من حكايات جدتي ... الحادية والعشرين

                                                     

                          بدري نوئيل يوسف

من حكايات جدتي ... الحادية والعشرين
أبو البنات وأبو الاولاد

  

حدثتنا جدتي أن أم البنات تخاصمت مع زوجها، وتركت المنزل وذهبت الى منزل والدتها تشكو حالها، بعد ولادتها سبعة بنات وأن زوجها لا يحترمها ويناديها (مرتي)، وترفض هذه الكلمة وتحب أن يناديها باسمها او باسم أم ابنتها البكر، طلب زوجها من جدتي أن تتدخل وتزورها في منزل والدتها، وتقنعها بالعودة لأنه لا يستطيع تربية البنات السبعة ولا يقدر أن يحضر لهن الطعام وغسل ملابسهن، وافقت جدتي وذهبت الى منزل والدة أم البنات وبعد السلام والكلام قالت لها جدتي: تعرفين ماذا تعني كلمة (مرتي)؟ هذه الكلمة التي تركت المنزل بسببها؟
قالت أم البنات: كلمة (مرتي) يستخدمها الرجل العراقي للتعريف عن زوجته، وكثير من النساء تعتبرها كلمة شعبية او (سوقية)، يعني كلمة دون المستوى وفيها انتقاص من احترام المرأة، وأنا واحدة منهم لا أحب اسمع هذه الكلمة، وقد نبهت زوجي من أول يوم زواجنا أن لا يستعملها ولكنه أبى وأصر على الاستمرار بمناداتي (مرتي)، وهذه السنة التاسعة من زواجنا وهو ينادي بكلمة (مرتي)، مع العلم كان يعرف انني انزعج منها.
ابتسمت جدتي وقالت لها: يا أم البنات للأسف أن أكثر النساء لا يعرفون حقيقة هذه الكلمة، (مرتي) كلمة ارامية الاصل وغير موجودة بقواميس اللغة العربية، وتقسم الى قسمين (مار ... ويعني سيد ) و (تي ضمير الاشارة القريب للمؤنث باللغة الارامية) فتصبح كلمة مرَتي تساوي سيدتي، ولهذا كنت افرح عندما يناديني المرحوم زوجي مرتي .
اقتنعت ام البنات وعادت مع جدتي الى منزلها واعتذرت لزوجها وهي سعيدة عندما يناديها مرتي.
اما حكايتنا لهذه الليلة فهي (أبو البنات وأبو الاولاد) حكاية واقعية حدثت في احدى المدن.
كان يا مكان وعلى الله التكلان، كان في احدى المدن صديقان أحدهما اسمه عزيز والآخر اسمه سعيد، تزوج الصديقان في ليلة واحدة من امرأتين فاضلتين وبعد فترة رزق كل منهما بمولود في الأيام نفسها، رزق سعيد بولد فذهب إلى صديقه عزيز يسأله: ماذا ولدت لك زوجتك؟ قال عزيز: الحمد لله فإن زوجتي وضعت لي بنت جميلة وبصحة جيدة أسميناها نور.
قال له سعيد وبكل شماتة ضاحكا بصوت عالي: أما أنا فإن زوجتي وضعت لي ولد وأسميته فادي والناس تسميني الآن أبو فادي وليس أبو نور.
مضت الأيام حملت زوجة عزيز وحملت زوجة سعيد ووضعت الزوجتان في الوقت نفسه تقريبا، رزق سعيد بولد آخر فذهب إلى صديقه عزيز يسأله: ماذا ولدت لك زوجتك هذه المرة؟ قال عزيز: الحمد لله فإن زوجتي وضعت لي بنت جميلة ثانية وهي وأمها ولله الحمد بصحة جيدة.
ضحك سعيد وهو يقول بكل شماتة: أما أنا فإن زوجتي قد وضعت لي ولد آخر، هل تعرف ماذا يعني هذا؟
قال عزيز: لا، لا أعرف ماذا يعني.
قال سعيد: يقول الأولون بأن من تلد له زوجته ولدين متتالين فإنها تكون قد حللت مهرها، يعني زوجتي (طالعة عليّ بلاش).
مضت الأيام أيضا وحملت زوجة عزيز وحملت زوجة سعيد ووضعت الزوجتان في الوقت نفسه تقريبا، رزق سعيد بولد ثالث، فذهب إلى صديقه عزيز يسأله: ماذا ولدت لك زوجتك في هذه المرة؟
قال عزيز: الحمد لله فإن زوجتي وضعت لي بنت جميلة ثالثة وهي ولله الحمد وأمها بصحة جيدة.
قهقه سعيد بصوت عال ويقول بشماتة: أما أنا فإن زوجتي قد وضعت لي ولد ثالث، هل تعرف ماذا يعني هذا؟
قال عزيز: لا ،لا أعرف أخبرني أنت.
قال سعيد: من يكون عنده ثلاثة أولاد فإنهم يكونون له مثل ركائز الموقد يضع عليهم قدر الأكل، أنا يجلس قدري، أما أنت يا أبو البنات فلا يمكن أن يجلس قدرك.
قال عزيز: الحمد لله على عطاياه إنا له لشاكرون.
مرت السنين والأعوام وكبر عزيز وكبر سعيد وكبر الاولاد وتزوجوا وأسسوا بيوتا لهم، وكبرت البنات وتزوجن وانتقلن إلى بيوت أزواجهن، وكبرت زوجة عزيز وأصبحت لا تقوى على عمل المنزل، وكبرت زوجة سعيد وكذلك هي أصبحت لا تقوى على عمل المنزل.
وفي أحد الأيام مر عزيز على صديقه سعيد فوجده جالس في الظل خارج المنزل وهو في حالة مزرية، جسمه منهك وضعيف جدا وملابسه رثة ومهملة.
فسأله: ماذا أصابك يا صاحبي؟ ولماذا جسمك هزيل وثيابك متسخة إلى هذا الحد؟
أجابه سعيد: أنا الآن كبير في السن ولا أعمل، وأولادي الثلاثة قد تزوجوا وكل واحد بنى له منزل خاص وانتقلوا إليه، وزوجتي أصبحت امرأة كبيرة في السن لا تقوى على عمل المنزل من طبخ وغسيل، ولا يوجد لدينا من يخدمنا أو يطعمنا غير أهل البر والإحسان، ولكن أراك يا عزيز جسمك سمين ونظيف، وملابسك نظيفة ومكوية، وأنت مثلي بناتك تزوجوا وتعيش في البيت مع زوجتك التي لا تقوى على عمل المنزل.
قال له عزيز: يا صديقي ابنتي البكر تحضر إلى منزلنا في الصباح، وفي يدها فطورنا تطعمنا وتغسل ملابسنا ثم تعود لمنزلها، وابنتي الوسطى تحضر لنا في الظهر تجلب لنا الغداء وتكوي ملابسنا ثم تعود لمنزلها، وابنتي الصغرى تحضر إلى منزلنا في الليل وفي يدها عشاءنا تعشينا وتحممنا وتنومنا وتغطينا، هل تعرف ماذا يعني هذا؟
قال سعيد: لا لا أعرف ماذا يعني.
أجابه عزيز: هذا يعني بأن أبو البنات ينام وهو تعشى وأبو الاولاد ينام على جوع .
كثيرا ما لا نرضى بأخيار الله لنا، وبعد مرور سنوات يتبين لنا أن الله قد اختار الافضل .
المصدر: التراث الشعبي

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1156 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع