محاربته الاضطهاد العرقي والطبقي والمذهبي بالفنون الإنسانية

                 

                         بدري نوئيل يوسف

المواطنة هي الانتماء إلى مجتمع واحد يضمه بشكل عام رابط اجتماعي وسياسي وثقافي موحد في دولة معينة ،

والمواطن له حقوق إنسانية يجب أن تقدم إليه ، وهو في نفس الوقت يحمل مجموعة من المسؤوليات الاجتماعية التي يلزم عليه تأديتها ، أنها مطلب شعبي وليست رفاهية ، في هذا الزمن اصبح المواطن مختلفاً عن الأخر فكريا أو دينيا أو ثقافياً أو إنتمائياً أو عرقياً ، ويشعر بشرخ متصدع وبهوة عميقة ، وصارت التعددية الثقافية محنة ومشكلة وكيفية قبول الأخر بخصوصياته ، لذا نحتاج رعاية من الأنظمة السياسية السليمة والصحية ليتشكل جسد الثقافة الوطنية في النهاية لا تشوبها أمراض .
التعددية في المجتمعات الحديثة ضرورية ولكن هناك من يرفضها ، وهم الذين يظلوا مهيمنين على المواطن المستضعف والمضطهد ولهم المصلحة بتمزيق البلاد ، وينظرون اليه ككائن مختلفاً عن باقي الشعب ، فيظل كرامته مهانة وحياته مستنزفه ومحروم من أبسط متطلبات الحياة ، ويعيش دائما في موضع ريبة واتهام وتلاحقه الشبهات ، وتحت أبواق الإعلام الكاذب والنفاق المجتمعي يقاد لسجون التعذيب ، ويعيش على الحافة مهمشا بحياته المؤقتة ، يعطي من عوزه ويفسح لهم العيش الرغيد والاستعباد ومزيد من الممارسات القمعية ضد أبناء الوطن .
من يعيشون تحت خط الفقر فهؤلاء الضعفاء من أهل البلاد الأصليين ، وهم بنوا وطنهم بعرقهم وبتاريخ أجدادهم ، والأقوياء يعتبرونهم وافدين ويمارسون أنواع من التنكيل لإقصائهم ، هذه الممارسات ينتج عنها بتر لجزء من الجسد الثقافي والحضاري لشعب ما وتمزيق الهويّات الوطنية ، نلمسها الآن في الأوضاع التي تمر بها منطقتنا من صراع طبقي وعرقي وديني ومذهبي .
هناك بلدان فيها سكان اصليون وآخرون وافدون من بلدان اخرى ، ومع ذلك نجد التعايش السلمي المتسامح الحقيقي في بلد هادئ حيث تعايش المواطنون جميعهم من أقلية وأغلبية بأمان دون أن يوصم الأغلبية الأقليات بشبهات أو وضعهم في خانات العزل عن الحياة وممارسة حقوقهم العامة ، لهذا الوافدون مواطنون فاعلون في مجتمعهم ، ويساهمون بفعالية في أغناء المجتمع بالدراسات المعرفية والعلوم الإنسانية.
ونجد بلدان تدعي وتتغنى بالحريات وحصول الاقليات على حق المواطنة إلا أن حقوقهم إلى اليوم لم يتم احترامها كاملة ، إلا أن مازالت الشرطة ومليشيات وحراس النوايا المصابون بعنصريتهم ينكلون بالمواطنين لتتكرر الجرائم ضدهم ، وكل يوم تتصدر الأخبار والصحف ما يفعل العنصريون ، وعلى المجتمع مواجهة العنصرية والاضطهاد العرقي وكشف زيف المنظومة السياسية التي تلتهم حقوق المستضعفين والأقليات والمهمشين ومحاربة تلك الممارسات بالفن والإبداع .
هناك قضية اخرى ما بين معارض لإلغاء فكرة حق تقرير المصير وما بين مؤيد والجميع على بينة عن تاريخ اضطهاد القومية والتنكيل الذي مورس بأبنائها وسلبهم كرامتهم ولهم تاريخهم طويل في الكفاح حتى استنزاف حياتهم تلك القضية والممارسات التي باتت تؤرق مضاجع القادة والحكام لهؤلاء العنصرين ، وقد تبنى ميثاق الامم المتحدة مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير إذ نص في المادة 1 فقره 1 : لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير وتختار بحريه كيانها السياسي وان تواصل بحريه نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، فيعيش العنصريون على استضعاف الاقلية وانتهاك حقوقها ليسلبوا جزء من المجتمع أبسط مقومات الحياة ، حيث أن القضية أصبحت عبارة عن مصالح اقتصادية ومادية .
وما يتم في بعض البلدان من اضطهاد عرقي وديني ممنهج ، من بعض من يعتبرون أنفسهم أصحاب البلاد ليمنحوا أنفسهم الحق في السطو على حريات البسطاء وكل من يخالفهم ، وأنهم يمنحون الأخر بعض كراماتهم بأن يتركون الاقلية تعيش بينهم ، ومنهم من اعتبروا ذوي الأصول (سين ) بمرتبة العبيد لا يتم توظيفه إلا في الوظائف الوضيعة والمهينة لإنسانيته كنوع من الإذلال ، وليس من حقه أن يعيش متساوي في الحقوق والواجبات الوطنية ، ممارسات غير حضارية ولا إنسانية ، ومحرومين من أبسط مظاهر الحضارة ، وحقوقهم مسلوبة من صحة وصرف صحي وكهرباء ومياه صحية نظيفة مروراً بالاضطهاد الخفي الممارس ضد الأقليات وتميز في حقوق المواطنة وهذا ما يحدث في بعض المناطق ، تلك الانتهاكات في حقوق الأخر والأقليات تتعارض مع روح التسامح التي تنشرها الأديان مع اعتدال الضمير والحياة المشتركة وروح السلم ، على الحكومات أن تحتوي تلك الفتن قبل أن تكبر وتتفاقم الأوضاع وتتراكم المشكلات ، فالتعددية لأجل مجتمع متكامل لا لأجل التشتيت والتقسيم وهذا لا يأتي إلا لو تم إدراك أن المجتمعات ، لابد أن تقبل بما هي عليه من مكون ثقافي واحد لا يقبل أن يتجزأ  كي لا تفقد الدولة أبسط مقوماتها ، ومضمون المواطنة لتصبح دولة مليشيات وتحزب وانتشار لأمراض التطرف وضعف لسلطات و أجهزة الدولة ، ولهذا الاسباب يقسم البلد نتيجة تلك النظرة وتلك الممارسات .
كل هذه المشكلات مجتمعة يحاربها الفن والإبداع والأدب وكتابة الشعر والملاحم ، وكشف عن عورات الأمراض المكبوتة في جسد الأوطان ، فكثير من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات عالجت امراض المجتمع لتذكر الناس وتفضح الممارسات العنصرية التي مورست فوق تلك الأرض بتاريخها الطويل من الاضطهاد ضد الاقليات وضد كل من لا يشبه جماعة العنصريون ، فجميعها أنواع من الفنون الانسانية والأدب الحالم ، وتكتب الآم التاريخ وتسطر الإنسانية الحيّة أوجاعها بعيداً عن زيف شعارات الحكام وسطوة القادة الذين دائماً ما يخشون كل صاحب فكر و مبدأ و فن وإبداع.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

932 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع