من حكايات جدتي .. السابعة والثلاثين

                                                       

                              بدري نوئيل يوسف

                                 

         اربع حكايات لبهاء الدين قراقوش

كانت جدتي مشغولة بتحضير طعام الغداء، سمعت صوت جراخ السكاكين ينادي بصوته العالي (چراخ سكاكين چراخ)، يعلن قدومه للزقاق، حملت معها سكاكين وساطور المطبخ وخرجت مسرعة تنادي عليه، وطلبت منه أن يحدها أي يجعلها قاطعة.چراخ السكاكين رجل يحمل على ظهره دولابا من الخشب، ركب عليه قرص من حجر المسن وهو مصنوع من مادة تسمى الكوربراندم، يدور بواسطة قايش من الجلد خلال حركة الدولاب الكبير الخشبي، عندما يضغط الچراخ على خشبة صغيرة بأحدى قدميه يضع السكين على القرص الحجري من الجهة القاطعة فيتطاير الشرر نتيجة احتكاك السكين بالقرص الحجري الدوار وبذلك تصبح السكين بتارة. ودفعت له عشرون فلسا.
في المساء اجتمعنا حولها حدثتنا جدتي عن طرائف الأمير بهاء الدين قراقوش (وهو أحد قواد صلاح الدين الأيوبي، نال ثقته فولاه حكم مصر، فأنشأ فيها القلعة وهو الذي أنشأ سور القاهرة).
تقول الحكاية الاولى: في احد الايام جاء فلاح إلى قراقوش يشكو لصا سرق من داره دجاجة، وقدَّم شاهدا، وعند استجواب اللص واعترافه، أعلن قراقوش الحكم التالي: يغرم اللص دينارا، وصاحب الدجاجة يغرم دينارا، والشاهد يغرم دينار أيضا، وعندما سُئل عن حيثيات هذا الحكم البهلواني قال:حكمت على اللص لأنه معتد على مال غيره، وعلى صاحب الدجاجة لأنه قصَّرَ في حفظها، ولما سئل ما ذنب الشاهد يا مولانا؟!
أجاب قراقوش: لأنه تدخَّلَ فيما لا يعنيه.
أما الحكاية الثانية تقول :في ليلة مظلمة خرج حرامي من بيته ليسرق من عباد الله النائمين، فقفز لشباك بيت التاجر فانكسر الشباك وسقط الحرامي، وانكسرت رجله فغضب الحرامي من التاجر، وذهب برجله المكسورة لعند قراقوش يبكي ويشتكي فسأله قراقوش: ماذا بك ؟ من كسر لك رجلك ؟
فأصبح الحرامي يبكي ويحكي القصة قائلا: انا قفزت لبيت التاجر لأسرقه ولكن الشبك انكسر ووقعت وانكسرت رجلي، وأريد أن تأخذ حقي من التاجر، ففكر قراقوش وقال للحرامي:لا تخاف يا ابني حقك راح تأخذه بعون الله، نادى قراقوش على مساعده وأمره بأخذ الرجال والذهاب لإحضار التاجر .
أتى التاجر وهو واثق من نفسه أنه لم يفعل شيئاً يغضب قراقوش، فأراه رجل الحرامي وعاتبه أنه السبب في كسرها، لأنه قفز لشباك البيت وانكسر الشباك، ووقع فانكسرت رجله وحكم قراقوش بالإعدام على التاجر .
استغرب التاجر على هذه القصة والحكم بالإعدام فكر بهدوء قائلا: لست انا السبب يا قراقوش بل النجار الذي صنع الشباك ولم يركبه جيداً .
فكر قراقوش وقال: معك حق وأمر رجاله أن يأتوا له بالنجار حالاً، أتى النجار وهو يتظلم ويحلف بأنه لم يعمل شيء
فأخرسه قراقوش وهدده بأنه سيعدمه حالاً، لأنه لو كان أجاد عمل الشباك لم سقط الحرامي المسكين وانكسرت رجله، فدافع النجار عن نفسه بأنه ليس له ذنب بل الذنب ذنب بنت تلبس فستاناً أحمر، مرت أمامه وهو يُرَكبْ الشباك فلم يضبطه جيداً، وترجى قراقوش بقوله ان السبب البنت ذات الفستان الأحمر .
فكر قراقوش ثم أمر رجاله بإحضار البنت ذات الفستان الأحمر، فأحضروها له ودافعت عن نفسها بعد تهديد قراقوش لها بالإعدام، وقالت: ان السبب هو الصباغ الذي صبغ الفستان باللون الأحمر، فأمر قراقوش رجاله بإحضار الصباغ، الذي لم يعرف كيف يدافع عن نفسه حين قص عليه قراقوش القصة، وواجهه بالتهمة فسلم الصباغ أمره لله ولم يعرف ما يقول فحكم عليه قراقوش بالإعدام .
ولكن الصباغ كان طويلاً ولم يستطيعوا إعدامه، حيث أنه أطول من اعمدة الإعدام وليس عندهم اعمدة بطوله لتناسب إعدامه فأخبروا قراقوش، فأمرهم بإحضار أي صباغ قصير، فكلهم سواسية بالصبغ وتنفيذ الإعدام به بدلاً من الصباغ الطويل فأتوا بصباغ قصير وأعدموه وهكذا طبقوا عدالة قراقوش.
أما الحكاية الثالثة : أنه كان بمصر تاجر غني بخيل، و كان له ولد يقترض بأسمه، و استمر الاقتراض حتى زاد عليه الدين ولم يمت أبوه، فاتفق مع الدائنين على أن يدفن والده بالحياة لكي يستطيع من الورث تعويض ديونهم، و انقضوا عليه بالفعل ذات يوم فغسلوه و كفنوه ووضعوه في النعش و هو يصيح و لا يُغاث، فلما وصلوا إلى المسجد للصلاة عليه، صادف أن قراقوش كان مارا فنزل وصلى عليه مع المصلين و سمع الميت المزعوم ذلك، فصاح مستغيثا وهو يقول: يا مولاي أنقذني من ولدي فهو يريد دفني وأنا حي. فقال قراقوش للولد: كيف تفعل ذلك بوالدك؟ فقال: هو كاذب يا مولاي، فإني لم أغسله و لم أحمله في التابوت إلا و هو ميت، و هؤلاء الحاضرون يشهدون بذلك، فقال قراقوش للحاصرين، أتشهدون بصحة ما قال؟ فقالوا: بلى نشهد. فالتفت قراقوش للميت و قال: كيف أصدقك وحدك وأكذب هؤلاء الحاضرين؟ روح اندفن لئلا تطمع فينا الموتى، و لا يبقى أحد يدفن بعد هذا اليوم. فحُمل الرجل و دفن وهو حي.
أما الحكاية الرابعة :قيل إن امرأة أتت بولدها إلى قراقوش فقالت: يا سيدي بهاء الدين إن ولدي يشتمني.‏ فأمر بحبسه سنة فلم تذق أمه تلك الليلة طعم النوم، فلما أصبحت راحت إلى السجانين وقالت: ما الحيلة في خلاص ولدي من هذا الحبس؟‏ فقالوا لها: اعطيني حلاوتنا ونعرفك ماذا تفعلين وتقولين للأمير بهاء الدين قراقوش.‏
فدفعت اليهم النقود وقالوا لها: اذهبي الان إلى الأمير وقولي له: يا سيدي أنا امرأة حبست لي ولدي سنة كاملة وقد انقضت السنة، فأخرج لي ولدي من الحبس.‏فأتت المرأة إلى الأمير قراقوش وقالت له ذلك، فقال لها: اذهبي الآن فلا جدال في أنه قد بقي له من السنة سبعة أيام سوى أمس وغد.‏ فمضت المرأة وأعلمت السجانين فقالوا لها: هذه نعمة.‏
فإذا كان الغد اذهبي إليه وقولي له: قد انقضت سبعة أيام.‏ فأصبحت المرأة وجاءت إلى قراقوش فلما نظر إليها قال: يا امرأة حتى تغرب الشمس! ثم نادى خادمه قائلا :يا غلام: إذا غربت الشمس فأطلق لها ولدها من الحبس، ثم قال للمرأة ولا ترجعن أو تجيبيه ، سوف يحبسونه سنتين.‏

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

822 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع