار والكلمات المعدة خصيصاً لهذه المناسبة.

   

الرئيس العراقي السابق مرحبا بالمتبرعين و مستفسراً عن سبب اختلاف اشكال شدة الرأس (الجراوية)
وتعود بي ذاكرتي عندما نهض الأمين العام للزراعة لمنطقة الحكم الذاتي (جميل صبري عقراوي) فألقى كلمة مكتوبة أمام الرئيس العراقي اقتطف منها ما يلي:
((سيدي الرئيس القائد العظيم المناضل صدام حسين حفظه الله...
لقد خلصتنا من براثن الأعداء... أنت في مصاف القديسين بحكمتك وبصيرتك الثاقبة وقيادتك الرشيدة وتوجيهاتك السديدة... القائد العظيم ...
أنت أبرز زعماء العالم الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة...
فبوركت الأم التي أنجبتك...))

                   

  الأمين العام للزراعة لمنطقة الحكم الذاتي جميل صبري عقراوي

وبعد انتهاء هذه الفعاليات يبادرالرئيس العراقي بالكلام: (( أهلاً وسهلاً ... الجميع من هولير... هولير مركز الحكم الذاتي الآن... إن شاء الله في المستقبل ستكون العاصمة الصيفية لكل العراق كنا مخططين قبل الحرب مع إيران... أنا في غاية السرور في الالتقاء بيكم ... ها أنتو جامعين تبرعات أكثر لو شعبنا في السليمانية؟))
عندها نهض المسؤول الحزبي المرافق لوفد المتبرعين ليقول: ((سيدي عدد نفوس محافظة السليمانية أكثر من نفوس محافظة أربيل))
الرئيس العراقي: ((صحيح على كل حال ما قصرتوا)) ثم ينهض ويغادر القاعة وهو يردد: ((فيمان الله ... سلمونا على إللي ما شفناهم))
وفي موضوع ذو صلة لا بد لي من أن اذكر أن (فرهنك سيد أحمد) كان قد تجاوز كل متبرعي محافظة أربيل من حيث حجم تبرعه حيث كان قد تبرع مع زوجته بمبلغ خمسة آلاف دينار وسيارتي لوري قلاب نوع رومان جديدة مع (783) غراماً من الذهب وكان مصيره السجن في مديرية الاستخبارات العسكرية في بغداد عام 1989 ولمدة ثلاثة سنوات وإعدام شقيقه (هوشنك سيد أحمد) من قبل نفس الدائرة المذكورة وقد تضاربت الأخبار عن سبب إعدامه والذي عمل في المخابرات العراقية لمدة تزيد على العشرة أعوام والمنصب الذي كان يشغله فيها هو (مدير دائرة إيران).
إحدى هذه الروايات تعزي سبب إعدامه إلى انكشاف معلومات تفيد بكونه كان عميلاً للمخابرات الإيرانية ونفس هذه المعلومات أكدها لي (السيد سالم الجميلي) الضابط السابق في المخابرات العراقية (مدير دائرة أمريكا) في اتصال هاتفي لي معه مؤخراً.

               

ومن الجدير ذكره كون المذكور كان معلم اللغة الكردية لـ (صدام حسين) وصديق ولديه (عدي وقصي), أما (برزان التكريتي) الأخ غير الشقيق للرئيس العراقي السابق فيذكر في مذكراته والتي نشرت مؤخراً في كتاب بعنوان (السنوات الحلوة والسنين المرة) والصادر من مكتبة المجلة / بغداد 2018, حيث يذكر في الصفحة (73) من أنه تم استدعائه من سويسرا التي كان يعمل فيها ممثلاً للعراق في بعثة الأمم المتحدة في جنيف, بعد أن ترك منصبه رئيساً للمخابرات في عام 1983 متضامناً مع شقيقيه (سبعاوي ووطبان) لتشنج علاقتهم مع (صدام حسين) بسبب تزويجه لابنته (رغد) من (حسين كامل) بدلاً من تزويجها لـ (ياسر) نجل (سبعاوي) للحضور إلى بغداد بتاريخ 10/2/1989 بناء على أمر من الرئيس العراقي ويستطرد في كلامه بأنه لم يكن يعرف أن الاستدعاء كان بسبب رسالة أرسلها للرئيس تتعلق بسلوك ابنه الصغير (قصي) وأنه عرف ذلك من (هوشنك سيد أحمد) ضابط المخابرات العراقي الذي كان منسباً في ذلك الوقت للعمل تحت غطاء دبلوماسي في سغارة العراق في بون- ألمانيا وفي وصفه لهذا الرجل يقول (برزان التكريتي) أنه ضابط ذكي وشغول خاصة عندما يكون بمعية رئيس قوي.

       

  الرئيس العراقي السابق صدام حسين يتوسط ولديه عدي وقصي

لنترك (برزان التكريتي) يحدثنا عن بقية القصة عن أسباب إعدام (هوشنك السيد أحمد) ونترك تحليل ذلك لرأي السادة القراء الأعزاء.
((في الشهر الأول من سنة 1989 زارني في جنيف (هوشنك السيد أحمد) وأخبرني بأن (قصي) كان في بون وكان معه شلة من رجال الأعمال العراقيين وأضاف بأنه عندما كانوا في الفندق قال أحدهم مستفسراً منه هل تستطيع احضار شيء لنا (لنشمه) وكان قصده نوع من أنواع المخدرات وكان رد المذكور على هذا الشخص بعصبية, ما هذا الكلام أنه لا يتعاطى هذه الأمور وحذره من أن يسمح لـ (قصي) بذلك فرد عليه المذكور قائلاً: لا تخاف إننا دائماً نقوم بالشم.))

               

                                حسين كامل

على أثر هذا الكلام كتبت رسالة للرئيس بهذا الخصوص (والكلام لازال لبرزان التكريتي)انبهه على ضرورة الانتباه لأولاده قبل أن يضيعوا وذكرت للرئيس نقلاً عن (هوشنك) أن (حسين كامل) يحاول تحطيم أولاده لأنه يسهل لهم كل شيء من ضمنه هذا الشيء وانتشر خبر هذه الرسالة بين جميع أفراد العائلة عن طريق (صدام كامل) الذي قرأ الرسالة عندما شاهدها موضوعة فوق منضدة الرئيس العراقي يضيف (برزان التكريتي) المهم في 15/2/1989 دعاني الرئيس إلى أحد قصوره في منطقة الرضوانية فذهبت الى هناك فوجدت (الرئيس) جالس في احدى غرف القصر وكان معه مرافقه (أرشد ياسين) وأمامه عدد من الملفات كان يقرأها وبعد فترة قصيرة وصل (هوشنك السيد أحمد) وحضر العراقي الذي كان حاضر مع ابن (الرئيس) في بون عندما تحدث العراقي الأخر مع (هوشنك) حول المخدرات ومن ثم حضر (حسين كامل) بعد أن طلب حضوره (الرئيس) والذي بدأ يتكلم عن الموضوع وقال أنه استلم رسالة مني اذكر فيها ... كذا ... وكذا... ثم نظر إلى (هوشنك) قائلاً: ((هل صحيح أنك أخبرت (برزان) بما سمعته ))
فرد (هوشنك) قائلا: ((نعم إن كل ما سمعته أخبرت الأستاذ (برزان) به وأضاف لأن هذه الأمور خطيرة ولأنه مخلص للرئيس وعائلة الرئيس... فوجدت من واجبي أن أخبر (برزان) لأنه من العائلة ولأنه يستطيع أن يوصل ما قلته لسيادتكم))
بعد ذلك نظر إلي العراقي الذي هو (حسام رسام) ولا أدري إن كان حسام الرسام الفنان أم غيره وسأله هل حصل هذا عندما كنت معهم في الفندق, فكان جوابه: ((نعم ... ولكننا كنا نتحدث عن هذه الأمور بشكل عام وليس كما ذكر))
فرد عليه (هوشنك): ((قائلاً لا... الموضوع كان محدد وبصيغة الطلب وليس حديث عام)) ويقول (برزان): (( لاحظت أن الرئيس اقتنع بما سمعه)), بعد ذلك طلب من (رسام وهوشنك) أن يجلسوا في غرفة أخرى فبقينا لوحدنا (الرئيس وأنا وحسين وأرشد) فدار حديث عن علاقة أولاده مع أشخاص بعيدين عن الخط الرسمي والحزبي وممكن جداً أن هؤلاء يستغلون هذه العلاقة لصالحهم.
يضيف (برزان التكريتي)... انتقلنا إلى قاعة الطعام وحضر معنا (رسام وهوشنك) ونحن نتناول الطعام قال (الرئيس) : (( أخ حسام ما هي علاقتك مع هؤلاء الشباب وأنت بعمر أبوهم عليك أن تبتعد عنهم))
فرد حسام قائلاً: ((سيدي إنني أحب الأولاد واحترمهم لأنهم أولادك وبما أنك تفضل أن أكون بعيداً عنهم فسوف يكون ذلك))
للوقوف على نهاية حياة (هوشنك) نستكمل حديث (برزان التكريتي) في مذكراته حيث يذكر ... بعد أن انتهينا من تناول طعام العشاء خرجنا وكانت سيارة تنتظر (هوشنك) ولكن ليس لأخذه إلى بيته وإنما أخذته إلى الاستخبارات العسكرية وكلف (سبعاوي) بالتحقيق معه وأعدم بعد أيام ولا أعرف التهمة التي سببت إعدامه ولماذا أرسل إلى الاستخبارات العسكرية بدلاً من الأمن العامة أو المخابرات العامة, ربما بسبب لكي لا يتسرب سبب اعتقاله لأنه لا يعرف أحد في الاستخبارات العسكرية.
بالرغم من ما أوردناه حول الأسباب التي دعت السلطة العراقية إلى اعدام
(هوشنك السيد أحمد) وبأمر صاحب السلطة والقرار مباشرة (صدام حسين) فأن ذلك يبقى لغزاً محيراً وسراً بحاجة إلى من يكشفه بوضوح.
وما دمنا قد تطرقنا للحديث عن مذكرات (برزان التكريتي) فقد خطر على بالي أن أشير إلى الأسلوب الإنساني لهذا الحمل الوديع عندما يتحدث عن الأبوة والأخوة والزوجة والأقارب والعشيرة بكلمات الود والحنان والعاطفة والوفاء متناسياً أو متجاهلاً ما اقترفته يداه الاثمتان من جرائم بحق الكثيرين من العراقيين والذي كان سبباً لحرمانهم من أولادهم أو آبائهم أو أخوانهم أو أزواجهم أو أقربائهم أو محبيهم.
وبعد أن أتينا على نهاية الحديث عن اللقاء مع متبرعي محافظة أربيل ننتقل للحديث عن متبرعي محافظة السماوه والذي يهمنا من هذا اللقاء هو ما تميز به صديقي الوجيه المرحوم (سيد مجيد أبو طبيخ) عندما كان ضمن وجبة المتبرعين للمحافظة المذكورة وعند مرور الرئيس العراقي على المتبرعين الواقفين في أطراف القاعة ووصوله قبالة السيد (مجيد أبو طبيخ) ومصافحته إياه جرى الحوار التالي بينهما:
سيد مجيد: ((سيدي يبين ما عرفتني ))
صدام حسين: (( لا والله ما عرفتك... منو))
سيد مجيد: ((سيدي آني سيد مجيد أبو طبيخ))
صدام حسين: ((سيد مجيد لا والله ما عرفتك وحقي إذا ما عرفتك يمعود سمنان هواية))
سيد مجيد: ((سيدي هو أكَو واحد بزمانك مو سمنان))
ارتاح الرئيس العراقي من إجابته واستغرق في ضحكته المتميزة مع بقية الزوار القريبين منه
وقبيل انتهاء اللقاء مع جموع متبرعي محافظة السماوة واستعداد الرئيس العراقي للانصراف بادر السيد (مجيد أبو طبيخ) بمخاطبته : (( سيدي سيدي ....))
أجابه الرئيس العراقي: ((ها سيد مجيد شعندك...))
السيد مجيد أبو طبيخ: (( سيدي عندي طلب عندك ))
الرئيس العراقي: (( كَول سيد مجيد ...شنو الطلب))
السيد مجيد أبو طبيخ: (( سيدي... أريد بوسه من صباح مرزا))
ابتسم الرئيس العراقي والتفت نحو مرافقه صباح مرزا.... : ((يابه صباح انطي بوسة))

    

الرئيس العراقي السابق وخلفه مرافقه الأقدم العقيد صباح مرزا
عندها توجه السيد مجيد نحو العقيد صباح مرزا ورفع يده مخاطباً إياه وبصوت واضح وعالي: ((شوف عقيد صباح أنت بعنقك أكبر أمانة للشعب العراقي فلازم تحافظ عليها بروحك ودمك))
رد عليه العقيد صباح مرزا مبتسماً: ((صار سيد مجيد...))
حدثني عن هذه الحكاية السيد مجيد أبو طبيخ بنفسه وقد استغرقت في الضحك من أسلوب حديثه المثير وقابليته الفريدة في الحوار مع الرئيس العراقي السابق...
أجابني : (( أبويه محي الدين اذا موهيجي السوالف وياهم ما نكَدر انقشمرهم ))
لقد كان هذا الرجل يتمتع بصفات وخواص فريدة مثيرة للانتباه والاستحسان والارتياح حيث كان يتحلى بسرعة الخاطر والقدرة على الابداع عند الكلام والتصرف... رحم الله السيد مجيد وطيب ذكره.

                      

صورة لكاتب المقال تجمعه مع المرحوم السيد مجيد أبو طبيخ

لقد أتيت على نهاية مقالتي والتمس منكم العذر من اطالتي الحديث عن هذا الحدث (الحملة الوطنية الشاملة للتبرع بالمال والذهب) والذي شجعني على الكتابة عنه عدم تطرق كتابنا الأفاضل في ذكره في كتاباتهم, وغايتي المجردة تثبيت تفاصيل هذا الحدث الذي هو جزء من إحداث كثيرة واكبت وكونت مجمل الصورة الشاملة لأسلوب وسلوك السلطة في ذلك العهد وقد اعتمدت على ذاكرتي وعلى بعض المصادر البسيطة لذلك أكون شاكراً وممتناً للقراء الأعزاء في إغناء هذا الموضوع بما يتيسر لديهم من معلومات إضافية كما أنني على استعداد لتلقي ملاحظاتهم الإيجابية والسلبية بروح رياضية تقبل النقد والنقاش البناء.
وأخيراً لا بد لي من أن أذكر بأنه لم أعثر على أية مصادر مؤكدة عن مصير هذه الكميات الكبيرة من الذهب الذي تبرع به العراقيون في جميع أنحاء العراق فهناك إشاعات ترددت في حينه بأنه تم تصنيع عربة ذهبية كبيرة تجرها الخيول استخدمت في احتفال الرئيس العراقي بعيد ميلاده ولا استطيع أن أؤكد أو أنفي ذلك واترك ما تبقى على مشاركة القراء الأعزاء وبهذا حان موعد توديعي لهم بالحفظ والسلامة.

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1085 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع