من حكايات جدتي ... الثامنة والثلاثين

                                                      

                             بدري نوئيل يوسف

                    

أربع رغبات

في هذا اليوم كانت جدتي مرتبكة ومستعجلة في تحضير بقجتها هي قطعة قماش مربعة الشكل منها المطرز والمبطن وتوضع بداخلها مستلزماتها من المناشف والصابون والكيس والمعدسي والحكاكي والطاسة والمقعد والقبقاب وراس گيل التي ستأخذها الى الحمام، وتنتظر "نقالة البقج" وهي المرأة التي تنقل من الدور السكنية الى الحمام البقج لقاء مبالغ مالية محددة، وكانت المناسبة مشاركتها نسوة المحلة في الاحتفال داخل الحمام بجارتنا أم البنات بعد سبعة ايام من ولادتها البنت الثامنة وتسمى المرأة عندئذ بـ (الامفيس)، والمناسبة يطلق عليها (حمام السبعة).

وداخل الحمام عادات وطقوس لابد من مراعاتها وكثيرا ما توزع المأكولات في الحمام ويشرب الجميع الشاي والدارسين ثم ترجع النسوة الى بيوتهم بعد صلاة العصر.
في المساء تجمعنا حول جدتي بعدما حدثتنا عن الحمام وطقوسها بدأت تحكي حكايتها اليومية.
كان يا ما كان وعلى التكلان، عاش في قديم الزمان فلاح عجوز وكان عنده أربعة ابناء، ذات مرة استدعى ابناءه وقال لهم:سمعت أن في الكون عجائب كثيرة، اذهبوا واعرفوا هل صحيح ما يقوله الناس وارجعوا الى البيت بعد ثلاث سنوات، ودع الإخوة الأربعة والدهم باحترام وتفرقوا في جهات مختلفة الاول الى الشمال، الثاني الى الجنوب ، الثالث الى الشرق، أما الرابع فذهب الى الغرب، عند انقضاء المدة المحددة رجع الأبناء واحداً بعد الاخر الى البيت، وراح والدهم يسألهم عما رأوه وتعلموه قال الولد الاول: في الشمال يوجد أناس مدهشون يرون ما هو مخفي عن عين الإنسان، يستطيعون الحصول على كل شي يريدونه، عشت ثلاث سنوات بين هؤلاء الناس وتعلمت كل شيء يعرفونه.
اقترب الولد الثاني من والده وقال:في الجنوب يعيش بشر مدهشون على بعد بضعة كيلومترات يستطيعون تمييز حبة الرمل. وأنا الان ايضا استطيع ان ارى كل ما اريده.
 ضحك الابن الثالث ضحكة ساخرة انحنى امام ابيه وحياه قائلا: في الشرق علموني فن الرماية بدون خطأ، اما العجائب فلم أر منها شيئاً، وأنا ايضا لم ار عجائب، قال الابن الاصغر: في الغرب علموني خياطة كل شيء بشكل ماهر بحيث لا تستطيع عين الانسان ان ترى غرزات الخياطة وبهذه المعرفة رجعت الى البيت.
أصغى الأب لأبنائه وقرر أن يجري اختباراً لهم .
على مسافة مائة من هنا تنتصب صخرة نبتت عليها شجرة، ماذا يختبئ بين أغصان هذه الشجرة  نظر الابن الثاني في البعد وقال :هناك بين الأغصان عش رمادي اللون وفي العش ثلاث بيضات، قال الاب للابن الاكبر: أحضر لي تلك البيضات. مد الابن الاكبر يده وفي لحظة صارت البيضات الثلاث في يده .
ابتسم الاب ونظر الى ابنه الثالث: الان دورك يا ولدي . خذ سلاحك وصوب باتجاه البيضات بحيث تقسم كل واحدة الى نصفين متساويين تناول الاخ الثالث القوس ، وصوب وبسهم واحد اخترق البيضات الثلاث فانقسمت كل واحدة الى قسمين متساويين، اما الابن الاصغر فكان يقف جاهزاً حاملاً الابرة والخيط كي يخيط البيضات بلحظة خاط الاخ الاصغر القشرة،  اخذ الاب البيضات وقلبها بين يديه فلم يرى اي اثر للخياطة فابتسم وقال:حسناً عرفتم وتعلمتم الكثير الان لا اخاف من الموت لن تضيعوا في هذه الحياة.
انحنى الابناء لوالدهم ،وخرجوا من البيت ليشاهدوا الناس وأثناء تجوالهم في القرية شاهدوا أعلاناً كبيراً ملصقاً على حائط مكتوب عليه : (فقد الملك كنوزاً لا تعد ولا تحصى هي عزة الوطن من يجد هذه الكنوز له ما يطلب ويتمنى كل رغبة له سيحققها الملك العظيم ).
قرأ الأخوان الاعلان ثم عادوا الى البيت وقصوا على والدهم كل شيء اصغى لهم حتى النهاية وقال: ابحثوا عن الكنز يا أبنائي واحضروها فهي ليست للملك بل لبلادنا ولشعبنا، صار الاخ الثاني ينظر في كل الاتجاهات نظر الى الشمال والغرب اما في الجنوب وفي جزيرة تبعد حوالي بضعة كيلومترات، رأى كنوزاً لا تعد ولا تحصى مخبأة في صخرة عالية يحرسها تنين هائل قال العجوز لابنه الاكبر :يا بني احضر هذه الكنوز ، هز الابن رأسه وقال :لا استطيع لوحدي ان ارفع هذه الكنوز انها ثقيلة جداً يظهر ان علينا جميعاً ان نبحر من اجلها صنع الاخوة قارباً كبيراً وانطلقوا الى الجزيرة النائية، وأثناء ذلك كان الاخ الثاني ينظر ويراقب التنين وتصرفاته وعندما وصلوا الى الجزيرة قال لإخوته: لا تسرعوا في تخليص الكنوز لان التنين يبقى اياما كاملة يحرس الثروة، لا يشرب ولا يأكل إلا مرة واحدة كل عشر ايام، يغيب قليلاً ليسبح في البحر ويأكل ،غداً موعده وعندها ننطلق لنستعيد الكنوز.
في اليوم الثاني نزل التنين العملاق الى البحر اما الاخوة فتسللوا الى الصخرة واخرجوا الكنوز الضخمة وحملوها على القارب وبدؤوا طريق العودة وعندما رجع التنين الى الصخرة اكتشف ضياع الكنوز نظر نحو البحر فلاحظ في المدى قارباً فأطلق صوتاً رهيباً وهب للحاق بهم.
رأى الاخوة التنين يلحق بهم فقالوا: لأخيهم الثالث انقذنا، تناول الاخ الثالث القوس شد الوتر وأطلق السهم مباشرة في قلب التنين، زأر التنين المخيف ضرب بذنبه الضخم، وغاص في قاع البحر وفي تلك الدقيقة أرعدت السماء فجأة وهبت في البحر أمواج عاتية، وضربت موجة كبيرة القارب فكسرت لوحاً خشبياً، وبدأ القارب يغوص أما الاخ الاصغر فصاح لا تخافوا يا إخوتي، ساعدوني في اصلاح قاربنا أمسك احدهم باللوح الخشبي وادخل الاخر الخيط في الابرة وأصلح الاخ الاصغر القارب بمهارة فائقة لدرجة ان لا احداً يصدق ان الخشبة كانت مكسورة .
 وصل الاخوة الى الوطن سلموا الكنوز الى الملك فقال لهم:لأنكم انقذتم الكنوز التى لا تعد ولا تحصى سأحقق لكم الرغبات التي تطلبونها تقدم الاخ الاكبر من الملك وقال:ليست لي من رغبة سوى ان تعطي الارض الفلاحين انحنى الاخ الثاني بعده وقال :ليست لي من رغبة سوى ان تقدم لكل فلاح ثوباً جديداً.
خرج الى الامام الاخ الثالث وطلب من الملك اطلاق حرية الفلاحين المسجونين بسبب الديون أما الرابع فطلب من الملك تعيين قضاة عادلين، ولم يكن امام الملك إلا ان يحقق رغبات الاخوة الشجعان فرح الفلاحون وصاروا يشكرون الفتيان، أما هم فكانوا يجيبون:يجب إلا تشكروننا نحن بل اشكروا والدنا الذي علمنا والى الاعمال الصالحة ارشدنا.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

614 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع