لموصل بعد التحرير - الحلقة (١٥): مأساة النزوح.. ووحدة المصير :

                                                   

                الأستاذ الدكتور سمير بشير حديد

الموصل بعد التحرير - الحلقة (١٥): مأساة النزوح.. ووحدة المصير :

المأساة التي شهدتها الموصل أثناء معركة تحريرها من قبضة داعش في أواخر العام المنصرم وبداية العام الحالي، بنزوح أهلها من داخلها إلى قرى جنوب الموصل، حيث مخيمات إيواء النازحين في حمام العليل وفي ناحية القيارة في الجدعة، مأساة كارثية لم يشهد لها التاريخ مثيلا في قسوتها على الناس نفسياً وانسانيا وماديا فالنزوح كان جماعيا.. والحركة في اغلب الاحوال راجلة.. حيث لا مجال لدى الناس لأخذ اي شيء من بيته غير النجاة بنفسه واهل بيته عندما تسنح له فرصة النزوح من الميدان حيث ازيز الرصاص. ولصعوبة الحركة وعدم توفر وسائل النقل، فإن المأساة اخذت أشكالا وابعادا مؤلمة ومعقدة. فقد كان حجم التضحية فوق الطاقة، عمق الجرح كان بليغا. فالنازح لا يسعه الا ان يخرج بجلده واهله. فالمأساة مع الأطفال والشيوخ والمعاقين كانت بليغة وتثير شعورا بعمق الجرح وصعوبة تصديقها في عين المشاهد، حيث لا يكاد يصدق ما يجري امام ناظريه وكأن المشهد بصورته البشعة مشهد من مشاهد يوم القيامة.. حيث يفر المرء من اخيه وأمه وأبيه وفصيلته التي تؤويه.
وإذا كان الانسان في لحظة مواجهة الخطر الداهم لا يهتم إلا بإنقاذ نفسه، حيث تهتز أمامه  في تلك اللحظة قيم التضحية، الا ان الذي حصل هو عكس ذلك تماماً على كل مسار المأساة.
فعشائر جنوب الموصل فتحوا قلوبهم قبل بيوتهم لاستقبال إخوانهم النازحين من داخل  الموصل. فهناك من وضع الحواجز لمنع النازحين من تجاوز بيته إلى غيره مهما تذرع النازح، وهناك من ينشر عباءته أمامهم لإجبارهم على ان يحلوا عليه ضيوفا.
 ولقد ازدحمت بيوت قرى جنوب الموصل بالنازحين لأيام وليالي وهم يتقاسمون هموم المأساة ولقمة العيش وغبقه الماء واللحاف، حتى بات في الغرفة الواحدة عشرين إنسانا.
واللافت للنظر أن اهل قرى جنوب الموصل تناخوا ليس فقط في احتضان إخوانهم من النازحين من داخل الموصل، بل تباروا في نحر الذبائح واعداد الطعام والخبز سواء لمن هم في ضيافتهم او توفير الطعام والماء لمن هم في مخيم الجدعة ومخيم حمام العليل في همة عالية لا تلين وبلا فتور. فكانت قوافل الطعام والشراب في حملات المليون رغيف صورة فريدة لتلاحم اهل الموصل ريفا وحضرا في مواجهة أخطر مأساة إنسانية شهدتها الموصل على مر التاريخ. إنها مأساة أكدت وحدة أهل الموصل مركزا وأطرافا بشكل مصيري لا يسمح بعدها بإثارة اي شك وحدة مصير هذه المدينة العتيدة حاضرة العروبة والإسلام ورمز العراق الواحد.
يقول احد الكتاب المعروفين في مدينتنا المنكوبة الموصل: صدقني لا زلنا متعبين معنويا من هول  مأساة النزوح فلكل موصلي قصة... ونحتاج إلى اعادة تأهيل معنوي اذا جاز التعبير حتى نتماثل للشفاء النفسي ونعود للكتابة.
 هذا عن موقف اهلنا النشامى الغيارى أهل الجود والكرم أهالي الأقضية والنواحي في جنوب الموصل من النازحين. اما عن موقف الحكومة المركزية والحكومة المحلية فلم يكن مدروسا والمخيمات التي انشأوها غير كافية وينقصها الخدمات الانسانية والطبية، واتسم التحضير لهذه الأزمة قبل. بدء التحرير الى سوء التخطيط وافتقار المستلزمات الطبية والإسعافات الأولية. وعن موقف السادة النواب: فقد كان مخجلا وخير ما فيهم يطمح ان يلتقط صورة له جانب شاحنات المساعدات يمثل بانه يوزع مساعدات، في حين انها تعود الى مؤسسات خيرية او متبرعين يرفضون حتى ذكر أسمائهم.
 نسال الله العلي القدير ان تتحرر الموصل كاملا ويعم الامن والامان ، ويعود النازحين والمهاجرين الى ديارهم سالمين معافين.
الأستاذ الدكتور سمير بشير حديد
 20 مارس 2017

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

686 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع