كلمة (عَرَبْ) سريانية معناها الغرب

                                                                 

                                      موفق نيسكو

           

             كلمة (عَرَبْ) سريانية معناها الغرب

بدايةً يجب القول إن اللغتين العربية والسريانية هما اقرب اللغات السامية لبعضهما، فهما ليستا شقيقتين فحسب، بل أختين تؤمين، وكتب كثير من الآباء السريان باللغتين السريانية والعربية، والعربية أنقى اللغات السامية لأنها عاشت معزولة في الصحراء ولم تدخلها مفردات كثيرة من اللغات الأخرى كاليونانية والفارسية وغيرها باستثناء السريانية، فقد اقترضت اللغتان من بعضهما، إلاَّ أن اقتراض العربية من السريانية كثير جداً، حوالي ألفي لفظة، وهناك حوالي ألف أخرى سيتم نشرها مستقبلاً من قبل الأديب واللغوي بالسريانية والعربية جوزيف اسمر ملكي كما أخبرني.

لم تكن كلمة عرب قبل الإسلام ذات مدلول لعرق أو جنس  أو أثنية ينحدر من شخص معين وساكنة في منطقة جغرافية محدودة، فالمؤرخون والجغرافيون المتأخرون لاحظوا أن مناطق العرب القديمة لم تكن تُسمِّي نفسها عربية بل كانت لها أسماء جغرافية مختلفة، والعرب قَسَّموا بلادهم إلى خمسة أقسام لا تحمل اسم العرب هي تهامة، الحجاز، نجد، العروض، واليمن، وأضاف إليها ابن حوقل وغيره بادية الشام والعراق، كما لاحظوا أن القبائل العربية لم تكن تُسمِّي نفسها عربية بل كانت أسمائها مرتبطة بمدنهم وقبائلهم فقط مثل بني طي، خزاعة، قريش، حميَّر، الكنديين، التغلبيين، اللخميين.. الخ، وحتى بعد الإسلام فالدول لم تحمل اسم العرب مثل الدولة الأموية والعباسية والفاطمية وغيرها، أمّا الغربيون عموماً فقسَّموا الجزيرة العربية إلى ثلاثة أقسام هي العربية السعيدة أو الخضراء وتشمل جنوب الحجاز واليمن، والعربية الصخرية وتشمل بلاد الأنباط وسيناء، والعربية الصحراوية وتضم بادية الشام والعراق، وهذا هو تقسيم اليونان وليس العرب، لذلك اضطر المؤرخون والجغرافيون المتأخرون أن يُسمَّوها تجوَّزاً اسماً مركباً هو جزيرة العرب،مضيفين إليها كل العربية الصحراوية وجزء كبير من العربية الصخرية.

إن كلمة عَرَبْ هي كلمة سريانية (آرامية) (عرب، عربا، عرب، عربا) معناها الغرب، وهي كلمة وصفيَّة جغرافية أطلقها سكان ما بين النهرين القدماء من الآراميين والبابليين والآشوريين على الأقوام البدوية والرحَّالة الساكنة غرب نهر الفرات لتعني (الغربيين)، وبما أن منطقة غرب الفرات هي بادية صحراوية، وعربا (عربا) ، في اللغة السريانية معناها صحراء، بيداء. (راجع كلمة عرب، عربا عرب  واشتقاقاتها بالسرياني، المطران أوجين منا الكلداني، قاموس دليل الراغبين في لغة الآراميين سرياني–عربي ص565–566. وقاموس الحسن بن بهلول، سرياني عربي عمود 1458. وكلمة غرب وصحراء وبيداء، بنيامين حداد، قاموس روض الكلمـ عربي–سرياني ج1 ص 604،104،  ج2 ص704)، ثم أضاف العرب إلى الأبجدية العربية (وهي نفس  الأبجدية السريانية) (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت) ستة حروف سَمَّوها الروادف وهي (ثخذ ضظغ)، وهذه الحروف الستة كانت تستعمل في النطق في السريانية أيضا ولكنها ليست أصلية، ومنها حرف الغين وهو حرف ليّن (روكخا روكخا) غير أصيل في الأبجدية السريانية، فاستعمل العرب حرف الغين بدل العين في كلمة عرب للدلالة على الغرب، وبقيت كلمة عرب مستقلة بذاتها، وفي اللغة العبرية القديمة استُعملت كلمة عرب (עֲרָבָה) لتدل على سكان منطقة العَرَبَة الصحراوية شمال الحجاز. (أ. ولفنسون، تاريخ اللغات السامية ص164)، فمعنى لفضة عرب هي غرب، وهو تخريج على النسبة خَبَّطَ فيه علماء اللغة لأن اللغات السامية القديمة ليس فيها حرف عين. (مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب ج3ص53)، وكانت كلمة عربي تعني بدوي في كل اللغات السامية، ومنها لغات سكان بين النهرين القدماء الذين أطلقوا لفظة ماتو أرابي (arabi–matu)، ومعناها أرض الغرب، أي البدو الساكنين غرب نهر الفرات، ولا تدل لفظة عرب على قومية صاحبها. (د.  فيليب حتي، تاريخ العرب ص 72.وجواد بولس التحولات الكبيرة في تاريخ الشرق الأدنى منذ الإسلام ص60–63).

ويوم الجمعة بالسريانية هو (عروبة عرو بةا)، أي غروب الشمس، بمعنى غروب وانتهاء الأسبوع قبل السبت والأحد، لذلك كان يوم الجمعة في الجاهلية يُسمَّى يوم العروبة، ويقول ابن منظور إن يوم العروبة اسم قديم وكأنه ليس بعربي.  (تاج العروس ج1 ص371–376. لسان العرب ج9 ص113–118. وعن الجمعة اسمه بالسرياني (عرو بةا، عروبة) راجع أوجين، دليل الراغبين في لغة الآراميين ص566، وبالعربي حداد، روض الكلمـ ج1 ص176، كلمة الجمعة)، ونجد في تلمود أورشليم هذه الكلمة ثمانية مرات بنفس المعنى، لهذا كانت قريش تجتمع في هذا اليوم وكان العرب يتبضَّعون فيه قبل نهاية الأسبوع، لأن يوم السبت عند العرب هو بداية الأسبوع عُرفاً ويوم الأحد بداية الأسبوع لُغةً.
 
وأول من سَمَّى يوم العروبة بيوم الجمعة هو كعب بن لؤي، ولم تُسَمْ العروبة إلاَّ منذ مجي الإسلام، فالأنصار ومنهم سعد بن زرارة ومصعب بن عمير هما أول من جَمَعَ الأنصار للصلاة يوم الجمعة لأن الأنصار قالوا: إن لليهود يوم يُجمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى مثل ذلك، فهلمَّ نجعل يوماً نُجمعُ فيه فنذكر الله تعالى ونشكرهُ، فجعلوه يوم العروبة". (السيرة الحلبية ج2 ص13–16. .وعون المعبود في شرح سنن أبي داود (حديث رقم ٩٠٣3).

فكلمة عرب تعني سكان غرب الفرات البدو الصحراويين، ولهذا اقترن اسم العرب بالبادية والخيمة والمواشي والجمال دائماً، وأقدم نص يذكر كلمة عرب يعود للملك الآشوري شلمنصر الثالث (858–824 ق.م.) الذي قاد حملة على الملك الآرامي برهدد الثاني حيث يقول: أنا خربتها أنا دمرتها أنا أحرقت 1200 مركبة بالنار و1000 جَمَلْ لجندب العربي، ويُعلِّق د. فيليب حتي في  تاريخ العرب ص 66 تعليقاً طريفاً قائلاً: ومن بديع الصدف أن يكون أول ذكر للعرب في التاريخ مقروناً بالجَمَلْ،.وفي النصوص الفارسية التي وجدت في قرية بهستون في همذان والتي تعود للملك داريوس (ت 486 ق.م.) جاءت لفظة عرب بمعنى البلاد الصحراوية المتاخمة لبلاد فارس، ومعلوم أن البابليين والآشوريين والفرس استعملوا اللغة الآرامية (السريانية) منذ القرن الثامن قبل الميلاد، لذلك فمرادهم من استعمال كلمة عرب هو سكان البادية التي تقع غرب نهر الفرات وإلى تخوم بلاد الشام، ولم ترد كلمة عرب علماً على جنس أو قوم في كل هذه النصوص (جواد علي، المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج1 ص18)، وأول من ذكر كلمة العرب من اليونان هو أسكيلوس (525–456 ق.م.) وذلك في إشارة إلى ضابط في جيش أحشوريش، علماً أن أسكيلوس لم يكن يعرف بلاد الضابط العربي واعتقد أنه من بلاد القفقاس، بعدها ذكر المؤرخ اليوناني هيرودتس (484–425 ق.م.) كلمة (أربي) وكان يقصد الصحراء غرب الفرات وأدخل فيها جزء من أراضي سيناء.

وفي العهد القديم من الكتاب المقدس وردت لفظة عرب في أكثر من مكان وكلها تأتي بمعنى البداوة وتقترن بالصحراء والخيمة والجمل والماشية دائماً، وأقدم نص في التوراة ورد في سفر إرميا (3: 2) ويعود إلى سنة 580 ق.م. تقريباً، يتحدث عن شعب تائه في الصحراء، "قعدتُ لهم في جوانب الطرقات كالأعرابي في الصحراء"، وكذلك في سفر إشعيا (13: 20) "ولا يُخيّم هناك أعرابي ولا يربض هناك رعاة"، وأيضاً إشعيا (21: 13–14) "وحيٌ على العرب، بيتوا في صحراء العرب يا قوافل الددانيين، هاتوا ماء للعطشان يا سكان تيماء"،  والدّدانيون هم شعب من نسل إبراهيم من زوجته قَطّورة سكن في وادي القرى شمال الحجاز قرب تيما (حالياً منطقة العُلا)، وأطلق اليهود على العرب اسم الإسماعليين نسبة إلى إسماعيل بن إبراهيم، أو الهاجريين نسبة إلى هاجر أُم إسماعيل، كما أطلقوا عليهم اسم القودمنيين أي بني قدمة بالعبرية (قدمونيت)، أو بني قيدار، نسبة إلى قدمة وقيدار إبنا إسماعيل، ودائماً كان اسم العرب مرتبطاً بالبادية والخيمة أو المواشي في كل النصوص، فجاء في سفر حزقيال (27: 21) "العرب وكل رؤساء قيدار هم تجار يدِك بالخرفان والكباش والأعتدة"، وأيضاً مزمور (120: 5) "ويلي لغربتي في ماشك لسكني في خيام قيدار"، كذلك في نشيد الأنشاد (1: 5) "أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم كخيام قيدار"، وبما أن بني قيدار وقدمة كانوا يسكنون شرق فلسطين في بادية الشام فقد سمَّاهم اليهود أبناء إبراهيم الشرقيين أو أبناء المشرق، أي الساكنين شرقاً بالنسبة لليهود الساكن في فلسطين، وجاء في سفر إرميا (49: 28–29) "قوموا واصعدوا إلى قيدار ودمروا أبناء المشرق إنهم يأخذون خيامهم وغنمهم ويأخذون لأنفسهم شققهم وكل آنيتهم وجمالهم"، ومن اليهود أخذ اليونان كلمة شرقيون واستعملوها بصيغة (سرقينوس) للدلالة على العرب، وكذلك استعملها السريان لتعني العرب، (حداد، روض الكلم، ج2 ص704)، وعن اليونان أخذ بعض مؤرخي العرب مثل المسعودي وغيره هذه الكلمة واستعملوها، ولا تزال إلى اليوم تُستعمل هذه الكلمة في العراق (شرجية) أي شرقية التي تقابل قدمونيت العبرية، ويستعملها العراقيون بصيغة شروكي جمع شروكية أو شراكوة للدلالة على البداوة وعدم التمدُّن، وهي مرادفة لكلمة عْرُبي جمع عْربان التي يستعملها العراقيون بنفس المعنى، والى اليوم فأنك إذا سَمعتَ شخصاً عربياً قال لك إني (مْشرّقْ)، فانك تفهم أنه يريد الذهاب إلى البادية.

ومنذ القرن الأول قبل الميلاد أصبحت كلمة العرب تشمل الأنباط لأنهم ساكني الصحراء (1مكابين 5: 39 و 9: 35، و2 مكابين 5: 8)، وفي العهد الجديد وردت كلمة عرب للدلالة على الأنباط، وورد في سفر أعمال الرسل يوم حلول الروح القدس أن هناك عرب كانوا من بين الناس المجتمعين (كريتيون وعرب نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله (أع 2: 11)، وبلاد الأنباط هي العربية التي انطلق إليها بولس الرسول متخفياً (غلاطية1: 17)، ويقول بولس أن جبل سينا يقع في بلاد العرب (غلاطين 4: 25)، فبلاد العرب حسب العهد الجديد هي بلاد الأنباط، وقد سأل خالد بن الوليد عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة، أعرب أنتم أم نبط؟، فقال له عرب استنبطنا ونبط استعربنا.

ولا بد لنا من الإشارة إلى أن اسم طي أصبح عَلماً للعرب والمسلمين عموماً في اللغة السريانية. (دائرة المعارف الإسلامية مج15 ص404)،  والسريان هم أول من أطلق كلمة طي (طايا أو تايا) على العرب لأن قبيلة الطائين كانت من أكثر القبائل انتشاراً وشهرةً في منطقة البادية وشاعت التسمية في القرون الأولى للميلاد في الكثير من المؤلفات السريانية فذكر برديصان الرهَّاوي (154–222م)  العرب باسم طي، وتبعه الباقون، وبعد القرن العاشر الميلادي ونتيجة لارتباط العروبة بالإسلام أصبحت كلمة طي تعني عربي أو مسلم، بل يُسمَّون اللغة العربية لغة طي، الطائيين. (قاموس اللباب سرياني– عربي ص483 ، وأوجين،  دليل الراغبين في لغة الآراميين ص281. وفي قاموس ابن بهلول طي بمعنى عربي فقط، عمود802)، ولا يزال إلى اليوم السريان يُسمَّون كل عربي أو مسلم بلجتهم المحكية (طايو)، وحتى عندما يتحدثون باللغة التي يجيدها الكثير ون منهم،  يُسمَّون العرب (طايو)، ومن السريان أخذ اليهود كلمة طي واستعملوها في التلمود وكتاباتهم الأخرى فأطلقوا على العرب لفظة (طيايا أو طياية)، كما أخذ الفرس هذه الكلمة واستعملوها في كتاباتهم بصيغة (تاجك أو تاجيان) لتعني عندهم العرب، وهذه الكلمة قريبة من كلمة تازك الفارسية التي تعني الصحراء،  لهذا استعملوا أحياناً كلمة تازك للدلالة على العرب، واستعملها الأرمن بنفس الصيغة، ثم انتشرت هذه الكلمة إلى الصين واستعملوها بصيغة (تشي)، علماً أن أكثر الأسماء العربية التي يذكرها مؤرخو العرب التي أخذوها من الكتاب المقدس والكتب التاريخية الأخرى قبل الإسلام هي أسماء بصيَغ سريانية وتحديداً باللهجة السريانية الغربية (غرب نهر الفرات)  التي تنتهي عادة بالضم مثل قدمو (قدامة)، قدرو (قيدار)، دومة الجندل (دومو)، طي (طايو)، قصيو بر كلبو (قصي بن كلاب).

بقيت كلمة عرب تطلق على سكان غرب الفرات، وقبل ظهور الإسلام بقليل أصبح فرق بين كلمة (عربي) وهم سكان المدن أو الحضر، و(أعرابي) وهم سكان بطون البادية أي البدو أو أهل الوبر، أمَّّا سكان الريف فكانوا يتأرجحون بين العرب والأعراب، والأعرابي إذا قيل له يا عربي فإنه يفرح، أمَّا العربي إذا قيل له يا أعرابي فإنه يغَضبْ (الرافعي، تاريخ آداب العرب ج1 ص53–54).

وحتى القرآن لا يستعمل لفظة عرب للدلالة على عرق لقوم أو جنس معين، فقد وردت كلمة عربي إحدى عشرة مرة، وكلها تدل على اللغة فقط كما في سورة (النحل آية 103) "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهـذا لسان عربي مبين"، أو (الزخرف آية 3) "إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون"، و (الأحقاف آية 12) "وهذا كتاب مصدّق لساناً عربياً"، وغيرها، أي أن القرآن نزل بغير لغات العجم كاليونانية أو العبرية أو غيرها، وكلمة أعجم في اللغة العربية تعني كل ما هو غير عربي، أي حتى الانكليزي يٌعدُّ أعجمياً، والقرآن يستعمل نفس صيغة السريان للدلالة على اللغة العربية، فيستعمل كلمة (لسان عربي) وليس اللغة العربية، وهذه طريقة السريان الذين يستعملون كلمة (لشانا سورييا) أي اللسان السرياني للدلالة على لغتهم لأن مفردة (اللغة) هي يونانية الأصل (لوغس)، ويرى القرآن الأعراب جماعة موصوفة بالحياة البدوية ويصفهم بالمنافقين كما في سورة (التوبة آية 101) " ومن حولكم الأعراب منافقون "، و (آية 97) " الأعراب أشدُّ كفراً ونفاقاً وأجدر ألاَّ يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم "، وأيضاً سورة (الفتح 11) "سيقول لك المخلّفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم"، وغيرها، ناهيك عن الأحاديث التي غالباً ما تصف الأعرابي بالبداوة، مثل ما روي عن عائشة من أنها قالت "قَدِم ناس من الأعراب على الرسول". (أبو داود، ابن ماجة، كتاب الأدب، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل)، ومن الكبائر السبعة في الإسلام التبدّي أي التعرّبْ بعد الهجرة، وهو أن يعود الشخص إلى البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن سبق له أن هاجر إلى المدينة. (فتح الباري في شرح صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب رمي المحصنات)، أي أن الإنسان إذا عاد للتعرب والبداوة بعد الهجرة يُعَد وكأنه مُرتد، وبعد الإسلام تخصصت كلمة عرب لتصبح علماً لقوم معينين وهم الناطقين باللغة العربية.

ولأن كلمة عرب سريانية الأصل، فمعاجم اللغة العربية مثل لسان العرب وتاج العروس والصحاح وغيرها تقول: كلمة عرب تُعدُّ من المصادر التي لا أفعال لها، لذلك كلمة عرب تأتي بمعاني متباينة وغير مرتبطة مع مصدر الكلمة ولا مع بعضها البعض، وأحياناً تدل على معنى غير جيد فتاتي كلمة عرب بمعنى الإفصاح والإبانة، الصافي غير المهجَّن، والعربون ما عُقِدَ به البيع، والعربي هو الشعير الأبيض، والإعراب والتعريب هو الكلام الفاحش، الفاسد ومنه فساد المعدة، والإعراب معناه النكاح، والمرأة العروب التي تضحك كثيراً أو العاشقة أو العاصية لزوجها والخائنة له بفرجها والفاسدة في نفسها، والعربدة هي سوء الخلق ...الخ.

وإذا دَرَستَ ما قاله النَسَّابون العرب بشأن أصل العرب ونتيجةً للتشابك والتخبط الكبير في الأنساب، فإنك لن تحصل على نتيجة، بل ستصل إلى حقيقة واحدة وهي، أنه بعد ظهور الإسلام أصبح التنافس بين عرب اليمن القحطانيين وعرب الحجاز العدنانيين، كلُ واحدٍ يريد أن يُثبت أنه عربي أصيل وأن الرسول محمد ينحدر من سلالته، وأن القرآن كُتب بلغته، وبما أن الرسول محمد كان من العدنانيين ولغة القرآن هي لهجة قريش العدنانية، والعدنانيين يقولون أن نسبهم يعود إلى إسماعيل بن إبراهيم، وإسماعيل هو أول من نطق العربية، لذلك قام القحطانيون بإيجاد شخص اسمه يعرب زعموا أنه جدهم، وأنه يارح بن يقطان المذكور في التوراة (تكوين 25:10)، فسمَّوا يقطان قحطان ويارح يعرب، وقحطان وابنه يعرب حكم كل واحد منهما مئتي سنة. (أبو جعفر محمد بن حبيب، المحبر ص 365)، ويعرب هو أول من نطق بالعربية، علماً أنه لا يوجد أي ذكر ليعرب في الشعر الجاهلي.
(ذكر المؤرخ القدير جواد علي في المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج1 ص284، أن اسم يعرب ورد في بيت شعر منسوب لمضاض بن عمرو الجرهمي عندما أرادت قبيلة آزد القحطانية إخراجهم من مكة، لكنه لم يذكر بيت الشعر وإنما ذكر أنه موجود في كتاب الإكليل للهمداني، فاستغربتُ لأن جرهم من العدنانيين ولا تعتز بيعرب أولاً، ولأن مضاض يذكروهُ النُسَّاب أنه أبو رعلة زوجة إسماعيل بن إبراهيم وهي أُم نابت! ثانياً، ولأن المضاض الجرهمي هو حاكم مكة المسيحي (106–136م) وهو ابن عبد المسيح بن بقيلة (جيرالددي غوري، حكام مكة ص30) ثالثاً، ومع ذلك فعند تدقيقي لكتاب الإكليل (نسخة أصلية) لم أجد بيت الشعر، وبعد بحثي وجدتُ القصيدة في كتاب أخر هو جمهرة أشعار العرب لأبو زيد القرشي، والقصيدة منسوبة للحارث بن مضاض الجرهمي، ولكن لا يوجد فيها اسم يعرب ولا عرب، بل أن الأبيات تحدي وشبه هجاء للقحطانيين حيث تقول:  
قــد أبدلـتُ منهم أوجـهًا لا أريدها    وحـمـيـّر قـد بـدلتـهـا واليـحـابـــر
فـإن تمـل الـدنـيـا عـلـينــا بأسـرها    ويـصـبـح شـر بـيـنـنــا وتشاجر
ويبدو أن الأستاذ جواد قد أخذ الجملة من غيره دون أن يدققها، وعن الدكتور جواد نقل كثير من الكُتَّاب العرب هذه الفقرة).
 
وأول ذكر ليعرب هو من قِبَلْ شاعر الرسول حسان بن ثابت وهو من قبيلة آزد القحطانية والذي أراد أن يُعيِّر العرب العدنانين بأنهم عرب مستعربة (دخلاء) وليسوا عرباً عاربة (خلَّصْ) مثله، فقال:                     
تعلمتمُ من منطق الشيخ يعرب                أبينا فصرتم معربين ذوي نفر
وكنتم قديماً ما لكم غير عجمة           كلام وكنتم كالبهائم في القفر

وذهب البعض الآخر إلى إن يعرب كان حاكم مقاطعة ربما هي مدينة يثرب، وأنه المذكور في نبوة هوشع (13:5و10: 6)، باسم (يرب jareb، بالعبري יָרֵ֑ב)، لكن يرب هذا كان حاكم  محلي أو ملك آشوري ذهب إليه الإسرائيليون ليعالجهم، فرفض لأنه كان عدوهم، وترجمة هذه الكلمة (יָרֵ֑ב) في قاموس سترونج العبري هي الملك العظيم أو العدو أو المنتقم، وفي الترجمة العربية هو الملك العظيم أو العدو،.وحسب رأي الشخصي أنه الملك الآشوري شلمنصَّر الخامس (726–722) حيث كان النبي هوشع معاصراً له.

وإذا كُنا نستطيع أن نحدد من المقصود بقحطان ويعرب وأجدادهما، فلن نستطيع أن نحدد بالضبط من هو عدنان، فقد قال عمر بن الخطاب: إنما نُنسَبْ إلى عدنان، وما فوق ذلك لا ندري ما هو،  وحسب النُسَّاب فعدنان هو أبو معد الذي يُضرب المثل بشخص من نسله " تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه "، ومعد أبو نزار، ونزار أبو مضر، وإذا استطعنا أن نعرف من هو عدنان لأن هناك من قال أنه أدد أحد أبناء أو أحفاد نابت بن إسماعيل، فلن يستطيع أحد أن يحدد من هو أبو عدنان لأننا نعلم أن حديث الرسول محمد يقول: عنِ ابنِ عباسٍ: كان رسول الله (ص) إذا بلغ في النسب إلى أدد قال: كَذِبَ النَسَّابون، ولو شاء الرسول (ص) أن يَعلمهُ لعَلِمهُ. (البلاذري، أنساب الأشراف ج1 ص17)، ويشرح ابن دريد في الاشتقاق هذه العبارة قائلاً: كَذِبَ النَسَّابون بعد عدنان لأنها أسماء سريانية لا يوضحها الاشتقاق. (ابن دريد، الاشتقاق ج1 ص32)، ويُعزي الإخباريون هذه الاختلافات إلى أن العرب أخذوا هذه الأسماء من يهود يثرب ومكة، وأن اليهود كانوا يتعمَّدون ذلك لإحداث فتنة بين الطرفين لكي يتقربوا من أحد الفريقين على حساب الآخر، واشتدَّ التنافس بين القحطانيين والعدنانيين في العصر الأموي وأصبح نُسَّاب الطرفين يتخبَّطون حيناً فينسبوا أسماء من نسل قحطان لعدنان وبالعكس، وحيناً آخر يقولون: إن العربية هي لغة أهل الجنة ولغة وآدم وادريس وعابر وإبراهيم وغيرهم، وفات هؤلاء النَسَّابين أن يعرب أو إسماعيل هما أول من تكلم العربية، ومن جهة أخرى لا يكاد يوجد كتاب لمؤرخ إسلامي لا يذكر أن لغة أهل الجنة ولغة آدم وإدريس (اخنوخ) ونوح وإبراهيم واسحق وغيرهم كانت السريانية، وهناك روايات كثيرة منها حديث الرسول محمد لأبو ذر يقول: إن آدم وشيث وإدريس ونوح هم سريان. (تاريخ الطبري ج1 ص77 و111. تاريخ اليعقوبي ص19. الدينوري، الأخبار الطوال ص33. ابن سعد، الطبقات الكبرى ج1 ص18و19،الجامع لأحكام القرآن آية 26 و30. المسعودي، التنبيه والإشراف ص85. تاريخ أبي الفداء ص132. السيرة الحلبية ج1ص29. القلقشندي، نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ص19. أبن النديم، الفهرست، الكلام عن القلم العربي. تفسير القرطبي ص1163 و1936، تفسير ابن كثير، سورة النساء.

ومنذ ظهور مفهوم القومية الحديث بعد الثورة الفرنسية، فمن المفارقات أن السريان الموارنة الذين استعرب كثيراً منهم بعد أن كانت اللغة السريانية سائدة بين مسيحيي لبنان إلى القرن السابع عشر، هم الذين ونهضوا بكلمة عرب لتصبح اسماً قومياً، فكانت أحداث لبنان وسوريا الطائفية (1860–1861م) وبعدها، هي التي جعلت بطرس البستاني وجرجي زيدان وعائلة اليازجي والريحاني ونجيب عازوزي الذي أسس في 1904م عصبة الوطن العربي وغيرهم، يتحدثون عن أمة عربية مكوَّنة من مسلمين ومسيحيين، ويقول الدكتور ساطع الحصري: إن التفكير في القومية العربية بدأ ونشأ عند المفكرين المسيحيين قبل المسلمين، لكن انتشار فكرة القومية العربية بين المسلمين كان أسرع مما بين المسيحيين. (الأعمال القومية لساطع الحصري قسم1 ج5 محاضرات في نشوء القومية العربية المحاضرة الخامسة ص124).

 وخلاصة القول إن كلمة عرب سريانية معناها (غرب)، أُطلقت على ساكني البادية الواقعة غرب الفرات ولا تعني عرق واحد لأن العنصر الأهم والأوحد في القومية هو اللغة وليس العرق والجغرافية والدين وغيرها، وإذا نظرنا إلى نتائج فحوص بعض علماء الأنثروبيولجي وعلماء الآثار وعلماء الحياة لبقايا الجماجم والعظام التي عثروا عليها من عهود ما قبل الإسلام وإلى فحوصهم لملامح العرب الأحياء وأجسامهم، فإنها تشير إلى وجود أعراق متعددة بين سكان جزيرة العرب، الأموات منهم والأحياء، الجاهليين منهم والإسلاميين، وإلى وجود اختلاف في نفسيتهم وقابليتهم العقلية، وقد وجدت إحدى البعثات الأمريكية التي جاءت إلى العراق للبحث عن السلالات البشرية أن في دماء القبائل العربية التي ترى نفسها أنها عربية خالصة،هناك نسباً مختلفة من الدماء الغريبة. (جواد، المفصَّل ج1 ص232).
وشكراً
موفق نيسكو

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1059 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع