الحالم الثاني روبرت أوين

                                       

                        خالد القشطيني

الحالم الثاني روبرت أوين

الحالم الثاني من هذه المجموعة من المصلحين الاجتماعيين الخياليين كان روبرت أوين الذي تحدر من منطقة ويلز في غرب بريطانيا (1771 - 1858). استطاع أولاً استخدام الماكينة البخارية في تشغيل محلج القطن الذي امتلكه، وذلك بعد اشتغاله فيه عاملاً أولاً ثم مدير عمل. ارتقى من منصب لآخر حتى تملك المشروع. أعطاه ذلك فرصة الاتصال والاختلاط بشتى الرجال والنساء من سائر الطبقات.

لاحظ الشقاء الذي عاشته الطبقة العاملة ففكر في إصلاح أحوالها. نشر أولاً رسالته «نظرة جديدة على المجتمع». رأى أن الإنسان ابن محيطه فيصبح شريراً إذا نشأ في محيط تعيس. إذا كنا حريصين على خلق مجتمع آمن وسعيد، فيجب أن نخلق ظروفاً مناسبة لذلك، بعيداً عن روح الجشع والتطاحن الرأسمالي. وسعى روبرت أوين لخلق هذه الظروف.

كان بوضوح شخصاً عملياً مختلفاً تماماً عن المثالي الخيالي الذي كتبت عنه في مقالتي السابقة، الفرنسي فوريير. ومما جمعه من مال، اشترى محلجاً للقطن في اسكوتلندا وبادر بتشغيله بروح تعاونية إنسانية وظروف نظيفة. نجح في ذلك بحيث أصبح المعمل مزاراً يتفرج عليه الناس. أقام روضة ومدرسة للأطفال سماها «معهد تحسين الأخلاق». وبنى دوراً للعمال أكد فيها على نظافتها وراح يهيب بالعمال بتحاشي السكر واللامسؤولية. شجع العاملين على تحسين إنتاجيتهم فوضع لوحاً بجانب كل عامل مصبوغاً بأربعة ألوان؛ الأسود للسيئ والأحمر للمتوسط والأصفر للهين والأبيض للجيد جداً. كان رئيس العمال يمر عليهم واحداً فواحداً ويحرك هذه الألواح حسب المقتضى.

حلم بأن يسعى الآخرون إلى محاكاة هذا المشروع ويمتلئ العالم بمثله. بيد أن ذلك لم يحدث. ولكننا نرى هنا وهناك أمثلة مقاربة في معظم الدول، من ذلك إلى حد ما مخازن جون لويس في بريطانيا. أصبح روبرت أوين موضة الموسم بين كثير من المثاليين. وكان من ذلك أن بعض الأميركان استحسنوا مشروعه وتحمسوا له.

فدعوا روبرت أوين إلى إنديانا في أواسط الولايات المتحدة، حيث أقام مؤسسات ومزارع على هذا النحو ما زالت بقاياها ماثلة للعيان. كانت لها مزارعها ومخازنها ومساكنها ومعاهدها ومدارسها. سعى كثير من الفنانين والأدباء والمهندسين من أوروبا وعموم أميركا إلى الالتحاق بها ومشاركتها والعمل فيها. بيد أن بعض الطفيليين سرعان ما تسربوا إليها بما عرقل العمل وشجعوا على الانتهازية والفوضى بما أدى في الأخير إلى انهيار المشروع وتشتته. ورغم ذلك فإن كثيراً من الجمعيات والحركات التعاونية في العالم قد اهتدت بمبادراته واهتدت بتعاليمه وسعت لمحاكاتها حتى اليوم.

ويظهر أن السلبيات التي تمخضت عنها مشاريعه في إنديانا قد نالت من صحة روبرت أوين ونفسيته، فتحول إلى الاتجاهات الروحية بل والسحرية، وكان منها تفكيره في استدعاء الأرواح، فشغل نفسه باستدعاء روح شكسبير وغيره من كبار المفكرين ليسألهم ويهتدي بتوجيهاتهم. ولكن الحركة التعاونية التي دعا إليها أصبحت الآن وفي كل آن برنامجاً تهتدي به شتى الدول وتتبنى خطوطه العامة. وفي بريطانيا اليوم دورات دراسية وشهادات جامعية للمهتمين بها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

953 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع