هكذا أرادوا تجهيل الأمة وحرفها عن نهج الله

                                            

                            صالح الطائي

          

      هكذا أرادوا تجهيل الأمة وحرفها عن نهج الله

كان كتاب الله سبحانه وتعالى صريحا في إعلان فضل العلماء على غيرهم من الناس، منه قوله الله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}. وتأكيدا لهذا الفضل الكبير، قرن الباري؛ في آيات أخرى منزلة العلم بمنزلة الإيمان، كما في قوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} ومن هنا جاء الإعلان النبوي: "العلماء ورثة الأنبياء".
وقد اهتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه الوراثة كثيرا، فأكد على علو مكانة العلماء وأهمية ما يسعون إليه، والأحاديث في ذلك لا تحصى منها:
أخرج ابن ماجه عن ابن عباس، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد".
واخرج الترمذي عن أبي أمامة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه ذُكِرَ له رجلان، أحدهما عابد والآخر عالم، فقال: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم".
وأخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين: "فضل العلم أحب إلى الله من فضل العبادة، وخير دينكم الورع"
وفي الأثر، عنه (صلى الله عليه وآله)، قال: "فضل العالم على العابد سبعون درجة، ما بين كل درجة ودرجة مسيرة خضر جواد مائة عام"
ومن هنا أدرك العلماء الأوائل منزلة العلم، وعظيم دوره في بناء الأمة وتقدمها وتطورها وسموها، فأفاضوا في الحديث عن هذه الأهمية، ومنه:
عن أبي ذر، قال: "الباب يتعلمه الرجل أحب إلينا من ألف ركعة تطوعاً".
وعن ابن عباس، قال:" تذاكر العلم بعض ليلة أحب إليَّ من إحياءها".
وعن أبي الدرداء، قال:"مذاكرة العلم ساعة خير من قيام ليلة".
وقال الإمام الشافعي:"طلب العلم أفضل من صلاة النافلة".
وقال الإمام أحمد بن حنبل:" العلم لا يعدله شيء".
لكن مع كل هذه الآيات والأحاديث والأقوال تجد مشكلتنا تكمن في أن المسلمين لم يفهموا هذه المعادلة على حقيقتها، لم يفهموا أبعادها الحقيقية، غايتها، مقصدها، هدفها، واكتفوا بفهمها على أنها دعوة إلى التبحر والاهتمام بعلوم الدين فقط دون سواها من العلوم الأخرى، وهذا ما يتضح من بعض، بل من كثير من أقوالهم، إذ تجد لهم في ذلك المنهج الغريب الكثير من الأحاديث. والمشكلة الأكبر أنهم قالوا هذا واعتقدوا به، وذهبوا إليه؛ مع أن أغلب تلك الأحاديث لم تقرن العلم والعبادة وإنما قارنت بينهما، فقدمت العلم على العبادة، إذ لو أنها قرنت بينهما لكان العلم مساويا للعبادة أو دونا عنها، وحينها سيصبح فرعا من فروع العبادة وتابعا لها.
إن من يتابع أقوالهم التي تداولوها ولا زالوا للأسف يتداولوا بها، سيجد دعوات صريحة إلى نبذ العلم وتركه وتجنبه والابتعاد عنه، لا بالاعتماد على ما جاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة من آيات وأحاديث، وإنما اعتمادا على أضغاث أحلام!
ومن تلك الأقوال التي روجوا لها ما أورده الخطيب البغدادي في كتاب "اقتضاء العلم والعمل" الصفحة 93، الحديثين: 154و 155 عن نصر بن علي. روى نصر بن علي الرواية الأولى بالواسطة وكأنه لم يسمعها بنفسه، وروى الثانية بدون واسطة باعتبار أنه سمعها مباشرة!
جاء القول الأول عن نصر بن علي، عن محمد بن خالد، قال: حدثني علي بن نصر؛ يعني أبا نصر، قال: "رأيت الخليل بن أحمد الفراهيدي في النوم، فقلت في منامي: لا أرى أحدا أعقل من الخليل، فقلت: ما صنع الله بك؟ قال: أرأيت ما كنا فيه؟ فإنه لم يكن شيء أفضل من (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر). بمعنى أن هذا القول أفضل من العلوم كلها!
وجاء الثاني وهو أكثر صراحة وتفصيلا من الأول، عن نصر بن علي عن والده علي بن نصر دون واسطة: سمعت أبي يقول: "رأيت الخليل بن أحمد في المنام، فقلت له: ما فعل بك ربك؟
قال: غفر لي.
قلت: بم نجوت؟
قال: "بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
قلت: كيف وجدت علمك، أعني العروض والأدب والشعر؟
قال: وجدته هباء منثورا".

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1207 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع