رشدي عبد الصاحب وحكاية ذات مغزى !!

                                                

                                بغدادي

القصة رويت على لسان ألأعلامي العراقي زيد الحلي:
في مثل يوم امس (٢٤ نيسان ١٩٩٤) غادرنا الى دنيا الخلود ، الاعلامي الكبير المذيع رشدي عبد الصاحب.

  

لكم اصدقائي ، اروي ما حدثني به رشدي عن احدى محطات حياته الوظيفية ، غير المعروفة ، قبل ان يصبح مذيعاً مرموقاً في إذاعة وتلفزيون العراق ذاكراً انه شغل وظيفة إدارية بسيطة في مستشفى الرشاد للأمراض العقلية " الشماعية " ببغداد في أوائل ستينيات القرن المنصرم .. ومما رواه في حديثه ، ينطبق على ما نشاهده ونسمعه اليوم من تصريحات وبيانات سياسية .. كيف ؟ قال رشدي : طلب اليّ مدير المستشفى يوماً ، اختيار مجموعة من المرضى ، غير العدوانيين والذين يميلون الى الدعة والانطوائية ، للقيام بعمل بسيط وهو حراثة القسم الخلفي من المستشفى ، وكان ترابياً ، لزراعته ببعض الشتلات ... باركتُ فكرة المدير ودعوت بعض المرضى من ذوي المواصفات المطلوبة ، وهيأت لهم ( المساحي) وأدوات الحراثة البسيطة الاخرى .. وبدأ العمل على بركة الله ! ويكمل " ابو وسام " روايته : جلسنا انا والمدير في الحديقة الامامية للمستشفى بعد ان شرعنا شبابيك وباب غرفة المدير الى الهواء ، لتغيير جوها .. وأخذنا نتبادل الحديث والشعر ، وكان الرجل محباً للشعر ومن هواته .. وبعد حوالي نصف الساعة او اكثر على بدء المرضى لعملهم ، الذي كنا نعتقد ان سيسهم في تغيير نفسياتهم ، رن الهاتف الخاص في غرفة المدير ، فنهض للرد عليه ، واذا به يأتيني مسرعا ، شائطاً عالي الصوت ، مكفهر الوجه ، زائغ العينين ( رشدي .. إسرع ، لقد دخل المرضى غرفتي وانهالوا على طاولتي بالضرب بمساحيهم ، ورموا قناني الاحبار بألوانها الثلاثة ( الازرق والاخضر والاحمر) على سجادة الغرفة وعلى أرائك الجلوس ورشوا عليها الماء ، ورموا ما موجود في الثلاجة على الأرض وكسروا إطارات الشهادات والصور المعلقة على الجدران .. و.. و.. ) وهرعت الى غرفة المدير ، فوجدتُ المرضى في عز فرحهم داخل الغرفة ، وكانوا يغنون بصوت خفيض لكنه مسموع نوعاً ما ( دكتور ، جرح الأولي عوفه .. وجرح الجديد عيونك أتشوفه ) وهي أغنية كانت مشهورة في وقتها للمطرب عبد الجبار الدراجي ! وعندما رأوني وقد تبعني المدير ، توقفوا عن " فعالياتهم " واصطفوا بشكل نظامي وكأنهم طلاباً جاءهم المدرس .. وانبرى أحدهم وهو ( حسون الأمريكي ) الشخصية البغدادية الشهيرة ، وكان أحد مرضى المستشفى قبل ان تتحسن حالته ، ويخرج نهائياً بعد تلقيه العلاج اللازم ، متكلماً بصوته المائل الى النعومة ، مخاطباً المدير ( ها دكتور ... عجبتك الحديقة ؟ ) فضحك المدير على مضض وقال : شكراً يا جماعة ! ويضيف محدثي في روايته وكأني بحديثه الذي مضى عليه خمسة عقود ونيف أستشعر واقع اليوم : لقد لاحظت ، ان المرضى كانوا يأتمرون بأمرة " حسون الامريكي " ويطيعونه بشكل عجيب ، حيث لم ينفذوا أمر المدير في العودة الى ردهاتهم ، لكن ما أن أمرهم " حسون الامريكي" حتى لبوا الأمر ، وحمل كل منهم عدته بهدوء وذهبوا باتجاه أماكنهم ، وعند ذاك تقدم " حسون الأمريكي " الى المدير ، ماداً يديه للمصافحة ، فقابله المدير بالمثل .. وأنتهى ذلك اليوم على خسائر ، تكبد أثمانها المدير !
رحم الله صديقي رشدي عبد الصاحب والرحمة موصولة لـ ( حسون الامريكي ) الذي ما زالت سطوته على المجانين في وطني حتى اللحظة.. وما أشبه اليوم في البارحة !!

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1165 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع