الجرذان والإنسان

                                          

                           خالد القشطيني

أجرى بعض العلماء البريطانيين تجربة على فاعلية سموم جديدة في قتل الجرذان. عرفوا أولاً أن الجرذان مثل النساء مغرمة بالشوكولاته..

ومثل النساء تضحي بأي شيء من أجل قطعة شوكولاته.. فدسوا السم في كمية منها ووضعوها في طريقها. جاءوا في صبيحة اليوم التالي فوجدوا عددًا غفيرًا منها وقد ذاقت حتفها. فرح العلماء بالتجربة، ولكنهم، بصفتهم علماء، حريصون على التأكد، فكرروا التجربة في الليلة التالية، ولكن الدهشة استولت عليهم عندما لم يجدوا أي جرذ قتيلا، ولم يمس أي واحد منها قطع الشوكولاته. وكذا كانت النتيجة في الأيام التالية. استنتجوا من العملية أن الجرذ يتعظ بما يجري لزملائه.
بالطبع إنني لست بجرذ، وإن كان كثيرون يرون وجهي أشبه بوجه الجرذان. وأقسم بالله إنني لا أفهم اللغة الجريذية. ولكنني أنا أيضًا اتعظت من التجربة؛ فهذا الحيوان الصغير والحقير، اتعظ مما جرى.. لاحظ أن عددًا من إخوانه قد مات بالشوكولاته، فتعلم الدرس وامتنع عن أكلها رغم كل شوقه إليها.
العجب كل العجب، أننا معشر بني آدم، لا نملك من العقل ما يملكه الجرذ؛ فهؤلاء الحوثيون في اليمن يسمعون ما جرى لإخوانهم من العرب المسلمين وغير المسلمين في العراق وسوريا ولبنان وما حل ببلادهم من الخراب نتيجة التدخل الفارسي في شؤونهم وأوطانهم.. يسمعون ويعرفون كل هذا، ومع ذلك راحوا يمصمصون بالشوكولاته المسمومة التي وضعتها إيران في طريقهم ليلاً، ويموتون بها بالعشرات كما مات بها إخوانهم بالمئات والألوف شمالاً في الهلال الخصيب. وإذا كنت قد تعلمتُ شيئًا من الجريذية، فقد وجدت أن هؤلاء الحوثية لا يملكون من العقل والحكمة ما يملكه الجرذ.
فما كل هذه المآسي في سوريا؟ تعود كلها إلى التدخل الفارسي في الساحة.. لولا إيران لاستطاعت قوى المعارضة سحق نظام الأسد في أول الأيام وقبل أن تغير على الساحة حيوانات ضارية أخرى يقال إنها هي أيضًا قد خدرتها الشوكولاته الإيرانية المسمومة.
وهذا العراق، ما مشكلته؟ لم تكن فيه أي مشكلة خطيرة بين السنة والشيعة حتى 2003. تولى الحكم فيه في العهد الملكي ثلاثة رؤساء وزراء من أبناء الشيعة.. وعشرات الوزراء الشيعة الآخرين. لم يعترض أي أحد من السنة أو يتذمر من الموضوع. محمد فاضل الجمالي برز واحدا من أخلص رواد القومية العربية. تغير كل شيء عندما مدت إيران أصابعها في الميدان حالما سنحت لها الفرصة بالغزو الأميركي. تحاورت مع كثيرين من النخب السنية.. لا اعتراض لهم على تولي الشيعة الحكم. أصبحت هذه حقيقة واقعة يتقبلونها من دون نقاش، ولكنهم يقولون: ما نريده هو: زعماء واعون ومتنورون يمسكون بالحكم بروح وطنية، تؤمن بعروبة العراق ووحدته. لكن ما حصل هو أن إيران استطاعت في السنوات السالفة أن تفرض على البلاد دمى تحركها كما تشاء، مما أثار السنة.
لطالما قلنا إن الاستعمار لا يدخل بلدًا إلا ليستغله ويستعبده. على الحوثيين وكل من يملك عقلاً أكبر من عقل الجرذ أن يتذكر هذا ويدرك أن ذلك ينطبق على إيران أيضًا.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

868 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع