مواقف إسرائيلية بين التطرف والعبثية

                                             

                             د.منار الشوربجي

ما يقوله هذه الأيام المسؤولون الإسرائيليون الحاليون والسابقون يعكس ارتفاعاً في التطرف الإسرائيلي لمستويات جديدة. فما نشرته الصحف من مقتطفات للكتاب الجديد للسفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن مايكل أورين يكشف ليس فقط عن غطرسة شديدة تجاه واشنطن، الحليف الأهم على الإطلاق لإسرائيل، وإنما يكشف أيضاً عن مستوى خطير من السعي لإخراس اليهود الأميركيين إذا ما خالفوا نتنياهو حتى لو كانوا من أهم أنصار إسرائيل.

فما كتبه أورين يكشف عن الأسباب الحقيقية وراء عدم الود بين نتنياهو وإدارة أوباما. فهو يقول إن أوباما «كسر واحدة من أهم مبادئ العلاقة الخاصة»، حين لم يطلع رئيس الوزراء الإسرائيلي مسبقاً على مضمون خطابه الذي ألقاه للعالم الإسلامي من القاهرة، ولم يطلعه أيضاً على نيته في الدخول في مفاوضات مع إيران قبل أن يفعل.

وكأن السياسة الأميركية لابد أن تحظى بموافقة تل أبيب قبل الشروع في تنفيذها. ولم يصدر بعد عن أي مسؤول إسرائيلي أو أميركي ما ينفي أو يؤكد تلك الرواية الخاصة «بمبادئ» العلاقة الخاصة. أي ليس من الواضح ما إذا كانت بالفعل من المبادئ غير المكتوبة للعلاقة الخاصة بين أميركا وإسرائيل أن يُطلع المسؤولون الأميركيون نظراءهم الإسرائيليين على السياسة قبل تنفيذها.

ليس هذا فقط وإنما انتقد أورين بشدة بعض الكتاب اليهود الأميركيين مثل توماس فريدمان الذي هو من أشد أنصار إسرائيل، ولكنه كثيراً ما ينتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي فيما يراه من سياسات تضر من وجهة نظره بمصالح إسرائيل.

وقد اعتبر مايكل أورين أن انتقادات توماس فريدمان وغيره من الكتاب اليهود الأميركيين لنتنياهو «تماثل العداء التاريخي لليهود»، واعتبر أن أولئك الكتاب مسؤولون عن التغطية السلبية لإسرائيل في الإعلام الأميركي! بعبارة أخرى، لم يعد العداء الإسرائيلي موجهاً فقط لليهود الأميركيين المناصرين علناً للحقوق الفلسطينية، ولا حتى لأولئك الرافضين للاحتلال من واقع القلق على مستقبل إسرائيل، وإنما صار يشمل حتى المناصرين للوبي إسرائيل في واشنطن والمدافعين عن أغلب السياسات الإسرائيلية.

وما نشر حتى الآن من مقتطفات من كتاب مايكل أورين ليس وحده الذي يحمل تطرفاً من مستوى جديد.

فما يقوله المسؤولون الإسرائيليون هذه الأيام خصوصاً في ما يتعلق بالحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل ذهب لمستويات غير مسبوقة في عبثيته. ففي خطاب وجهه إلى اجتماع عقد في لاس فيغاس لمحاربة الحملة قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمجتمعين الأميركيين إنهم «فى الخطوط الأمامية للمواجهة».

واستخدم نتنياهو لغة حربية في مواجهة حركة، سلمية بالمناسبة، هدفها الرئيسي هو الضغط على إسرائيل من أجل أن تتخلى عن احتلالها للأرض الفلسطينية. فهو قال إنه من المهم «تسليح أصدقاء إسرائيل» بالمعلومات للدفاع عما سماه «الحقيقة».

وكان نتنياهو قد اجتمع مع جيلاد إردن، وزير المعلومات والشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، وهي الوزارة التي يقع في اختصاصها محاربة حركة المقاطعة العالمية وبحثا كيفية التنسيق بين الجهات الإسرائيلية المختلفة والمنظمات اليهودية في العالم. وبعد الاجتماع قال الوزير إنه يتلقى «سيلاً من الاتصالات من زعماء يهود حول العالم»، طالبين الإسهام في «المعركة» ضد حركة المقاطعة.

ثم استهل نتنياهو الأسبوع الماضي بتصريح جديد اعتبر فيه أن ما تفعله حركة المقاطعة يساوي ما فعلته النازية باليهود. ففي مؤتمر صحافي مع وزير خارجية بولندا قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إن «العدوان على اليهود يسبقه دائماً التشهير بهم. وما حدث لليهود وقتها (يقصد زمن النازية) هو ما يحدث مع الدولة اليهودية اليوم».

والحقيقة أن عبثية تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي لا تتوقف عند حد تشبيه حركة سلمية لا تستخدم العنف بنظام فاشي كان يقتل ضحاياه بالجملة، وإنما تمتد العبثية لتساوي بين اليهود من ضحايا النازية وبين دولة مثلها مثل أي دولة يجوز انتقاد سياساتها بل ومقاطعتها كما حدث مع جنوب إفريقيا زمن العنصرية.

ولا يصل لعبثية وتطرف ما قاله نتنياهو إلا ما قاله يائير لابيد، أحد زعماء المعارضة حالياً، ووزير المالية الإسرائيلي السابق، من نيويورك حين قال إنه يسعى لأن يعرف العالم أن «الذين كانوا وراء 11 سبتمبر هم أنفسهم الذين يقفون وراء حملة المقاطعة اليوم». فقد فات الوزير الإسرائيلي السابق أن تلك الحملة لا تضم فقط عرباً ومسلمين وإنما صارت تضم الكثيرين من أصحاب الضمائر الحية من أفراد ومؤسسات من شتى أنحاء دول الشمال قبل دول العالم النامي.

وما يقوله المسؤولون الإسرائيليون عن الحركة العالمية السلمية للمقاطعة يعني بوضوح أنها صارت تحقق نجاحاً وتمثل ضغطاً حقيقياً على إسرائيل، وإلا لما أولاها المسؤولون الإسرائيليون كل ذلك الاهتمام ولما اعتبره الرئيس الإسرائيلي «تهديداً استراتيجياً من الطراز الأول».

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

799 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع