أمة في خطر... هويتها الوطنية في خطر

                                    

                  الأستاذ الدكتور مسارع الراوي

أمة في خطر... هويتها الوطنية في خطر
تــنــبــهــــوا واسـتـفـيـقــــوا أيـــها العـرب …  فـقـد طـغـى الـخـطـب حـتـى غاصـت الـركـب

لقد مارس الغرب الاستعماري في القرن الماضي، ولا يزال، كل أنماط الغزو على الأمة العربية وأقطارها؛ الغزو العسكري والغزو السياسي والغزو الاقتصادي، إلا أنه لم يفلح في تحقيق أهدافه الظاهرة والخفية. ولذلك وجه همه على نمط آخر من الغزو - هو الغزو الثقافي - في محو هوية الفرد العربي في انتمائه للعروبة تأريخا وللإسلام عقيدة ودينا.
ولقد نبه الكثير من المفكرين والحكماء العرب المسلمين في القرن الماضي إلى هذا الخطر - الكارثة - وكان في مقدمتهم العالم الجليل عبد الحميد بن باديس (1889-1940) باعث النهضة العربية الإسلامية في الجزائر، بقوله: (أنا أنبه الأقوياء الطغاة من الحكام المستعمرين بأن همهم يجب أن لا يتوجه الى محو الهوية العربية الإسلامية بل إلى محو الأمية، والتعليم بدل التجهيل).
وهكذا أراد المستعمرون الفرنسيون محو الثقافة الإسلامية في الجزائر و إضعاف اللغة العربية و نسيان التراث العربي الإسلامي. وكان جواب المجاهدين لابن باديس " شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب ". " نموت أعزاء شرفاء ولا نعيش أذلاء جبناء ".

لقد ظهر واضحا جليا تداعيات مثل هذا الغزو الثقافي في محو الهوية الوطنية والشعور القومي في البلاد العربية في أوائل هذا القرن الذي وصفوه زورا وبهتانا بالربيع العربي، إنه الخراب العربي ليس إلا!
لقد تخلت أمريكا عن العراق بعد سنوات من الاحتلال الغاشم و سلمت شؤون إدارة حكمه إلى إيران مكافئة لها على ما قدمته من تسهيلات ومساعدات أثناء غزو العراق.
نعم قدمت بذلك أميركا العراق على طبق من ذهب لإيران، وكان ثمن ذلك تنفيذ مشروع بايدين في تقسيم العراق وتمزيقه - أرضا وشعبا - و تفكيك المنطقة العربية.
و هكذا مكنت أميركا إيران، عدوة العرب وخاصة العراق، حاضرا وتأريخا, بالسيطرة الكاملة وتسيير السياسة الداخلية والخارجية للعراق والإشراف على القوات المسلحة وخلق الحشد الشعبي و العديد من الميليشيات المسلحة الطائفية و المرتبطة بولاية الفقيه في طهران.
و هكذا توجت ايران أعمالها المخزية بأن أوحت إلى الحكومة العراقية و رئيسها أنذاك المالكي بالانسحاب من المحافظات السنية و تسليمها إلى داعش الإرهابي. كما أنها أوحت الى الحشد الشعبي وميليشياته المسلحة ضرورة المشاركة في تحرير المناطق والمدن التي تحكمها داعش مما جعل أهالي هذه المناطق يقعون في الفخ،  بين نيران داعش ونيران المليشيات الطائفية .
أن مشاركة الحشد الشعبي وميليشياته للتحرير, لم تكن كذلك بل للتخريب وتصفية الفارين من أرهاب داعش.
لقد اتبعت إيران واستخدمت عن طريق المليشيات أساليب همجية و وسائل وحشية متنوعة الأشكال والصور في السعي لمحو الهوية الوطنية العربية للشعب العراقي. ولنذكر منها على سبيل المثال:
*الاعتقالات العشوائية والتعذيب والاضطهاد و الاغتصاب و السجن الانفرادي.
*القتل والتصفية على الهوية والاسم الشخصي و العائلي.
*محو الذاكرة الجماعية، ذاكرة الأمة و تراثها بتغيير مناهج التعليم- محتويات و أساليب.
* حرب الإبادة و المقابر الجماعية.
*التغيير الديموغرافي و معالم المدن و شوارعها و أسمائها.
*التهجير العمد وتشريد السكان و منع المواطنين من العودة الى مناطقهم ومساكنهم.
*الاستحواذ على الأملاك والدور العامة و الخاصة.
* هدم المساجد و دور العبادة ونهب المؤلفات والمخطوطات من دار الكتب العامرة ومكتبات الجامعات والمجمع العلمي. وأخيرا و ليس آخرا رفع و هدم النصب التذكارية.
و هكذا أصبح العراق مستعمرة لإيران بامتياز.
ألم تحقق ايران عن طريق الحكومات العراقية المتعاقبة أهداف الغرب و إسرائيل بفقدان المجتمع العراقي وحدته و تماسكه الاجتماعي و قيمه العربية الأصيلة و مثله الأخلاقية العالية ؟
ألم تحقق إيران أهداف الغرب و إسرائيل بسلب الفرد العراقي هويته الوطنية و انتماءاته القومية - عروبة وإسلام، عقيدة و دينا.
ألم يقل "كيسنجر" لـ "بيجن": (إنني أسلمك أمة نائمة، أمة تنام ولكن مشكلتها أنها لا تموت، استثمر ما استطعت نومها، فأن أستيقظت أعادت ما أخذ منها بقرون).
ألم يقل المفكر الأمريكي "بيرجر" في كتابه "العالم العربي المعاصر": (إن الخوف من العالم العربي ليس ناتجا من وجود البترول لديهم بغزارة بل بسبب الإسلام. فقد ثبت تأريخيا قوة العرب تتصاحب مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره).
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذه المقدمة, من يجرؤ اليوم في العراق والوطن العربي برفع شعار كشعار المجاهد الكبير عبد الحميد بن باديس و يقول: العراق مسلم وإلى العروبة ينتسب، نموت أعزاء شرفاء و لا نعيش أذلاء جبناء؟
عش عزيزاً أو مت وأنت كريمٌ   بين طعنِ القنا وخفقِ البنُودِ
فرؤوس الرماحِ أذهبُ للغي      ظِ وأشفى لغلِ صدرِ الحقودِ
من يجرؤ - فردا أم جماعة – رفع شعار المقاومة الشعبية -حي على الجهاد – كما رفعه ابن باديس؟
هل من خيار للخلاص و النجاة من هذا الوضع الكارثي و المأساوي الذي تعيشه أمتنا العربية- ولا سيما العراق- إلا الاعتماد على النفس و تحشيد القوى الشعبية العربية؟
أخي جاوز الظالمون المدى     فحق الجهاد و حق الفدا
أنتركهم يغصبون العروبة     مجد الأبــــــوة والسؤددا
فالشرف العربي الرفيع لا يسلم و يتخلص من الظلم و البغي والعدوان حتى تراق على جوانبه الدم. فهل من مزيد من إراقة الدماء وتقديم التضحيات بالنفس و النفيس لأمة عربية واحدة ذات رسالة حضارية خالدة ؟ تلك الأمة التي قال عنها ربنا تعالى:{وإن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاتقون}(المؤمنون 52).
و روي عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أنه قال: ( إنها أمة لن تموت إلا أنها تمرض و إنها لا تنام إلا أنها تغفو ).
و كما قال شوقي:
وما نيل المطالب بالتمنى   ولكن تؤخذ الدنيا غلابَ

وما استعصى على قوم منال   إذا الإقدام كان لهم ركابَ
الأستاذ الدكتور مسارع الراوي

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

780 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع