ألعِلمُ، ألخطرُ الأكبر!

                                                    


                            د. زكي الجابر


ألعِلمُ، ألخطرُ الأكبر!

إعداد د. حياة جاسم محمد

ربَّما يكون الخطر الأكبر الذي تُواجهُه البشرية، وكذا محاولاتُ مُعالجتِه، في حالةٍ تَقرُبُ من الغيابِ عن وَعِي العُمومِ من الناس. يذهب الـﭙروفيسور ’’ﭘول دوتي‘‘ من جامعة ’’هارْفَرد‘‘ إلى أَنّ هذا الخطرَ يتحدّانا في القرن الحادي والعشرين وما يَليهِ مُهَدِّداً بفَناء مَدَنِيّة كوكبِنا الساطعِ وهَلاكِ مُعظمِ سُكّانه كحَصيلةٍ تَتَأتَّى من خلال اندلاعِ حربٍ تتفجَّرُ فيها الآلاف من الأسلحة النَوَوِيَّة، تلك الأسلحةُ التي يستقرُّ 97 بالمائة منها في روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وقد يكون ثَمَّةَ أكثرُ من سببٍ وراء حالة الاقترابِ من الغيابِ هذه، أولُّها انطِفاءُ سَعيرِ العَداءِ والصِّراعِ ’’الأيديولوجي‘‘ ما بين القُوَّتينِ العُظمَيَيْنِ والذي كان أهمَّ الدوافعِ الكامنةِ والداعيةِ إلى تشْييدِ تُرساناتٍ ضخمةٍ من الأسلحة النووية. وثانيها الثقةُ بقُدرةِ الرَدعِ المُشتَرَكِ على الاستمرار. أما ثالثُها فهو التَصَوُّرُ السائدُ بأنَّ الاستعمالَ، إذا ما كان هناك استعمالٌ، سيقتصرُ على عصاباتٍ إرهابيةٍ أو دُوَلٍ خارجةٍ عن النظام الدُوَليّ تُوظِّف القليلَ من السلاح النووي. ومن خلال منظور القرن القادم وما بعده فإِنَّ الظروفَ القائمة، في رأي ’’دوتي‘‘، يُمكِنُ أن تتغيّر، فثّمَّةَ طُرُقٌ للتطوُّرِ النوويِّ لا يُمكنُ التَنَبُّؤُ بها. إذا ما كان في الوُسْعِ احتواءُ الانتشار النووي فترة من الزمن فمن الحَصَافَةِ تَوقُّعُ أَنَّ هذا الانتشارَ سيقعُ ولو بِوَتيرة أبطأ. وفي الإِمكان تَصَوُّرُ ثلاثةِ مُستَوَياتٍ من الاستخدام:
فَعَلَى مستوى استخدام الأقلِّ ثَمَّةَ احتمالُ اندثارِ مدينةٍ أو عِدَّةِ مُدُنٍ أو مراكز حيوية، وإذا ما أردنا ضَرباً من التشبيه فإنها قد تُماثِلُ أَسوأَ الزلازل، وبالرغم من آثارِها المَهُولة فإنها ستظَلُّ على نِطاق محليٍّ على نَحوِ ما حلّ بهيروشيما وناﮔازاكي.
وأمَّا على مستوَىً يصل إلى المائة فإن النتائجَ يشوبُها الغموض لأسبابٍ تتّصل بالتوزيعِ الجغرافي والأهداف المُختارة والتوقيت ومدى تَساقُط الغبار الذري، ومن بابِ التخمين فإن الدمارَ المتوقَّعَ يُماثل ذلك الذي أحدَثَتْه الحرب العالمية الثانية. إن إعادة البناء قد تستغرق زمناً يقترب من ذاك الذي استغرقَتْه نظيرتُها بعد الحرب العالمية الثانية (1970-1945)، وقد تستغرقُ إعادةُ الاستقرارِ السياسيِّ والاقتصاديِّ زمناً أطولَ من ذلك.
أما على مستوىً يصل إلى الآلاف فإن مَدَى الخراب يتحدَّى تَقَبُّلَ الذهنِ. فإذا ما كانت هناك تفجيراتٌ على الأصعدة العالمية فلن يبقَى إلا القليلُ جداً من إنجازاتنا الحضاريةِ وبِنياتِنا التحتية. ولو ذهب بنا التصوُّرُ إلى أن الدمارَ قد يكون أقَلَّ اتساعاً فإن الذين لم يكونوا عُرضَةً للهجوم سيكونون عرضة للهلاك والعَطَب الوِراثي نتيجةَ تساقُط الغبار الذري، يُضاف إلى ذلك انهيارُ الخدماتِ وإمداداتِ الغذاء، ولن يكونَ مُمكِناً على أيَّة صورة من الصور إعادةُ الأوضاع إلى سابق عهدها.
وبالرغم من هذا التصوُّر الفاجع لنهايةٍ فاجعةٍ لحضارة الإنسان فإن قوةَ القانون الدُوَلي لم تحاول جِدِيّاً منعَ العنفِ على المستوى العالمي، كما أنها ليست بقادرةٍ على منع الحماقات وفُقدان الثقة الذي يُفضي، من خلال محاولاتِ الحِفاظِ على الأمن، إلى الوقوعِ في صراعٍ مسلَّحٍ قد تُستخدَمُ فيه أشدُّ وسائلِ الحربِ فَتْكاً وتدميراً. إن امتلاكَ أيّةِ دولة لقوة تدميرية هائلة يخلق حالةً من التوتُّر والقلق لدى الطرف الآخر يدفع به إلى المزيد من التسلُّح وِقايةً من العُدوان أو رَدّاً لِعُدوان. ولعل من مُثيرات الأسى القول بأن التغيُّر الذي طرأ على بِنياتِ العالم الأيديولوجية لم يُواكِبْه تَغَيُّر إيجابيٌّ في مجالات العمل على نزع السلاح، وما زال المُترقِّبون لهذه المجالات ينتظرون أن تأخذ المعاهدات أبعادَها الجِدّيّة.
ومِن هنا قد يكون صواباً أن تكون لنا إِطلالةُ تَعَرفٍ على عمليات تقليص السلاح النووي الاستراتيجي بموجب معاهداتٍ يُطلَقُ عليها اختصاراً مصطلح ’’ستارت‘‘.
لقد ذهبتْ أُولىَ تلك المعاهدات (ستارت 1) إلى تقليص عدد الرؤوس الحربيّةِ النوويةِ من 11 ألفاً لَدَى روسيا و 13 ألفاً لَدَى الولايات المتحدة إلى 8 آلاف لكلٍّ منهما. وأدبيّات استراتيجيّات استخدام القوى النووية تُشير إلى احتمالٍ قويٍّ بأن هذا التقليص قد أمكن تحقيقُه. وبموجب معاهدة (ستارت 2) التي وقَّعَتْها روسيا والولايات المتحدة في عام 1993 فإن عدد هذه الرؤوس يتقلَّصُ إلى ما بين 3 آلاف و 3 آلاف و 500 لكلٍّ منهما. وفي قمَّة هَلسِنكي (آذار 1997) اتَّفَقَ ’’كلينتون‘‘ و ’’يلتسين‘‘ على السَعيِ إِلى إِنجازِ معاهدة (ستارت 3) التي سيتقلَّصُ بمُوجِبها هذا العدد إلى ما بين أَلفينِ وألفين وخمسمائة. وتُضيف تلك الأدبيّاتُ أَن هذه الأعدادَ تقتصر على صِنفٍ واحدٍ من الرؤوس الحربية. إن المجموعَ الكُلِّيَّ للرؤوسِ الحربيةِ ذاتِ الحالةِ الجيدةِ (استراتيجية وغير استراتيجية وخزين احتياطي والتي في انتظار التفكيك) يتجاوز بكثير جداً هذه الأعداد ومع ذلك فإنها لا تعكس إلا تقليصاً يكاد يقترب من 30 في المائة منذ عام 1986.
قد تكون ثّمَّةَ تعقيداتٌ تقَنيَّة تُعرقل مسار التقليص، ولكن الالتزامَ بالحدِّ من القُوى النووية والتشَبُّثَ بهذا الالتزام يَعنِيان إِنقاذَ الحضارة البشرية من الدمار. إن تنفيذَ هذا الالتزام يقتضي بَذلَ الجهود الدبلوماسية من أجل كَبْحِ جِماح انتشارِ هذه الأسلحة والنظرِ، عند الاضطرار، إلى الأسلحة التقليدية بوصفها بديلاً. ومن مظاهر الجُهد الدبلوماسيِّ في هذا المجال مشاركةُ جميعِ الدولِ في صناعة قرار تَوازُنِ القُوى، وتقع ضِمنَ الإطارِ ذاتِه الرؤيةُ المُنصِفَة إلى موضوع توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط. إن استمرارَ العملِ على تَرجيحِ قُوَّة إسرائيل العسكرية لن يخدمَ توطيدَ السلام على بِقاع المعمورة.
تُرى هل يكون الخطرُ الأكبرُ الذي يهدد كوكبَنا الساطعَ وكلَّ ما أنجزه الإنسان من حضاراتٍ قادماً من بوابة الشرق الأوسط؟ إذا كان الأمرُ كذلك فإن تَدارُكَ الخطأِ البِنيويِّ في مُوازنةِ القوى ينبغي أن يكونَ موطنَ مراجعةِ القوى الكبرى من أجل تصحيحه.
إن كوكبَنا جميل، والحياةُ فيه أجملُ ما تكون تحت رايات السلامِ التي يزدهر بين ظلالها الوارفِة أَروعُ ما يمكن للإنسان أن يُحقِّقَه من إنجازٍ حضاريٍّ. لقد تَقدَّمَ الراحل ’’خروشوف‘‘ في عام 1959، وفي قاعة الأمم المتحدة، باقتراحِ نزعِ سلاحٍ كلِّيٍّ فوصفته ’’التايم‘‘ Time الأمريكية في حينه بأنه اقتراحٌ مُهينٌ وغيرُ معقولٍ وغيرُ عمليٍّ، وبأنه يتضمَّنُ اعتبارَ العالَمِ أبله! تُرَى أما زالت المجلة الأمريكية عند رأيها وهي تسمع ناقوسَ الخطرِ يدقُّ أجراسَه؟ رَحِمَ الله شيخَنا المعرّي فقد كان يقول:
وما العُلماءُ والجُهَّالُ إلّا
قريبٌ حين تَنظُرُ من قَريبِ!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

645 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع