الادمان على المسكرات الاثار الاجتماعية والصحية

                                              

                  بقلم : محي الدين محمد يونس

              

الادمان على المسكرات
الاثار الاجتماعية والصحية

نبذة تاريخية عن الانسان والمسكرات
علاقة الانسان بالمسكرات علاقة قديمة تعود الى وجود الانسان على وجه الارض , ويروى انها عرفت عن طريق الصدفة عندما لاحظ احدهم ان بعض الفواكه الناضجة الزائدة عن حاجته اذا ما تركت فترة من الزمن في جو دافئ انبعثت منها رائحة ليست بكريهة واذا ما تناول شيئا من عصيرها انتشى , وهكذا اخذ يكرر العملية ليحصل على مزيد من النشوة والسرور فانتشر امره بين العامة واخذوا يقلدونه حتى شاعت بين الناس وتعارفوا عليها.
ومع تقدم البشرية في كافة مجالات الحياة زاد تعرف الناس على المسكرات وتفننوا في تحضيرها وترويجها حتى سادت في المجتمعات القديمة , ففي الصين القديمة تتحدث الاساطير ان خمر الارز قدم الى الامبراطور (يو) فثار عليهم وصب الخمر على الارض وحذر من مغبة الاستمرار على شرب الخمر ومن ثم قام بنفي من اكتشف هذا الشراب ومنع الناس من تناوله.
والبابليون كانوا قد تعرفوا على المسكرات بعدة طرق منها استخراجها من الشعير ومن عصير شجرة النخيل حيث كان يتم الحصول عليها بشق اعلى جذع النخلة وجمع العصير المتساقط منها الذي يكون غير مسكر ولكنه يخمر لمدة يومين او ثلاثة ايام فيصبح مسكرا جدا.
اما (قمبيز) ملك الفرس والذي توفي عام 522 ق.م فكان يشرب الخمر بكميات كبيرة , والعرب في العصر الجاهلي وقبل مجيء الدين الاسلامي كانت عندهم للخمور مكانة كبيرة وشائعة لذلك تدرج التشريع الاسلامي الالهي في تحريمه وبشكل قطعي في النهاية مع اعتباره من الكبائر وتوقيع الحد على شاربها بأربعين جلدة – إلا ان هذا لا يعني خلو المجتمع الاسلامي من الخمر وشاربيه في مختلف الأماكن والأزمان فهذا أحد شعراء الجاهلية يقول في وصف الخمر:
 شربت الخمر حتى ضل عقلي      كذلك الخمر تفعل بالعقول
أما الشاعر العباسي أبو نواس فيقول:
فاسقني حتى تراني      احسب الديك حمارا

ومن شعراء العصر الحديث يقول بدر شاكر السياب :
انا مازلت وفي يدي قدحـي            يا ليل اين تفرق الشرب
انا مازلت اشربها واشربها           حتى ترنح افقك الرحـب

  

أما في المجتمع الكوردي فلم تتواتر الينا ما يستدل على ان الشعب الكوردي عبر تاريخه الطويل قبل انتشار الدين الاسلامي في كوردستان كان مولعا بالخمر وبقية الانواع الاخرى من المسكرات , رغم ان وطنهم كان مرتعا خصبا للفواكه التي هي مصدر صنع الخمور بأنواعها مثل العنب والرمان والتفاح ... إلخ , وعندما تقبل الشعب الكوردي الدعوة الإسلامية قبولاً حسناً نابعاً من ايمانه العميق بهذه المبادئ وتمسكه بها جعله أكثر نأياً عن تعاطي المسكرات.
في الوقت الحاضر ينتشر تعاطي الخمور بشكل واسع جداً ففي المجتمع الأمريكي على سبيل المثال تدل التقارير على أن هناك أكثر من ( 80 ) مليون نسمة يستخدمون الكحول وتبلغ جملة تكاليف هذا الشراب اكثر من (20 ) مليار دولار في العام الواحد .
وبسبب ان للكحول اغراء كبير وفتنة ظاهرة على الانسان بين جميع الشعوب وفي كل زمان ومكان وتعليل تناوله له مبررات شتى تتباين وتتعدد وفقاً لاختلاف المهنة والمنزلة الاجتماعية للأفراد.

أولا: موقف الأديان السماوية من تعاطي المسكرات: -
الشرائع السماوية حرمت تعاطي المسكرات , والشريعة الاسلامية وهي خاتمة الشرائع حرمت الخمر تحريماً قاطعاً إلا أن هذا التحريم جاء بشكل تدريجي , ففي الطور المكي الذي دام ثلاثة عشر سنة كان المسلمون يشربونه كالمشركين واستمروا على ذلك بعد الهجرة لعدة سنوات .
فلما أراد الله عز وجل أن يحرم الخمر مهد لذلك بقوله سبحانه وتعالى : (( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس اثمهما أكبر من نفعهما )) أي أن في تعاطيها ذنباً كبيراً للأضرار والمفاسد المادية والدينية المترتبة على شربها وان فيها منافع للناس وهذه المنافع المادية وهي الربح بالاتجار فيها ومع ذلك  فإن اثمها يرجح على منافعها ,هذا الترجيح لجانب التحريم وليس تحريماً قاطعاً , ثم نزل بعد ذلك التحريم اثناء الصلاة تدرجاً مع الناس الذين ألفوها وعدوها جزءا من حياتهم , قال تعالى (( يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون)) , وكان سبب نزول هذه الآية أن رجلاً صلى وهو سكران فقرأ (( قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون)) إلى أخر السورة بدون ذكر أداة النفي بالإضافة الى عدة وقائع أخرى , وكان ذلك تمهيداً للتحريم النهائي , حيث نزل النص بالتحريم في قوله تعالى:         (( يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)) وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة بهذا الصدد منها (( كل مسكر خمر وكل خمر حرام)) و (( ما أسكر كثيره فقليله حرام)) وهنا يتضح أن شرب الخمر قليلها وكثيرها حرام في الشريعة الاسلامية , غير أن مسألة التحريم اختلف فيها الفقهاء لأن المحرمات في القرآن تكون جازمة عندما ترد بلفظ التحريم صراحة كما في تحريم الدم ولحم الخنزير والميتة وزواج المحارم , ويتضمن الفعل المحرم عقوبة على مرتكبه كما في عقوبة الزاني والسارق والقاتل وآية الخمر لم تذكر لفظ التحريم كما لم تتضمن عقوبة لشاربه وإنما وردت بصيغة تحبيذ اجتناب الشرب , ولعل عدم التزام الكثير من المسلمين عملياً بالتحريم مرده هذا الاختلاف حول مدى التحريم وصنف المحرم وعقوبة المخالف.

    

ثانياً: التعريف بالمسكرات والإدمان عليها:-
أفضل تعريف علمي للمسكرات هو (( المشروبات الحاوية على المواد الكحولية المستحصلة بواسطة التخمير أو التقطير أو الصنع والتي تؤثر في الفرد تأثيراً ضاراً نفسياً أو جسمياً أو اجتماعياً )).
وعندما نبحث عن الاسباب الدافعة الى تعاطي المسكرات نجدها تبدو عديدة ومتنوعة ومعرفة هذه الاسباب لا تعني انها الدوافع والعلل الاصيلة وراء هذا السلوك ولكنها دلالات أو اسباب رمزية تعبر عن الموقف الدينامكي الكلي للصراع بين الفرد ودوافعه وحاجاته من ناحية وبين حواجز الاحباط في نفسه وفي البيئة التي يعيش فيها من ناحية اخرى والتي تحول بينه وبين الاشباع وإذا اردنا تصنيف الاسباب التي تؤدي بالإنسان الى تعاطي المسكرات والاستمرار فيها نجد انها لا تخرج عن الاسباب التالية:
1-  الرغبة في السرور والراحة
2- نسيان الهموم ومشاكل الحياة
3- تمشياً مع المزاج والعادة والصحبة
4- تحمل العمل ومشاقه
5- تحقيق اللذة الجنسية من حيث الاثارة والإطالة.
إن تناول الكحول في حد ذاته لا يثير مشكلة من الناحية الصحية والاجتماعية وهو ليس موضوع بحثنا هذا ما دام الفرد يتناوله بغير اسراف. إلا أن الكحول يصبح مشكلة حين يكون تناوله بإصرار متواصل وحين يطلب الفرد المزيد منه على حساب صحته وسلوكه وعلاقاته الاجتماعية , وهنا يفقد الشخص سيطرته على مقاومة الكحول وإغرائه , فلم يعد يهمه متى يتناوله وبذلك يصبح الفرد مدمناً او كحولياً.
ونستطيع ان نساير منظمة الصحة العالمية في تعريفها للإدمان بأنه (( حالة تسمم مزمن يحدث نتيجة لتكرر تناول مادة مسكرة او مخدرة بصورة خارجة عن الارادة حيث تصحبها رغبة متزايدة في الاستمرار على تناول تلك المادة)) وبتحليل هذا التعريف للإدمان نستخلص عدة مميزات للشخص المدمن:
1- الرغبة الجامحة الملحة او حاجة قهرية للاستمرار في تعاطي المسكرات والحصول عليها بأية طريقة
2- الميل الى زيادة الجرعة المتناولة من المسكر
3- الاعتماد النفسي ( السيكولوجي) والجسماني بوجه عام على اثار المسكر
4- التأثير الضار للادمان على الفرد والمجتمع
وقصيدة (ادمان) التالية تعطي وصفاً يصور حالة الانسان قبل الادمان وبعده:
كان مهيوب الجناب              علم وأخلاق وشباب
صاغ وقته للرياضة             والـكتـابـة والـكتـاب
ما ترك مرة صلاتـه             حاسب ليوم الحساب
قالوا إش رأيك تجرب           شـي ضـد الاكـتئـاب
شي يمنحك السعادة             يرفعك فوق السحاب
ليه خايف يا اخينا              اشرب اشرب لا تهاب
اول الجلسة تردد               وأخـر الليل استجـاب
وابتدأ المشوار حبه            شاف من حوله ضباب
قام يضحك قام يبكي           صـار فـاقد ... للصـواب
وابتدأ يسهر ويسهر           بين الهيروين والشراب
عاش مدمن مات مدمن        مـات مهـدور الجنـاب

             

ثالثاً: الادمان والآثار الاجتماعية:
المدمن ونتيجة لتدهور شخصيته وعدم قدرته على أداء وظائفه الاجتماعية يصبح عالة على عائلته وعلى المجتمع وقد يتحول من شخص منتج الى شخص مستهلك – والمدمن عادة يثير المشاكل العائلية وفي العمل قد يسبب احيانا مشاكل ربما تعرضه للفصل من عمله كذلك يضطر المدمن تحت ضغط الحالة التي يعاني منها الى الكذب او السرقة او حتى ارتكاب جرائم وحشية في سبيل الحصول على المادة التي اعتاد على تناولها وبشكل خارج عن حدود المألوف لأن هذه المسكرات تلغي اي تحكم للعقل وتطلق العنان للشيطان ليتحكم بتصرفات المدمن – والآثار الاجتماعية من جراء الادمان على المسكرات تظهر بوضوح في احدى الجوانب التالية:
1- الإدمان والحياة الأسرية:
تقول زوجة مدمن في رسالتها المنشورة في احدى المجلات المعنية بحل مشكلات الناس... ( لم أكن يوماً من قراء باب المشكلات في مجلتكم رغم اعجابي بها, ربما لأن همومي تغنيني عن قراءة مشكلات الناس.
أنا امرأة أبلغ من العمر 32 عاماً جامعية واعمل في التدريس تزوجت في الثامنة عشرة من عمري بابن الجيران وهو يكبرني بثلاث سنوات , كان معروفاً لدينا بالخصال الحميدة , ولكن للأسف , في شهر العسل عندما سافرنا , اكتشفت انه مدمن خمور وكل أنواع اللهو حتى انني قطعت شهر العسل وعدت الى منزل اهلي وطلبت منهم ان يطلقوني منه وحملتهم المسؤولية , لكنهم اصروا على ان اجري فحصاً لمعرفة ما اذا كنت حاملا , وللأسف تبين انني حامل فرفضوا فكرة الطلاق , وهكذا عدت الى منزل الزوجية مرغمة , ورزقت بعدها بطفلة.
وخلال السنوات الخمس الأولى من زواجنا حاولت تغييره وطلبت منه ان يستقيم من اجل ابنتنا , فكان يعدني في النهار , ثم يشرب أمامي في الليل , ثم طلبت منه عدم ادخال المشروب الى المنزل فأدخله حتى الى غرفة نومنا , لقد تعرضت لمآسي كثيرة بسبب إدمانه , فكان عندما يسكر يخونني مع الخادمة , حتى انني استغنيت عن الخدم , وكان يسافر الى الخارج ليمارس مجونه مع المنحرفات , وحتى صديقاتي امتنعن عن زيارتي بسبب انحراف زوجي ورفضت مراراً طلبه بالإنجاب مرة أخرى حتى لا تكبر مأساتي , وكم من مرة هددنا فيها بإخلاء المنزل لأنه لم يدفع ايجاره , إذ كان يستهلك دخله على المشروب والملذات.
أما ابنتي فقد اصبحت في عمر 13 عاماً وتسألني باستمرار عن حقيقة تصرفات والدها , لقد اخفيت عنها حتى لا أجرح شعورها الرقيق , فكيف ستتحمل وهي ترى صورة والدها الذي تعتبره أفضل أب تنهار أمامها , والمشكلة أنها ستعرف الحقيقة من مصادر أخرى وتكتشف أنني أكذب عليها فتنهار صورتي ايضاً أمامها.
أريد حلاً لمشكلتي , ساعدوني...
هذه الرسالة نموذج من حكايات المدمنين وما يخلفه الادمان من تأثيرات سلبية على الحياة الأسرية , فالشخص الكحولي يعاني من سوء توافق اجتماعي وعجز واضح في القدرة على التكييف الاجتماعي السليم , والإدمان هو الطريق للهروب من الواقع يقود الى الكسل والى التشرد والى انقطاع مواصلة العمل أو البطالة وتدفع بمن اصبح اسيراً لها الى ارتكاب حماقات وجرائم لا يتصورها عقله عندما يعود الى رشده.
فالمدمن وبلا استثناء يؤذي نفسه أولاً , ومن حوله ثانياً , بعضهم يعتدي بالضرب على زوجاتهم , وبعضهم ينتقمون من اطفالهم وكثيرون منهم يصرخون في منتصف الليالي ليفضحوا انفسهم وأهاليهم أمام الآخرين , والحوادث التي نسمعها عن المدمنين والتي لا تعد ولا تحصى تثير الغضب والاستياء حيناً والحزن أحياناً أخرى , فالزوج بإدمانه يفقد بصفة عامة السيطرة على نفسه , حتى في حالات لا تستدعي الغضب , وبالتالي ينغلق في جو من الانفعالية والقلق المستمر , ويفضل الهروب من أي مواجهة أو حوار , ويتحول ولأتفه الأسباب الى شخص عدواني غريب عن زوجته , ومن تأثيرات الكحول على الشخص اهمال متطلبات البيت والغياب المستمر والمتواصل وتأثيرات ذلك على سلوك الابناء حيث يصبحون سلبيين وأكثر ارتباطاً بالأم التي تمثل الحضور القوي والدائم بينما الأب شخص غائب , منعدم الشخصية , وغير مرغوب فيه , كما ودلت الإحصائيات على أن الإدمان هو أحد الأسباب الرئيسية لحالات الطلاق.
2- الادمان على المسكرات والمكانة الاجتماعية :
الشخص المدمن يفقد السيطرة على تصرفاته ويصبح ضعيف الشخصية وغير قادر على مواجهة المواقف الصعبة بشجاعة ووعي وجرأة.
فالإدمان على المسكرات يسبب مضاعفات نفسية تؤدي الى التدهور التدريجي لشخصية المدمن كما يؤثر على سلوكه الاجتماعي مما ينعكس على الروح المعنوية وعلى علاقته مع الآخرين.
فهذا مدمن .. يقول منذ 25 سنة وأنا اتناول المسكرات وبشكل مستمر متزوج ولي أولاد وبنات في مراحل دراسية متقدمة اعاني من مشاكل مع زوجتي والتي تم الانفصال عنها , فيما بعد حالياً اقيم في احد الفنادق تاركاً الدار لأولادي تلافياً للمشاكل , فأنا اشرب يومياً لذا قررت ان اترك الخمر لأنه سبب لي مشاكل كثيرة اضافة الى ذلك اخجل من أولادي الذين لا يرغبون برؤيتي , ومريض أخر حدثنا عن حالته والذي يعاني من تشمع بالكبد فهو الأخر يتناول الخمرة منذ 22 سنة اعزب ومشكلته أنه كلما تقدم الى فتاة يعترض اهلها كونه مدمناً.
ومدمن أخر يحتسي الخمر يومياً ويعود مخموراً , فيصرخ ويهلهل ويقوم بتصرفات عجيبة , والمشكلة أنه كان يفعل كل ذلك امام منزله في الحي واحتارت الأسرة كيف تتصرف في هذا العذاب اليومي , فما كان من ابنه الاكبر إلا أن احضر كاميرا فيديو وصوره عند عودته في المساء وما يقوم به من تصرفات مخجلة امام الجيران وساكني الحي , وفي الصباح وضعوا امامه التلفزيون وأداروا شريط الفيديو , شاهد المدمن نفسه لأول مرة وجهاً لوجه أدار الشريط مرة أخرى ليتأكد من أنه فعلاً هذا الرجل الذي تحول الى أضحوكة للناس وأقسم ؟أمام عائلته أن لا يعود للخمر مرة اخرى.
3- الادمان على المسكرات والجريمة:      
يربط البعض بين الكحولية والجريمة حين تكون من العوامل المساعدة غير المباشرة على ارتكابها لذلك يهتم على الإجرام في تحديد مدى علاقة الكحول بالسلوك الإجرامي للفرد المدمن , وقد اختلف العلماء في مجال تأثير الكحول وفيما اذا كان عاملاً أساسياً أو مساعداً في دفع الإنسان لارتكاب بعض الجرائم كالقتل , والاغتصاب الجنسي , والاعتداء , والتشرد.
وفي هذا الصدد يرى أحد اساتذة علم الإجرام أن تناول المسكرات والإدمان عليها لا يعدو غير سلوك اجتماعي يتعلمه الفرد من خلال تفاعله الاجتماعي بالآخرين , ومن خلال مواقف طبقته الاجتماعية أو مكانته في المجتمع الذي يعيش فيه وهذا معناه أن الكحول بحد ذاته لا يقود بالضرورة الى سلوك عدواني او اجرامي وبالتالي فإن تعاطي المسكرات هو سلوك اجتماعي , يتعلمه الفرد عن طريق التقليد لسلوك الآخرين.
وعندما يميل الفرد لحياة الصخب والمشاجرة والمشاكسة والعدوانية والسلوك الشاذ فإنه قد يتخذ من الكحول عذراً لارتكاب جريمة من الجرائم أو يعلم الفرد كيف يتخذ من الكحول مبرراً للسلوك الشاذ المنحرف , كما أن تأمين متطلبات الإدمان على المسكرات يستلزم نفقات وعندما يكون دخل المتعاطي غير كافي للإنفاق فإنه يلجأ الى سلوك غير شرعي والانزلاق في مهاوي الجريمة والقيام بأعمال النصب والاحتيال او خيانة الامانة او السرقة.
4- الادمان على المسكرات وتأثيره على الانتاج الاجتماعي:
تتلخص تأثيرات الادمان على المسكرات في مجال الانتاج الاجتماعي الفردي والجماعي على النواحي الاساسية التالية:
أ- تأثير تعاطي المسكرات على الفرد وانعكاسه على انتاجيته.
ب- تأثير تعاطي المسكرات على انتاجية المجتمع بصفة عامة
ج- انشغال عدد كبير من أفراد المجتمع من الذين لا يتعاطون الكحول في التفرغ لمعالجة مشاكل المدمنين.
د- الخسارة المادية الاقتصادية والمبالغ التي تنفق على المسكرات.
هـ - يمثل عبئاً اقتصادياً شديداً على ميزانية الأسرة.
و- إهمال الجوانب الأساسية المادية في الحياة الأسرية.

رابعاً: الإدمان على المسكرات والآثار الصحية:
يخطأ من يظن أن للخمر اي فائدة صحية بل العكس صحيح فللخمور اثرها الضار على أجهزة الجسم المختلفة كالجهاز العصبي والهضمي فهي تسبب العديد من الأمراض كالتهاب الأعصاب الطرفية الحسية والإصابة بتليف الكبد وفقدان البصر . ولا يقتصر تأثير الادمان على تناول الخمور على الناحية الصحية البدنية للإنسان بل يتعداه الى النواحي النفسية , ويأتي معرفة هذا التأثير من خلال الوقوف طبياً وعلمياً على التغيرات التي تحصل عند تناول الخمور فلقد ثبت علمياً سرعة امتصاص المعدة لها وخلال عشر دقائق فقط تذهب الى الكبد عن طريق الدورة الدموية والسائل يتحول الى حرارة وماء وثاني أوكسيد الكاربون . ويمثل الكحول العنصر الاساسي في كل أنواع الخمور, والكحول نوعان : الاثيلي والمثيلي ( السبرتو) وهو شديد الخطورة , فهو يؤثر تأثيراً شديداً على الأعصاب , ويؤدي الى شعور المدمن بآلام شديدة تصيب شبكية العين , وقد تؤدي الى فقدان البصر.
أما الاثيلي فله تأثير ضار على الكبد والجهاز العصبي والتناسلي , إلا أن الأنواع الأكثر خطورة هي الأنواع الرديئة التي تزداد فيها جرعة السبرتو والخمر المغشوشة , إن البعض يبرر تناول الخمور بأنها مفيدة للكلى , وهذه المقولة خاطئة لأن الخمور تسبب في ادرار البول وهذا يهلك وحدات الكلى على المدى البعيد , مما يؤدي الى حدوث بعض التليفات حول الكلى .
 أما المضاعفات النفسية التي ترافق الادمان فقد تؤدي الى زيادة الاصابة بمرض الكآبة والهلوسة ومن الممكن أن تصل الخمور بمتعاطيها الى الجنون او الانتحار حيث يصاب بمرض عقلي يشبه الفصام ويصبح المدمن سريع الاستجابة ومن السهل استثارته.

خامساً: الادمان على المسكرات ( الوقاية والعلاج):
الادمان على المسكرات خطر يهدد المجتمع في اعز ثرواتها وهم شبابها , ومن الطبيعي ان الخطوات الاولية للإدمان تبدأ من قبل الشباب والمراهقين على تناول المسكرات بعد الاختلاط بأصدقاء السوء فهي تبدأ عادة بالبيرة وتنتهي بالخمور الثقيلة إذا لم تنتقل إلى الإدمان على المخدرات.
لذلك فإن الوقاية هي مسؤولية الاسرة من خلال الاكتشاف المبكر , فالأسرة هي خط الدفاع الاول للحفاظ على شبابنا الذين يطلبون منا الاهتمام بهم وبمشاكلهم واحترامهم لأنهم اذا لم يجدوا من يسمعهم في البيت فإنهم سوف يبحثون عمن يسمعهم خارج البيت . وكل حالات الإدمان التي عولجت تأكد فيها أنه لا علاقة بين المدمنين وبين آبائهم وينعدم التفاعل والتفاهم بينهم ولهذا فالمطلوب من الآباء ان يعيشوا حياة ابنائهم وان يشاركوهم وذلك من خلال الاستماع اليهم وإرشادهم بشكل غير مباشر عن ادمان المواد المسكرة وأعراضها وطرق الوقاية منها , إلا أن التركيز على مسؤولية الاسرة في الوقاية من اخطار الادمان لا يعني اغفال مسؤولية المجتمع بكافة افراده وشرائحه بداية من الاسرة نفسها وانتهاء بالهيئات الشعبية والرسمية , وهنا لا بد من الاشارة الى بعض الخطوات وطرق الوقاية والعلاج من الادمان على المسكرات:
1-منع الاحداث والذين تقل اعمارهم عن 21 سنة من دخول الفنادق والبارات والأماكن المسموح فيها بتناول الخمور.
2-استغلال وسائل الاعلام المختلفة ( المرئية , المسموعة , المقروءة) في تنبيه المواطنين والشباب خصوصاً الى مخاطر الادمان على تناول المسكرات.
3-خلق وعي وقائي لدى الطلبة من المراهقين والشباب من خلال تناول مخاطر المسكرات على الانسان في المناهج الدراسية بغية تجنيبهم الانزلاق في مهاوي تعاطي المسكرات وبالتالي الادمان عليها.
4-تشديد العقوبات على المجرمين في حالة ارتكابهم للجريمة بسبب تأثير المسكرات لوقوع جرائم في حالات كثيرة يكون المسكر سبباً في دفع الشخص الى ارتكاب الجريمة.
5-اعادة تأهيل المصابين بالإدمان بأسلوب سليم وتوفير المؤسسات الصحية او النفسية او الاجتماعية القادرة على تقديم العلاج بإسلوب صحيح حتى يعود المدمن الى المجتمع كإنسان جديد لديه ارادة قوية وثقة في النفس وتشجيعه على هذا النهج الصحيح المقبل عليه.   
   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

846 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع