قصة صعود ايزيس/ الحلقة الأولى

                                                                   

                                 د. سيّار الجميل

             

                     

                        قصة صعود ايزيس| الحلقة الاولى |

          تحليل كتاب "صعود داعش: إيزيس والثورة السنّية الجديدة"

ان ما هو جوهري هو الذي يجري "على الأرض"!

باتريك كوكبرن

 بدأ بارتريك كوكبرن Patrick Cockburn كتابه الجديد " صعود الدولة السنية الإسلامية: اس اس والثورة السنيّة الجديدة " (2015), The Rise of Islamic State: Isis and the New Sunni Revolution, London and New York: Verso, الذي نزل الى الاسواق قبل ايام ، وقد استطعت ان اطلع على نسخة منه وصلتني قبل 3 ايام ، وقد صدر لمناسبة مرور سنة كاملة على سقوط الموصل بأيدي تنظيم داعش ، وتوسّع حدودها، التي كانت ولم تزل تعمل بقوة تنظيم ارهابي يمارس كل الوسائل من اجل تهديدات جديدة وتوسعه في كل العالم . وتعتبر حركة داعش هي الأسرع نموا في تاريخ الشرق الأوسط عبر التاريخ .. لقد قرأت هذا " الكتاب " ، وتوقفت محللا جواب من محتوياته المهمة ، ولكن دعوني اقدم في البداية شيئا عن مؤلفه .

وقفة عند المؤلف باتريك كوكبرن Patrick Cockburn

باتريك كوكبرن أوليفر ، من مواليد 5 مارس/ آذار 1950 ، صحفي ايرلندي كان مراسل الشرق الأوسط لصحيفة فاينانشال تايمز، ومنذ عام 1991، ثم الاندبندينت . كما عمل مراسلا في كل من موسكو وواشنطن . كتب ثلاثة كتب عن تاريخ العراق الحديث. وقد حصل على جائزة مارتا جيلهورن عام 2005، وجائزة جيمس كاميرون عام 2006، وجائزة أورويل للصحافة عام 2009، وجائزة الصحافة الدولية عام 2010 ، وغيرها من جوائز الصحافة البريطانية 2014. ولقد التقيت به مرة واحدة في المجلس الدولي للصحافة بالعاصمة البريطانية لندن مساء يوم السبت 8 أيار 2010 عندما منح جائزة المجلس ، وبعد ان القى كلمته سألته في لقاء معه عن رؤيته الى مستقبل العراق ، فقال : انه مستقبل غامض في ظل سياسة متبرمة من المجتمع المنقسم على ذاته . ولد كوكبرن في أيرلندا، ونشأ في مقاطعة كورك. وكان والداه كل من الكاتب الاشتراكي المعروف والصحافي كلود كوكبرن وباتريشيا بايرون . تلقى تعليمه في كلينموند Glenalmond، في بيرثشاير، وكلية ترينيتي في أوكسفورد. وعمل باحثا في معهد الدراسات الايرلندية، جامعة كوينز بلفاست، 1972-1975. تزوج عام 1981 من جانيت اليزابيث مونتيفيوري (14 نوفمبر 1948)، بروفيسورة الأدب الإنكليزي في جامعة كينت، كانتربري، وهي ابنة الراحل الأسقف هيو مونتيفيور .

كتب باتريك ثلاثة كتب عن العراق. ، هي : الخروج من الرماد: قيامة صدام حسين، وكتبه مع شقيقه اندرو قبل الحرب في العراق. واعيد نشره لاحقا في بريطانيا ، ولكن بعنوان : صدام حسين: هوس الأميركيين. وله عليه اضافاته بعد الغزو الأمريكي للعراق ، وخصوصا ما ضم اليه من بعد بعض تقاريره من العراق. وهناك كتابه : الاحتلال: الحرب والمقاومة في العراق (2006) وهو اشبه بتقارير عن العراق . ويأتي كتابه الجديد وهو يعالج موضوعا بالغ الأهمية سواء ما يخص الغزو ، او ما يخص تطور آليات السلفيين السنّة الاصوليين الذين يشكلون جزءا كبيرا من التمرد الحاصل في العراق . وجاء كتابه الاخر عن السيد مقتدى الصدر، بعنوان : إحياء الشيعة، والنضال من أجل العراق في عام 2008. وقد درس فيه تفاصيل التيار الصدري من خلال منهجه الصحفي وسلسل تاريخ عائلة الصدر دينيا وسياسيا بشكل بارز ، وكيفية صعود مقتدى، وتطور ظاهرة تياره منذ العام 2003 ، وقام كوكبرن بتأليف كتاب الجهاديين الموسوم : العودة: إيزيس وانتفاضة جديدة في سنة (2014)، وهو الكتاب الذي ترجم إلى تسع لغات، ثم كتابه الاخير الذي اضاف الى كتابه السابق جملة هائلة من التحليلات والشروحات والمعلومات المقارنة وهو بعنوان : صعود الدولة الإسلامية: إيزيس والثورة السنية الجديدة (2015). ان كلا الكتابين يتبنى الاجابة عن كيفية ولادة ونشوء داعش في العراق والشام (إيزيس = داعش ) وكيف كانت لديها القدرة على اقامة دولتها ( = الخلافة الاسلامية ) في شمالي العراق وشرقي سوريا . كما نشر أيضا سلسلة مقالات عن الاتحاد السوفياتي في 1989، فضلا عن مشاركته في كتاب شياطين هنري وغيره من الاعمال القوية . ولقد راقب في السنوات الاخيرة ما جرى من مذابح وحشية في سوريا والعراق ، فكان ان اثمرت تلك المذابح هذه الدولة الاسلامية التي اجده في تحليلاته لها واقفا موقف الحياد ، مسميا كل الاشياء باسمائها في ريبورتاجاته وتقاريره وحتى كتبه !! وهو مطلع على المذابح وحالات الاستئصال الطائفي المقيت ، وخصوصا في العراق .

ولادة ايزيس / داعش

لقد ولدت هذه " المنظومة " الصلبة التي لا تعرف لغة التفاهم ، في خضم الحروب الأهلية العراقية والسورية معا بعد العام 2009 ، وهي نتيجة تاريخية متوقعّة للسياسات الطائفية التي اتبعتها ايران بعد ثلاثين سنة من حدوث الثورة فيها عام 1979 . وكانت هذه داعش قد أدهشت العالم في العام 2014 من خلال إنشاء قوة جديدة وقوية في الشرق الأوسط – على حد تعبيره - . اذ قامت بالجمع بين التعصب الديني والقوة العسكرية، والخلافة المعلنة الجديدة ، وهي لا تعرف السياسة او التفاوض بقدر ما تعرف القتل والتدمير . وعليه ، فهي تشكل خطرا على الوضع السياسي الراهن في المنطقة بأسرها. في صعود داعش، يصف باتريك كوكبرن طبيعة الصراعات الداخلية والتي يعتبرها وراء انهيار جذري في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وقال انه تبين كيف خلق الغرب شروط النجاح لهذه المنظمة الخطيرة وفي منطقة قابلة للانفجار قبل تأجيج الحرب في سوريا. وان ثمة ردود فعل ساخنة جدا ازاء الغرب ، وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية وحلف شمالي الاطلسي في محاربته تنظيم القاعدة من طرف ومغازلته للشيعة في العراق وايران ، اذ خلق إمكانية جهنمية للسنة الجهاديين المسلحين ، ولم ينفع أي تحرك ضدهم بفشله بعد فوات الأوان ، وخصوصا ضد رعاة الجهادية في المملكة العربية السعودية وتركيا وباكستان.

صعود داعش - قصة إيزيس من رحم القاعدة

يؤشر باتريك كوكبرن عدة حالات في طريقة صعود إيزيس وما تميزت به هذه " المنظمة " من ذكاء وتخطيط بعد ان افتقد الانسان في العالم الاسلامي أي جدوى من الغرب ، وغدت افكاره لا يعتمد في اذكائها على القراءة المحبطة له لما اساء له الغرب كثيرا ، وهو في الاساس قد تربى على كراهية الغرب المقترن لديه بالاستعمار ، ولكنه اصبح اليوم يعيش نار الحرب الضارية ، فكان ان غير هدفه من عدم الاقتصار على تغيير الانظمة السياسية الدكتاتورية التي رعاها الغرب ، بل لتأسيس داعش التي لا علاقة لها مع الغرب ! ان مقاتلي إيزيس في سوريا، قد بدأوا يتحركون في أكتوبر \تشرين الاول2013: كما يكتب كوكبرن .. ولم يلتفت اليهم احد من المحللين ولا المصورين ولا المتابعين !

لقد كان ذلك في المراحل المبكرة ، وهي مرحلة جديدة واقوى واكثر عنفا من التشدد الإسلامي. اثر مصرع أسامة بن لادن في مايو / آيار 2011، واندلاع الثورات الشعبية في معظم أنحاء العالم العربي، وخصوصا في ميدان التحرير بمصر او شوارع ليبيا واليمن .. كلها احداث كانت تعد إيذانا تاريخيا بانتهاء دورة زمنية كانت قد بدأت مع هجمات التاسع من سبتمبر الشهيرة ( أي عشر سنوات بين 2001 و 2011 ) لقد كانت دورة ابن لادن قد بدأت في سبتمبر / ايلول 2001 . وقد بلغت ذروتها من حيث العنف طوال عام 2005 ، ثم هدأت في نهاية العقد الزمني ، وقفلت بالثورات العربية ( التي اسميت حالتها بالربيع العربي ) ، وكان لابد ان تستلب تلك الثورات استلابا من قبل اعدائها اللدودين الذين يمثلون الجماعات الجهادية الاسلامية وتيارات العنف الاسلاموي ، اذ وجدت جماعات متشددة ارهابية كل في حيزها الجغرافي والأيديولوجي ، وقد وجدت ان قوتها قد تقلصت وحيويتها قد ضمرت ، في المدن والدواخل ، فما كان الا ان تنشأ لاستعادة قوتها من جديد وبدت تعمل على قدم وساق ، ولكن في مساحات شاسعة من الصحراء وفي عشرات البلدات الاخرى تحت سلطات غاية في التطرف كالتي تتوزع في اماكن موبوءة بالحروب الاهلية في الشرق الأوسط، ولقد وجدت نفسها مستقطبة جيل من الشباب المحبط والذي تربى على الالتزام وعلى حلم الخلافة الاسلامية ، فانبعثت طاقة جديدة لم يكن يمتلكها تنظيم القاعدة ، كما وساهمت وسائل الاتصالات الحديثة واستخدام الشبكات الخاصة في تدفق الجهاديين مع السيطرة على المعلومات من خلال تلك الشبكات التي لا تعد ولا تحصى فكان ان تبلورت حركة تنظيمية لها سيطرتها وقوتها .

يمكن للمرء ان يحدد أربع فئات نشيطة من المتشددين في الوقت الراهن. اذ هناك مجموعتان رئيسيتان تقاتل من أجل التفوق : تنظيم القاعدة المخضرم اولا وتنظيم الوافدين الجدد ايزيس الذي نجح في تأسيس داعش . وهناك العديد من المنظمات التابعة لكل من الطرفين الاول والاخير .. وهناك مجموعات أخرى مستقلة تماما، على الرغم من أنها قد يكون لها بعض الاتصالات الترابطية مع مسلحين آخرين، مثل المنظمة الكريهة المسماة بوكو حرام في نيجيريا . ثم هناك جماعات بالمئات تعمل لحسابهم الخاص، والشبكات ذاتية التكوين من جماعات لا حصر لها ، وهي تتشكّل من الإرهابيين الذين يتحملون المسؤولية بشكل متزايد عن العنف في شوارعنا واحيائنا ومرافقنا الحيوية . ان هذه الصورة ستبقى كئيبة لزمن طويل قادم على أقل تقدير.

ان قدرة المسلحين على الحاق الضرر بكل من يخالفهم او حتى يقف موقف الصامت تجاههم ، فهم يؤمنون بأن من لم يكن معهم ، فهو ضدهم تماما .. ان تلك " القدرة " تأتي دوما من خلال الاتصالات بين كافة المجموعات المتلاقية اهدافها وغاياتها ، وخاصة بين هذه الفئات الأربع. وعليه ، فثمة تنسيق بينها على سيرورة العمليات والتزام الصمت عند كل الاطراف كما حدث في هجمات باريس في أوائل يناير / كانون الثاني 2015 ، تمثلت الاولى في الهجوم على سوبر ماركت يهودي، ومقتل أربعة، بينما تم الهجوم على هيئة تحرير المجلة الساخرة شارلي ابدو ومقتل عشرة من اعضاء هيئة التحرير فضلا عن قتل اثنين آخرين . لا يمكن أن يكون الحادث بسيطا ، بل كان ذلك مرعبا، وهو تذكرة قوية من تزايد معاداة السامية في أوروبا. ولكن هذا الحادث الأخير كان من الأهمية العالمية، مما دفع التعليق الهائل والاهتمام من وسائل الإعلام وقادة العالم ومع الهدف الذي اختارته بعناية، وكشف عن مواقف الاستقطاب الشديد بين الكثيرين في الغرب وكثيرين في العالم الإسلامي. كان الهجوم على شارلي ابدو له مخطط حضر في اليمن من قبل جماعة القاعدة .

انتظروا الحلقة الثانية

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

787 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع