الوردة الحمراء

                                        

                       سيف شمس الدين الالوسي
                       قصة قصيرة / بروكسل

بعث لها وردة حمراء على حسابها في الفيس بوك في وقت متأخر جدا من الليل، يعلم بأنها نائمة في ذلك الوقت ، بعث لها وقال لها نامي بهدوء أتمنى لك ليلة سعيدة ، ومن ثم أغلق الانترنت ورمى بمحموله  ونام .
استيقظت صباحا لتجد الرسالة المؤطرة بتلك الوردة الحمراء بخلفية بيضاء كأنها صورة قدمت لمعاملة جواز سفر ، ابتسمت ابتسامة بسيطة ولم ترد ، حسبت بأنه سيبقى يراسلها ، آملا أن يكسب قلبها الذي في يوم ما أهدته له، وقالت هو لك ، لكن لاحظ في الآونة الأخيرة قد تغيرت بشكل ملحوظ ، ولم يعد ذلك القلب النابض يبعث له الطمأنينة ، أصبح قلبا من رماد مرميا بإحدى منفضات السكائر .
هي لم تكن تعلم بأنها ستكون رسالته الأخيرة ، لم يعد يراسلها بعد تلك الوردة ، ولم تفهم شفرتها ولم تفك رموزها ، لماذا بعث لها تلك الوردة الحمراء ، ظنت مثل كل مرة بأنه سيراسلها وستبقى تصده بجفاء ، لكنه كان يقصد بتلك الرسالة الوداع الأخير .
لم يلغ صداقتها مثلما يفعل الكثير من الناس ، بل استمر بصداقتها ، لكنه لم يعد يتتبعها أو يفكر بها ، وكلما فكر وسحبته عاطفته ، ابتعد وغسل وجهه بماء بارد ، لكي لا يغفو على ذكرياتها ووجهها الجميل .
كبرياءه اكبر من كل شيء ، سيجره بأذياله ويعود إلى ذاته، مثلما يعود الجندي من ساحات القتال إلى أهله  وهو مبتور الساق ، يمشي على عكاز بالية وجدها مرمية قرب جثة تحولت إلى عظام .
حزن ذلك الجندي هو ليس على ساقه بل حزنه كيف سيستقبلونه أهله وهو بهذا الحال ، حزن على حزن أهله أكثر من حزنه على ساقه .
كم هو مؤلم أن نعود منتصرين ولكن بساق مبتورة ، هو أيضا عاد إلى ذاته والى كبريائه بعدما فقده كثيرا ، كل مرة يحاورها يشعر بكبريائه قد خدش ، يكفيه أن تجيبه ببرود، هو عاد من ساحة القتال ولكن بكبرياء مبتور .
شخصياتنا مثل جسدنا ، إن فقدنا شيئا من كرامتنا أو شعورنا لا يمكن إعادته ، يمكن نركب له جزءا صناعيا ، نتعكز عليه لكن لا نسير بصورة طبيعة، سنبقى طوال عمرنا مخدوشين ، خدوشنا كالخدوش الذي يحدث على الزجاج ، لا يمك إصلاحه إلا إذا أزلنا طبقة منها، لقد أزلنا اكبر من الخدش لنصلح ذلك الجزء البسيط .
بقيت هي صامته وحسبت هذه المرة كالمرات السابقة بأنها قد اكتسب المعركة من جديد ، لكنه طال غيابه ، ولم يعد يراسلها ، انتظرت وانتظرت أكثر ، الأيام أصبحت شهور ، وجدار صمتهما يكبر ليصبح سورا محصننا لا يمكن اختراقه أو التنازل عنه ، من سيكلم الأخر أولا ، أصبحت معركة شرسة ، معركة تدار بصمت ، كل واحد منهما يشعر بالأخر ويتوق للحديث معه ، لكن العودة للحديث بعد هذا الانقطاع المتعمد أصعب من الحديث لأول مرة .
شعر بالندم لأنه لم يتنازل عن كبرياءه وانقطع عنها وهي شعرت بالأسى لأنها لم تجبه ، شعرت بخسارته ولكن بعد فوات الأوان .
كثيرا ما تعرضت لضغوطات في تلك الأيام ، وكثيرا ما تأزمت حالتها النفسية ، لم تعد تجد شخصا يستمع لها غيره ، هو كان أمها وأخوها وحبيبها ، هو كان يستمع لها ، يحدثها ، يحاول تخليصها من سجنها التي رمت فيه في يوم لا تريد أن تتذكره .
كان مستعدا أن يقدم كل شيء من اجل إنقاذها ، لكن لعبة تعذيب الحبيب قد أفسدت كل شيء ، تريد أن تبكي أمامه ، تريد أن تسمعه بكاءها مثلما كانت تفعل يوما ، تريد الارتماء في أحضانه وتشكو له سجنها ، لم تعد تجده ، ابتعد عنها .
هو أيضا يشعر بانه قد تخلى عن واجب كبير وحب كبير قد اقتلع من مكانه وترك فراغا ولا يوجد شيء يطمر تلك الحفرة العميقة التي كبرت وكبرت حتى أصبحت بئرا لماء مالح لا يصلح للشرب ولا للزراعة ، الفلاح الذي حفره شعر بخيبة أمل كبيرة ، لأنه خسر كل شيء من اجل مزرعته ومن اجل بئره ، ولم يعودان عليه بالنفع .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

493 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع