الموصل بعيد جداً... (THE "MOSUL" TOO FAR)!!!

                

                       عراقي محترق

منذ ما يقارب (18) شهراً ونحن ((نتلذذ)) تصريحات يطلقها كبار الساسة العراقيين وصغارهم والقادة العسكريين والفصائل المسلحة بتنوعاتهم ونواب في البرلمان العراقي يمثلون محافظة "نينوى" إلى جانب ساسة وقادة عسكريين أمريكيين بحيث جعلونا ((نحلم في اليقظة والمنام)) عن موعد وشيك لتحرير "الموصل" من براثن (داعش)،

وبالأخص بعد تسنم الأخ "اللواء المهندس الدكتور خالد متعب العبيدي/ الموصلي" حقيبة وزارة الدفاع في (ت1/أكتوبر/2014) لنبقى منتظرين بشرى المباشرة بالتحرير قريباً وخلال أسابيع ليس إلاّ لإستعادة سيطرة الدولة ليس على هذه المدينة العزيزة بل على كل "محافظة نينوى" خلال شهري نيسان أو آيار/2015... أي قبل سنة كاملة من يومنا هذا!!!!!
إنقضى عام ونصف العام على تلكم البيانات من دون أن يتم تحقيق ولو جزء يسير من تلك الآمال ((الرنانات والطنانات)) سوى تصريحات صبّت في بوتقة إستكمال الإستحضارات والتدريب وجاهزية الخطط وتسليح ((قوات تحرير نينوى)) بزعامة هذا وذاك وبمشورة ((خبراء أمريكيين)) وبقيادة "اللواء الركن نجم عبدالله الجبوري" وقد وضعت تحت إمرته الفرقة/15 من الجيش العراقي و(4,000) من عناصر "الحشد الوطني/الموصلّي" فضلاً عن وحدات "البيشمركة" الكردية النظامية، حتى إستبشرنا بإنبثاق "معركة تحرير الموصل" من "داعش" إنطلاقاً من مناطق التحشد في "مخمور" مع فجر (الخميس-24/3/2016) لتحرير ((قرى)) ليس إلاّ!!؟؟ فيما كان مسلّحو "داعش" قد تهيأوا لـمّا رأوا أن العراقيين يستثمرون محوراً واحداً في تقدّمهم نحو "الموصل" فشنـّوا هجمات مقابلة إستردّوا بها (6) قرى في غضون (3) أيام فحسب، فتوقفت العمليات في اليوم الثالث وتراجعت من ((القرى)) وتحولت إلى وضع الدفاع إنتظاراً لتعزيزات تنجدهم، فبدأ التشبث -كالعادة- بشماعة ((القناصين والتضاريس الأرضية الصعبة والألغام والعبوات وعدم تيسّر المعدات الهندسية وكاسحات الألغام، وفضلاً عن المؤامرات المحبوكة خلف الكواليس لإفشال هذه الخطة لمآرب سياسية وميدانية)) والتي مللنا منها وضجرنا من عظم سذاجتها ومحدودية مصداقيتها!!؟؟.
وبعد إيقاف التقدم لـ(34) يوماً تحشدت في غضونها الفرقة/17 من الجيش العراقي إنطلقت المعركة مجدداً من ذات البقاع والمحور الأوحد نفسه، ولكن من دون أن نتلمّس شيئاً يستحق الذكر حتى في البيانات الرسمية لـ"خلية الإعلام الحربي" التي لم يعد حتى المواطن البسيط يصدّق بها.
وكل ذلك قبل أن ((يغرّد)) وزير الدفاع الأمريكي "آشتون كارتر" من "واشنطن" في هذه الأيام قائلاً:-
((أن "الموصل" سنحاصرها تمهيداً لإقتحامها في نهاية حزيران القادم))!!!؟؟؟
 وبهذه المناسبة إستذكرتُ -مع فارق نوعية القتال وساحته وظروفه- فيلماً سينمائياً في أواخر السبعينيات تحت عنوان (A BRIDGE TOO FAR) بطولة الممثل الرائع "شين كونري"، وقد تأثّرتُ بوقائعه الكارثية -وما زلت- عن فرقة مظلّية بريطانية متكاملة ومزيدة تعدادها (35,000) عسكري مزودين بدبابات خفيفة ومدرعات وعجلات قتال ومدافع وهاونات قـُذِفـوا جميعاً بالمظلات في خريف (1944) للإستيلاء على ((جسر واحد)) ذي أهمية خاصة على "نهر الراين" يربط شرقي "هولندا" من حدودها مع "آلمانيا"، وذلك وفقاً لخطة متقنة وجريئة تنفذها ((نخبة منتقاة)) من جيوش "بريطانيا العظمى" ذات الخبرات الميدانية في خضم معارك الحرب العظمى الثانية... ولكن الرياح أتت بما لا تشتهي السَفَنُ (وليس السُفـُنُ-كما مُشاع) جراء الدفاع الآلماني البطولي المستميت، مُضافاً إليه أجواء ضباب وأمطار غير متوقعة غطـّت سماء المعارك الضروس وحالت دون مشاركة ثقيلة للطيرانين البريطاني والأمريكي المقتدرين لتفشل المهمة وتُدَمًّر الفرقة البريطانية في معظمها وتتملـّص القلة الضئيلة التي سلمت من جنودها بأعجوبة.
وفي شأن "الموصل" فـ((ليس كل ما يتمناه المرء يدركه))... فحسب رؤيتنا المتواضعة فقد نظرنا نحو تلك التصريحات قبل ما يربو على سنة  كاملة كونها بعيدة عن الواقع والمتناول لأسباب تفرض أوزارها ليس على التنفيذ فحسب بل على مجرد الخوض في صفحات الخطة المتلاحقة، قد يكون أهمّها:-
1.كون منطقة التحشد في "مخمور" واضحة للعيان ومكشوفة تماماً لجماعات إستطلاع (داعش) في خطوط دفاعاته الأمامية القصوى.
2.كثرة التصريحات الإعلامية (أو الإعلانية) التخبّطية وكشف أسرار الخطة وتوقيتاتها قبل أشهر من المباشرة بتنفيذها، مما أفقدها عنصر "المباغتة" التي تعتبر أحد أهم مبادئ الحرب، وبالأخص في صفحتـَي "التقدّم والهجوم".
3.حسر إنطلاق التقدّم والهجوم على محور واحد من إتجاه الجنوب-الشرقي نحو "الموصل" دون التقرّب وجوباً من محاور عديدة للإطباق عليها، ما مهّد لمسلـّحي (داعش) تحشيد دفاعاتهم وقناصيهم عليه من دون تشتيت قواتهم بإتجاهات عديدة.
4.كون البقاع المحيطة بـ"الموصل" مفتوحة لجماعات (داعش) بواقع (270) درجة على أقل تقدير، حيث يجول مسلـّحوه فيها بكامل الحرية، إلاّ إذا إستثنينا مخاطر "طيران التحالف الدولي" الهزيل الذي حدّ بعض الشيء من تحركاتهم في النهار فقط، فإستثمروا ظلام الليل لهذا الغرض.
5.البُعد الجغرافي لـ"الموصل" بواقع (55) كيلومتر عن "مخمور" و(200) كيلومتر عن مناطق أخرى صالحة للتحشّد تقع إلى الجنوب من تلك التي إستطاعت القوات العراقية الإحتفاظ بها رغم (نكبة حزيران2014) أو حررتها وأمسكت بها وحققت فيها نوعاً من الأمن النسبي... و(250) كلم تفصل ضواحي "سامراء" الآمنة نسبياً وبين تلك المدينة... وأن كل تلك البقاع الواسعة تمسكها عناصر (داعش) بقوة مفترضة حيث يتطلب تخليصها منهم تباعاً لتكون مدينة "الموصل" هدفاً ميدانياً للتحرير.
6.وثمة نقطة مُضافة -أعتبرها الأعظم- تكمن في تلمّسنا أداءً متواضعاً للغاية من لدن القوات المسلحة العراقية لدى خوضها معظم المعارك خلال ما يربو على سنة ونصف من الصراع الدامي حيال (داعش)، بحيث لا يمكن التلمّس أن يكون بإمكانها تشكيل ((قوات خاصة)) مدربة لهذا الغرض تحديداً فتقدم على إندفاعات جريئة وحاسمة على العديد من المحاور وبتوقيتات متزامنة تتخطى العشرات بل المئات من المدن والبلدات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وتثبّتها بمفارز صغيرة ولا تكترث بها، فتجازف وسط تلكم البقاع الشاسعة مثلما عمله الآلمان في الجبهات الأوروبية وأقدم عليها اليابانيون في ميادين المحيطين الهادئ والهندي، وكذلك المارشال "رومل" في شمالي أفريقيا خلال النصف الأول من الحرب العالمية الثانية، ونفذها الأمريكيون لدى غزوهم "العراق" عام (2003) وقتما تخطـّوا كل مدن الجنوب والفرات الأوسط مستهدفين الهدف الأعظم "بغداد".
7.ويضاف إلى تلك ((عدم تجانس)) القوات المكلـّفة لإتمام هذا الواجب المصيري، فبدلاً عن تحديد فرقة واحدة من الجيش أو تزيد تحت قيادة قائد واحد مقتدر وصارم تـُناط إليه هذه المسؤولية ويُبلـّغ بأقصى الحساب في حالة إخفاقه، فإننا نرى إلى جانب الجيش وحدات من الشرطة الإتحادية وعناصر من الشرطة المحلـّية، ومتطوعين من "الحشد الوطني" ووحدات من "البيشمركه"، كلّ يأتمر بأوامر قادته العسكريين والسياسيين المختلفين في رؤاهم وأهدافهم وأغراضهم.
8.وهناك مشكلات ميدانية مؤثرة في هذا الشأن تكمن في مدى تقبّل معظم مواطني محافظة "نينوى" لمشاركة هذا الطرف أو ذاك في هذه العمليات على عكس ما يطلقه البعض من الساسة... ناهيك عن طفوح معضلات أخرى لإنتشار تشكيلات من الجيش في أراضي المحافظات الثلاث الأصل لـ"إقليم كردستان" وحتى وسط البقاع المسماة دستورياً بـ"المناطق المتنازع عليها" إثر إقتحام "البيشمركه" لها بُعَيدَ "نكبة العراق" في أواسط (حزيران/2014).
9.وكل ذلك واقع الحال والأحوال قبل أن تطفح إلى سطح "بغداد" هذه الأزمات السياسية جراء المحاصصة المقيتة ونهب الساسة اللصوص لأموال شعب يعيش على بحار من النفط وفي أغنى بلاد العالم، وقد أُبتـُلِيَ بالفاسدين المتشبثين بكراسي السلطات الثلاث متسببين في إنبثاق مظاهرات عارمة وإعتصامات قبل أن يقتحم الغاضبون المنكوبون البرلمان الفاسد والبعض من "المنطقة الخضراء" التي يختبئ فيها الخائفون من غضب الشعب متحصّنين بأبراج وحمايات غير مسبوقة في تأريخ البشرية.
10.وما يجدر ذكره في هذا الشأن أن إستراتيجيات "دولة الإتحاد السوفييتي" في أوج عظمتها، وكذلك "روسيا الإتحادية" الوارثة لأمجادها، قد أدرجت ((إستتباب الجبهة الداخلية)) مبدأًً من أهم مبادئ الحرب، إذْ أن الأمن والإستقرار الداخلي يجعلان المقاتل في جبهات الحرب لا ينظر إلى الخلف ليشغل باله على مسكنه وأفراد عائلته وأمانهم في حياتهم اليومية، وبذلك يتفرّغ للنظر إلى الأمام فحسب فيكون أداؤه القتالي أفضل... وهذا المبدأ بالذات لم يتم تحقيقه في "العراق الجديد" منذ إحتلاله عام (2003) ولغاية كتابتي هذه السطور، وقد تسبّب في قصور مشهود في أداء تشكيلات القوات المسلحة العراقية لمهمّاتها رغم تصريحات القادة السياسيين المتضادّة، لا سيما وأن أخبار الساسة متاحة ومشاهدة صراعاتهم على كراسي الحكم متشبثين بمغانم السلطة متوفرة على مدار الساعة وهم يتمضحكون مع بعضهم البعض في جلساتهم الطارئة وإجتماعاتهم التي لا تتمخض عنها سوى الذي لا يسمن ولا يغني، وقد إنفصلوا عن الشعب ومآسيه ومعاناته وكوارثه فأمسوا في وادٍ غير مكترثين بالمواطن ولا آبهين من معاناته مرارة العلقم وسط خندق ثانٍ.   
لكل ذلك ولرؤيتنا للأداء القتالي المتدني لجميع القوات المسلحة من دون إستثناء، ولأمور عديدة مُضافة -لا نبتغي الإفصاح عنها- نرى "الموصل" ليست في المتناول بل هي بعيدة جداً (THE "MOSUL" TOO FAR)، فلا من عاقل يعقل أن تنهي القوات العراقية -بمختلف مسمياتها الرسمية وأشباهها وسواها- إعادة سيطرتها على جميع المناطق الشاسعة والملغومة بـ(داعش) و(الدواعش) في فترة لاتتجاوز الشهرين تمهيداً لخوض المعركة الكبرى لتحرير "الموصل".
وفي حالة حصول هذا ((الإفتراض اللامعقول)) الذي يتمناه العراقيون جميعاً، حينئذ سأراهن -بصفتي خبيراً إستراتيجياً وعسكرياً عراقياً غير مؤمن بنظريات المؤامرات السياسية والدسائس الخبيثة- أن (داعش) لم يكن في حقيقته سوى ((صنيعة واشنطن وإسرائيل)) وسواهما من دول المنطقة، وأنه يأتمر بأوامرها، فما أن توعز إليه فإن قادته سيوجهون مسلحيهم بالإنسحاب سراعاً من ربوع العراق في غضون أيام معدودات ومن دون مقاومة، وأن جميع الذين شاركوا في جعل تشكيلات القوات المسلحة العراقية تنهزم بين عشية وضحاها وتترك أسلحتها الخفيفة والثقيلة في (حزيران2014) هم ليسوا سوى دمىً خبيثة تحركهم أصابع أمريكية وصهيونية وإيرانية وسعودية وقطرية وخليجية وتركية وإقليمية تتلاعب حسب هواها بحاضر العراقيين وعموم هذه المنطقة ومستقبلها في سبيل تسيير المخططات المرسومة لتحقيق ((الشرق الأوسط الكبير)) وتقسيم "العراق وسوريا" إلى ثلاثة أقاليم أو عشرة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

716 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع