حتى لا ننسى ، ٢٥ سنة مضت ! ‏

                                                    

                            سيف الدين الألوسي

في مثل هذه الليلة ومنذ ربع قرن من الزمان ، بدأت عاصفة الصحراء ، العاصفة التي تآمرت فيها جميع الدول فيها على العراق وشعبه ، وبداية التدمير الحقيقي للبنى الاجتماعية والتحتية والأخلاقية للعراق ،

كانت الحرب العراقية الإيرانية تدور على المناطق الحدودية من العراق وما عدا بعض المدن التي تأثرت بالحرب مباشرة كالبصرة وهي اكبرها وبعض المدن الأصغر مثل مندلي وزرباطية وبدرة وحلبجة وبنجوين وغيرها ، اما المدن الاخرى الكبرى في العراق ومنها العاصمة بغداد ، فلم تتاثر بالقصف والحرب مباشرة وسوى بعض الغارات الجوية بداية الحرب ومن ثم القصف الصاروخي الإيراني الذي بدا سنة ١٩٨٥ ولغاية انتهاء الحرب وبصورة متقطعة ....
لهذا السبب لم يكن معظم العراقيين من النساء والأطفال والشيوخ يعرفون معنى الحرب الحقيقي والقصف الجوي وحتى أصوات مقاومة الطائرات المرعبة للأطفال ، وكانت هذه الحرب هي الاولى التي استهدفت المدن وسكانها الأبرياء ،
مضى على تسريحي من الخدمة سبعة أشهر فقط وبعد اثنتي عشر سنة ، بعد التسريح بشهر دخل الجيش العراقي الكويت وبدأنا مرحلة اخرى من الحروب والتعقيدات .
كنت احلم عند تسريحي بمسح ذاكرة الماضي والبدا بحياة مسالمة اتفرغ فيها للعمل وتربية اولادي وابنتي وتعليمهم ،حيث كان ابني الكبير في الرابع الابتدائي والثاني في الروضة والبنت عمرها سنتين !
بدا التحضير للحرب من توزيع كوبونات الطحين والصمون والخبز والنفط والبطاقة الدوائية للامراض المزمنة وكأنها قادمة لا محالة ! كل الضباط وكل من خدم في الجيش كان يعرف ان هذه الحرب ستدمر الجيش وكل التطور والمقدرات التي حصل عليها ، لم يكن هنالك قنوات فضائية وكان الصديق الوفي للجميع هو الراديو وخصوصا الراديو من سوني العجيب ذو الاحدى عشر موجة !!!! ولهذا السبب اشترينا كمية كبيرة من البطاريات الجافة لكونه كان يصرف بطاريات كثيرا !!!
حاولنا خزن ما يمكن خزنه من النفط والبنزين والمواد الغذائية من طحين ومعلبات وبقوليات وادوية واسكنجبيل !وبما انه بيتي يقع في منطقة فيها العديد من المنشآت المهمة والتي كنّا نسمع من الأخبار بان دول العدوان ستستهدفها ، فقد جعلنا هنالك بدائل لاخلاء العائلة والوالدين والأطفال في حالة بدا الحرب ، انتقلنا قبل يوم واحد من الحرب الى منطقة الصليخ حيث بيت الاقارب والخال ، ومعنا بعض الأشياء الضرورية ، عند المساء سمعنا أصوات وانا اميزها من ونة الكير وهي منصات إطلاق صواريخ ارض ارض سكود ومعها الصواريخ ، حيث تم تخزينها في المشتل العسكري بالصليخ المقابل لدور الأقرباء ، اتخذت قرارا بالرحيل مع الاطفال والعائلة الى الحلة حيث يوجد لدي بعض الاقارب هناك ، غادرت الى الحلة وعند وصولي. بدأت الحرب ! !! سمعت الطائرات وقصف الصواريخ على المنشآت القريبة وتركت العائلة والأطفال في الحلة وعدت مسرعا الى بغداد لجلب والدي ووالدتي و تحت القصف ومقاومات الطائرات المنتشرة بكثرة حول منشات التصنيع العسكري وصولا الى الدورة والمصافي !!! وصلت الى الصليخ وكانت اهدا من غيرها وقبل ان يتم قصف الاستخبارات العسكرية المقابلة لها لاحقا ، ذهبت الى داري لان المنشآت القريبة منه قد قصفت ومنها الاتصالات والبرج والمخابرات ، فان زجاج النوافذ مهشما وبعض الأبواب مخلوعة من شدة القصف !!! أتى علي بعض الحراس من دايرة المخابرات وقالوا ، أسرع بالخروج من المنطقة لانها مستهدفة بشدة واترك البيت ولا تقلق ، ادعو لهم بكل الخير الى اليوم ..........
رجعت الى الحلة بعد ان اخذت البنزين من البيت وملأت السيارة ومعي صوبة علاء الدين لعمل الخبز عليها ، وفي الطريق ايضا كان هنالك قصف شديد ، وصلت والحمد لله وكنا اربعة عوائل في بيت صغير بالحلة ، في الليل وبعد منتصفه قصفت الحلة قصفا شديدا ومنها المركز الصحي القريب على البيت الذي كنت اسكن فيه وتهشم الزجاج ايضا ، وقد قيل بان طائرتين قطريتين قد قصفتا الحلة ومعها طايرة سعودية !!! ولهذا السبب لم يكن القصف دقيقا وتهدمت عدد من الدور القديمة قرب مركز الحلة !
في الصباح الباكر رجعت وأخذت العائلة الى بغداد وقلت لهم بان العمر واحد ولنرجع الى بغداد ، ورجعنا وعند وصولنا الصليخ ظهرا تم قصف الاستخبارات بشدة وتهشم زجاج البيت الذي في الصليخ ، كل ما اتذكر رعب الاطفال ومنهم ابن اخي الذي كان يخدم في شبجة بكربلاء والساعات المريرة اصاب بالغثيان !!!
وبقينا على هذا الحال وقد اشتريت دراجة هوائية استعملها في بعض الأحيان اقتصادا للبنزين وعند التسوق وزيارة بعض الأقرباء والاصدقاء في الاعظمية والصليب والوزيرية والمناطق القريبة ، رجعنا الى البيت بعد جريمة ضرب ملجا العامرية ، وقلت لهم اذا نموت خلي نموت ببيتنا !!!!!! وبعد ان صلحنا بعض الشبابيك وهيأنا غرفة واحدة لنا جميعا ، تلك ذكريات أوجزها بسرعة ورغم ان لي ذكريات وحوادث تحتاج الى كتاب حتى اذكرها بالتفصيل !!!!!انتهت الحرب ، وبدأنا مرحلة اخرى هي مرحلة الحصار وبقيت المراحل والحروب مستمرة الى إشعار اخر والى اليوم !!!!!
السؤال الى كل الدول كبرى وصغرى ومن شربت من دماء العراقيين طيلة اربعين عاما والى اليوم !!!! الا يكفيكم اجراما بحق هذا الشعب المظلوم ، وانا لا أعاتب الدول التي لها عداء مزمن للعراق ولكن الدول التي تدعي العروبة والإسلام والتي نهلت من أموال العراق وخيراته الكثير !!!!!!!! ولا جملة اقولها اليوم ،،،، الا. حسبي الله ونعم الوكيل ،،،،،، عاش العراق واهله جميعا .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

702 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع