من الذي قتل النمر؟

                                                           

                                 إبراهيم الزبيدي

لا أحد ينكر أن إيران دولة كبيرة وغنية بشعبها ومواردها وتاريخها الحضاري العريق. ولكن تعالوا نفتش عن الضرورة الوطنية والقومية والدينية والطائفية والسياسية التي جعلت الخميني، ومن بعده خامنئي، يدير ظهره لجميع العلاقات الإقتصادية والسياسية والثقافية والسياحية المثمرة البناءة التي كانت لإيران، قبل مجيئه، مع دول العالم، ومنها دول المنطقة العربية، ويختار مناطحة البحر البشري العربي(السني والشيعي معا) دون أن يخطر بباله أن يأتي يوم لهذا الطوفان العربي فيصحو، وينهض ، ويرمي وراء ظهره وسائل الدفاع السلمي العقيم، وسياسة النفَس الطويل والعد إلى العشرين، وليس إلى العشرة، وديبلوماسية الشكاوى المتلاحقة (المملة المذلة) التي تعب منها وملَّ مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ويعتمد سياسة (لا يفل الحديد غير الحديد)، والبادي أظلم.

مناسبة هذا الكلام الإجماع الجديد والفريد من نوعه بين حكومات الدول العربية، على النهوض بحزم وعزم لردع العمائم الإيرانية المتغطرسة، وعلى الرد على الصفعة الإيرانية الواحدة بصفعتين وثلاثٍ وأربع، إلى أن تفيء إلى حكم العقل والآدمية والدين.

لم تشذ عن هذا الإجماع العربي المثير حتى حكوماتٌ عربية كانت، إلى عهد قريب توهم نفسها بجدوى الحوار العقلاني مع نظام حكم حجري يقود بلاده وشعبه بمفاهيم القوة المتوهَّمة، وبأحلام الإستعمار القديم، فيضلل ناسه وأتباعه ومريديه ومقلديه، ويدفع بهم إلى التهلكة، كما فعل بنمر النمر، وبمئات وآلاف من أمثاله الذين صدقوا وعوده، وتدافعوا إلى مناطحة الصخور في بلادهم، إيمانا منهم بأن طرزان الإيراني سيهب لنجدتهم وقت الحاجة، فيقتحم سجونهم، ويحررهم من قيودهم، ويحملهم على حصان أبيض عائدا بهم إلى جنان الخلد في طهران.

ألم يساهم واحدٌ مغرور ومتعجرف ومتهور كقاسم سليماني في إعدام نمر النمر حين هب متوعدا: "إذا أعدمت السعودية نمر النمر صباحا سنصلي عصرا في مكة"؟

إن هذه الرؤوس المنتفخة بالغرور والعنجهية، كرأس سليماني وأمثاله، تقتل أتباعها ووكلاءها حين تعدهم بنجدتهم، وقت الضيق، ثم تتركهم، وحدهم، لأقدارهم، دون معين.

ويقال إن النمر قد اعترف بما نسبته إليه المحكمة السعودية من تُهم، وأكد أنها عقيدته التي لا يتزحزح عنها. ومنها "التغرير بصغار السن ومن في حكمهم، والدعوة الصريحة لولاية الفقيه، وجعل الحكم في السعودية، وهي وطنُه الأم، لتلك الولاية".

وكما ترك النظام الإيراني "أبناءه" الحوثيين يتجرعون كؤوس السم، وحدهم، ويتساقطون على جبال اليمن وسهولها، ولم يقم بأي فعل حقيقي، كما وعد وتوعد، يبعد عنهم شبح الهزيمة المخزية، ها هو يفعل الشيء نفسه مع النمر، ويبلع تهديده ووعيده، ويكتفي بحرق سفارة في طهران، ثم يعتذر عن هذا التصرف الهمجي الأحمق، ويعد بمحاسبة القائمين به، وهو يعلم، ونحن نعلم والعالم كله يعلم، بأن أحدا في إيران لا يجرؤ على عملٍ كبير من هذا النوع غير الحرس الثوري والإمام.

نعم. لقد استنكر الولي الفقيه إعدام النمر، وتوعد السعودية بغضب إلهي قريب، ناسيا أن إيران، في ظل حكمه غير الرشيد، لا يجاريها في إعدام المعارضين أحد على وجه البسيطة.

إن الولي الفقيه لا يتحمل جريرة سفك دماء خصومه وأعدائه فقط، في البحرين واليمن وسوريا ولبنان والعراق، ولكنه أيضاً، وقبل ذلك، يتحمل جريرة قتل أتباعه ومريديه الذين يأمرهم بأن يرموا أنفسهم في التهلكة، ثم لا يأتيهم منه شيء ذو قيمة، بل كلام في كلام.

وتعالوا ندقق في حجم إنفاق النظام الإيراني على إشعال الحرائق في العراق وسوريا ولبنان واليمن والسودان والبحرين وغيرها، وتدبير المؤامرات والدسائس والاحتراب، وتمويل وتسليح وتدريب المئات والآلاف من القتلة الإرهابيين، شيعة وسنة.

وتعالوا نجري جردة حساب عاجلة لعدد القتلى والمشوهين والمغيبين والمفقودين والمهجرين من العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين والبحارنة والإيرانيين، ونحدد الجذور الأولى لكل ما حل بالمنطقة من كوارث، من أول أيام عودة الخميني إلى إيران وإلى اليوم.

ولنعد إلى أسباب جميع الفواجع والأزمات والضطرابات، في إيران والمنطقة، من أول مجيء الخميني من باريس في عام 1979 وإلى اليوم، بدءًا بفرض العقوبات على الشعب الإيراني، وضرر المنطقة كلها منها، وتدهور أسعار النفط العربي والإيراني، واقتراب الدولة العراقية من حافة الإفلاس المطلق، وانهيار سوريا وخرابها، وضياع نصف أهلها بين قتيل ومشرد ومفقود، واحتراق اليمن أرضا وشعبا، وتعطيل السياسة والثقافة والتجارة والسياحة في لبنان، ومعاناة البحرين من معارضة إيرانية الهوى، وتشرذم الفلسطينيين.

ولنحصِ حجم الخسارات التي لم تُصب الحكومات العربيةَ، فقط، بل أفقرت المواطنين الإيرانيين، قبل غيرهم وأكثر من سواهم، حين قتلت تجارتهم مع دول المنطقة، مستثمرين أو تجارا أو عمالا وموظفين.

ترى كيف كانت ستكون المنطقة وإيران ذاتها لو أن النظام الإيراني أنفق على أبناء الطائفة الشيعية العربية الذين يزعم أنه وليُّهم المخَلـِّص المجاهد لإسعادهم جميعَ المليارات التي أنشأ بها وسلح ومول حزب الله لبنان، وحوثيي اليمن، ومليشيات العراق، وحماس فلسطين، ومعارضة البحرين، وأمرهم بأن يقيموا بها، في أحيائهم ومدنهم وقراهم، مزارع ومصانع ومدارس ومستشفيات، أما كان سيجعلهم أعزة، وأكثر أمنا، وتحضرا، وصدارةً في أوطانهم؟ وأما كان ذلك أنفع لهم ولأجيالهم القادمة، ولإيران ذاتها؟ وأما كانوا اليوم أقل مآتمَ وصناديقَ مجللةً بالسواد بالعشرات، وأحيانا بالمئات، تحمل كل يوم خيرة الشباب الشيعة، يتساقطون في الحروب الشمشونية الخائبة التي أشعلها وما زال يشعلها الولي الفقيه؟

وفي الدول التي يزعزع أمنها واستقرارها ويستنزف ثرواتها قاسم سليماني وحرسُه الثوري ومليشياته المستأجرة أما كان السنة العرب أهدأ بالا، وأقل قتلى ومشوهين ومفقودين ومهجرين، وأكثر مودة وتآلفا ونفعا لإيران نفسها؟ هل من يفسر لنا هذا اللغز العصي؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

626 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع