الانتفاضة العراقية ... أمل في الخلاص

                                                


                           د. ضرغام الدباغ *

صدر في ألمانيا في أعقاب الحرب العدوانية على العراق 2003 كتاب يحمل عنواناً مثيراً :  القنابل فوق بغداد ... ليس بأسمنا ..(Bomben auf Bagdad ...Nicht in Unserm namen) أو (Not in our name) هذا الكتاب أعلن فيه علماء ومثقفون وكتاب وفنانون وسياسيون، الإدانة الواضحة دون لبس بما جرى ويدور في العراق،

فقد بدا واضحاً حتى قبل أن تبدأ الحملة الحربية العدوانية الظالمة أنها لا تدور من أجل الديمقراطية، ولا من أجل أسلحة دمار شامل، وبقدر كبير ليس من أجل النفط. بل هي حرب همجية كان هدفها الرئيس إنهاء مسيرة النهضة العربية التي كان العراق بؤرتها الأساسية، وإبادة منجزاتها، مسيرة كانت ستبلغ درجة من النضج والتألق في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والصناعية والثقافية.

اليوم تجتاح العراق انتفاضة يعلق عليها الشعب الآمال في فجر جديد ... وربما ولادة عراق جديد والخلاص من داومة وضعت العراق تحت المطرقة والسندان. تنهال عليه الضربات من كل حدب وصوب، لم تبقي ولم تذر. منذ ثلاث عشر عاماً، العراق البلد الوحيد في العالم السرقة فيه حلال زلالاً، يصرح مسؤولوه وسياسيوه علناً أمام العدسات أن الفساد لا يمكن أن يقضى عليه. ويصرح مسؤول النزاهة أن هناك ترليون دولار مفقود لا أحد يعلم مصيره، ترليون دولار بالنسبة لبلد نام كالعراق هو يمكن أن يكون تحويشة العمر كما يقال،  نعم هكذا ببساطة يقول نائب رئيس الوزراء لا نعلم وكأنه أضاع درهماً ...! المسؤولون السياسيون صرحوا علناً وأمام العدسات، أن الشعب تحت حذائهم، السراق والفاسدين يهددون بشلالات من الدماء، الشعب يريد أن يعرف موقف كل من يعتبر شخصية عامة أو كيان سياسي. أو فليعلن أن ما يدور ليس بأسمنا، ولو متأخراً ...!

صرح مقرر اللجنة المالية في البرلمان العراقي حيدر مسعود، في مؤتمر صحافي ببغداد عقد مطلع الشهر آب / 2015 إن "واردات العراق من بيع النفط منذ 2006 وحتى 2014، بلغت نحو 550 مليار دولار، وأن 60% من ذلك المبلغ، تبدّد على شكل عمليات فساد مالية ضخمة ومشاريع وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، ما كبد الدولة خسائر فادحة، وبلغت قيمة العقارات التي أستولي عليها القطط السمان، 20 مليار دولار، في موجة سعار للاستيلاء على عقارات الدولة.

يقابل هذا الإثراء الفاحش فقر شديد، وتراجع دخول المواطنين، وتوقف رواتب بعض القطاعات، عمال السكك يغلقون الطرق بقطاراتهم وهي تحدث للمرة الأولى في العراق. وأقتراحات بقطع رواتب المدرسين والمعلمين والأساتذة خلال العطلة الصيفية.

أكثر المصادر تواضعاً تقرر أن عدد القتلى في العراق لشهر تموز فقط بلغ 3340 قتيل.

التظاهرات الشعبية تعم المحافظات العراقية، الجماهير تندد بالفساد، وتطالب بإقالة الحكومة العاجزة عن إدارة البلاد، وبنقلة نوعية .

وأوساط النظام من جهة أخرى يشرعون قانوناً يحرم نشاط حزب سياسي بعد ثلاثة عشر عام من القتل والإعدام والاغتيالات والتصفيات والتهميش والاقصاء والأجتثاث, وكل ما هناك في قاموس القمع والزجر ومعاداة الديمقراطية .

العقل السياسي للبلاد يستعصي عليه حل مشكلة تقنية بسيطة كالكهرباء، فكيف سيحل مشكلات أكبر وأكثر تعقيداً ... كل هذه الكوارث تدور منذ ثلاث عشر سنة ومن يعترض فهو إرهابي تجز عنقه المادة 5 / إرهاب ... وبعد ماذا سيحدث ...!

بتقديرنا أن الوضع قد بلغ درجة من النضوج لا ينفع معه علاج سطحي، كأن تمنح حبة أسبرين لمن يعاني من السرطان ... بعد أن أستهتروا بالناس وبمصائرهم وحياتهم، وربما بلغ درجة لا يمكن لوعود هائمة أن تهدئها، في أوضاع لا تتيح للناس سوى أن يموتوا فقط في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل. من اجل تواصل ماكنة التدمير مواصلة عملها في وطن نهب وسرق كل ما فيه وهرب خارج الحدود.

فلنبحث عن القاسم المشترك الأعظم، أو بدقة أكبر : أين يكمن جوهر وجذر الأزمة..؟
ليس حيدر العبادي من شفط هذه المليارات، بل ربما هو أكثرهم نزاهة، ثم أن الأمر برمته ليست أموال مسروقة فحسب، بل وأيضاً في نظام فاسد نجم عن حرب فاسدة يتنصل منها من أشعلها، لكن الأمر في ختام المطاف يشير دون مواربة إلى حقيقة إجمالية هي لب الموضوع وجوهره: أن نظام الاحتلال فاشل، الاحتلال وقواه الظاهرة والخفية، المتقدمة للصفوف، والكامنة وراء الكواليس، كل هذه الجهات فشلت في أن تنتج نظاماً تقبله ولو نسبة ضئيلة من الشعب، وحتى يستتب الأمن في 30% من العراق ينبغي تجنيد مليون ونصف جندي وشرطي، ونصف مليون من قوى ما تسمي نفسها الحشد الشعبي، وهو ما لم يتحقق لا بهذه النسبة ولا تلك.

 نظام الاحتلال لا يهمه إلا أن يبرهن أن لابد من تقسيم العراق وتحطيمه أكثر مما هو محطم، أن المخطط الأمريكي قد فشل كرؤية استراتيجية لعموم منطقة الشرق الأوسط، وحتى لمبتدئ ساذج في السياسة يرى ذلك بوضوح تام، يرى أنهم يتخبطون وتسوقهم أفكار خيالية وهمية في السيطرة والهيمنة. هم يرون أن مشكلات العالم السياسية والاقتصادية والثقافية تتصاعد وأن المجتمعات الغربية نفسها على حافة هاوية بسبب سياسة جنون جني الأرباح بصرف النظر عن كيف الوسائل، والغرب وأطراف المؤامرة على العراق بدأوا يدركون بوضوح أن التطرف الذي يستشري ما هو إلا نتيجة لقمع بلا حدود، وقسوة لا نهاية لها، وسحق لشعوب وبلدان العالم الثالث، أسوء بكثير مما كان يدور أيام الكولونيالية، وما يدور في العراق في الواقع هو تدمير وإفقار وقمع شامل، يقابله حتماً رفض للطغيان، وينجم عن ذلك ثورة وتلك بديهية معروفة ثلاثية: القمع والفقر والثورة ..ليسميها من يشاء إرهاب أو غوغاء فالأمر في النهاية مزاج ورؤية.

ها هي الشعوب التي تتعرض لمثل هذه الأنظمة في : أفغانستان، إيران، العراق، سورية، أفريقيا، تهاجر، وهذا العام فقط بلغ عدد المهاجرين إلى ألمانيا حولي النصف مليون لاجئ، وبريطانيا تعاني كذلك وفرنسا وإيطاليا ... إلى أين بعد .....! من أجل عيون إسرائيل هجر ثلاثة ملايين فلسطيني، واليوم يهجر ملايين من السوريين لكي يبقى النظام الذي يحافظ على أمن إسرائيل، ويدمر بلد مجاور جميل كلبنان لنفس الغرض .. هل هذا يمكن أن يستمر هذا الحال ...!

العراق حلقة في هذه السلسلة ومن نتائج هذه السياسة الرجعية القمعية. وتطور الأحداث يشير إلى صحة تحليلنا ... لا يمكنك أن تحصل بوسائل القمع على نتائج طويلة الأمد ...  ولا يمكن بوسائل الإجرام أن تحصل على نتائج شريفة، هو جاهل في التاريخ والاجتماع من يعتقد أن ذلك ممكن الحدوث في الألفية الثالثة، كل شيئ مسجل صورة وصوت، الوثائق الأصلية موجودة، التحقيقات تجري في مؤسسات قانونية كبيرة، سوف لن يضيع شيئ، سوى الأرواح البريئة التي ستجد يوماً ضمائر تقف لجانبها.    


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمين العام للمجلس السياسي لثوار العراق
المقال جزء من مقابلة تلفازية بتاريخ 9 / آب / 2015

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

795 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع