أولي الألباب

                                               


                         جابر رسول الجابري

إن رقي حضارة أي شعب وسمو منهجه الإنساني يتأتى من خلال إستلهام الدروس والعبر المستخلصة من سيرة الأجداد وتوظيفها في بناء حاضرته بهدف تشييد حضارة أفضل للأحفاد .

إن المعطيات الفكرية المستوحاة من تجارب الشعوب ما هي إلا نواة للمعرفة العقلية التي تنبثق منها الحكمة والموعظة السياسية التي تقود الشعب نحو حياة إنسانية مثالية , وما من حدث إلا وفيه عبرة , ومن تلك الأحداث قصة جميلة سأرويها لكم آملاً أن نستلهم منها سوية درسا حكيما قد تستنير به عقول أولي الألباب في تصحيح المسار السياسي المتردي لحاضرة الشعب العراقي .
القصة تروي لنا بأن هناك أستاذا كان يعلم درس الحكمة لتلاميذه , وكان التلاميذ يعانون من صعوبة في إدراك معنى وكنه ذلك الدرس , فقرروا بالإجماع طرح أمر معاناتهم على أستاذهم  علهم يجدون منه عونا , وفي اليوم التالي , وما أن كتب  الأستاذ على السبورة إسم الدرس حتى إنبرى أحدهم قائلا:
- ما لنا طاقة في إدراك معنى الدرس وقد صعب علينا مفهومه , وإنا لنرجون منك عونا .
أطرق الأستاذ قليلا برأسه نحو الأرض لكنه ما لبث أن رفع رأسه وراح يمسح عنوان الدرس وخط  عنوانا آخر سماه درس الألغاز , ثم التفت نحوهم متحدثاً :
- حسناً ... دعنا نغير اليوم موضوع الدرس ونتعلم حل الألغاز .
عندها إنفرجت أساريرالتلاميذ لهذا التغيير ,
أمسك الأستاذ بقلمه وراح يرسم على السبورة  صورة قارورة زجاجية  ثم رسم في داخلها دجاجة  , وما أن فرغ حتى أشار بيده نحو تلك الصورة سائلاً :
- أعزائي الطلبة من منكم يستطيع أن يخرج الدجاجة حية من القارورة دون أن يكسر تلك القارورة ؟.
خيم الصمت على الدرس وإنهمك الطلاب في التفكير والبحث عن الحل المنطقي لذلك اللغز , مرت الدقائق واللحظات ولكن دون جدوى , وبدا على وجوه التلاميذ ملامح القنوط , فتمتم أحدهم يائسا وقال بصوت خافت مخاطباً زميله  :
- إن من إستطاع إدخال هذه الدجاجة حية الى داخل القارورة عليه أن يخرجها حية كما أدخلها .
وهنا صاح المدرس قائلا :
- بالضبط أعزائي الطلبة هذا هو الحل , أنتم أدخلتم في أذهانكم بأن درس الحكمة صعب جدا ولا طاقة  لكم في إدراكه وفهمه , إذن لا حل لكم إلا أن تخرجوا هذه الفكرة من أذهانكم .
إنتهت القصة إلا أن الدرس لم ينتهي بعد , وعلينا أن نستلهم منه عبرة, وهكذا هو حال الشعب العراقي حين أدخل مفاهيم وقيم قد صنعها بنفسه ووضعها في قارورة فكره ثم  بدا يتخبط يمينا وشمالا باحثا عن حل يخرجه من وضعه المزري المتردي وهو ينشد الخلاص ,  ولكن ما أن أشارت شعوب الأرض وشخصت علته صاح مستنكراً ...  إلا  الدجاجة فهي خط أحمر !!.... إذن فلا تنتظروا أحدا يستطيع أن يحل لكم علتكم إلا أن تخرجوا الدجاجة بأنفسكم كما أدخلتموها من قارورة ذهنكم .
إن مفهوم الطائفة والعرق والمحاصصة  التي رسمها سياسيوا الجهل والغفلة في دستورمريض لأكثر من إثتي عشر سنة قضى فيها الشعب أشد المحن وهو يكابد الموت والدمار والتهجير ونهب الأموال وشتى انواع الفساد كل ذلك ما هو إلا دجاجة  فاسدة رسمها الشعب داخل قارورة ذهنه وما عليه الآن إلا أن يخرجها بنفسه كما أدخلها وذلك بإلغاء العملية السياسية والدستور والمحاصصة والطائفة والعرق وتشكيل مجلس عسكري إنتقالي مؤقت من أجل إقرار دستور بديل يتمتع فيه المواطن بالمساواة في الحقوق والواجبات والرعاية الإجتماعية وتأسيس دولة مدنية تحفظ للمواطنين أمنهم ومصالحهم المشروعة وتقيم فيهم عدلا وحقا , وبالرغم من أن ذهن الشعب العراقي على مر الزمن قد رسمت داخله عدة دجاجات منذ تأسيس دولته الحديثة حتى يومنا هذا إلا أنه كان في كل مرة  يستبدل فيها الدجاجة القديمة ويضع أخرى مكانها دون إستلهام الدروس والعبر من وجود تلك الدجاجة في ذهنه أي إنه كان يزيل صنما ليضع صنما آخر بديلا , وفي كل مرة كان يعيد الكرة حتى آل به الحال الى لعن الوطن والناس أجمعين من أجل الحفاظ على الصنم .  
كم هائل من السنين والأحداث مرت وخلفت تراثا غنيا بالدروس والعبر إلا أن الشعب العراقي تجاهلها , ولم يستفد منها في تطوير وبناء حاضرته الإنسانية . بل راح يطالب في الوقت الحاضر بوضع المزيد من دجاجات الاصنام في ذهنه ,  وجعل لكل طائفة منه صنما وأطلق عليه ألقابا وتسميات , وما  داعش أوالقاعدة أو آية الله أو الرمز أو إمام ولاية الفقيه أو الأب الروحي وشيخ الاسلام وووو تسميات لا تعد ولا تحصى إن هي إلا أصنام إبتدعها الشعب وأودعها قارورة ذهنه تاركا الوطن والحياة  في مهب رياح الطائفية , فإلى أين الركب يسير يا أولي الألباب.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

906 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع