مسؤولية السلفيين تجاه التطرف والبربرية

                                         

                          د. علي محمد فخرو

ترى، هل يدرك التيار الاسلامي السلفي مسؤوليته التاريخية بشأن مايجري في أرض العرب على يد القاعدة وداعش وأخواتهما من الجهاديين التكفيريين الممارسين للعنف والتوحش البربري باسم دين الاسلام؟

ذلك أن قادة وأفراد تلك الجماعات البدائية قد خرجوا من تحت أجنحة ومدارس التطرف في داخل التيار السلفي نفسه، ونبذوا بازدراء ماطرحته الأجنحة الوعظية المعتدلة في التيار من شعارات الوسطية عبر الحقب الطويلة من تاريخ الفكر السلفي الاسلامي، واستبدلوا الوسطية بأفكار أكثر المتزمتين والمتعصبين والمتخلفين من بعض فقهاء هذا التيار.
واذاً فمطلوب من التيار السلفي المعتدل، قبل غيره، أن يرفض بصوت ناقد عال، لاغموض فيه، الفكر المتخلف المتوحش اللاانساني الذي تتبناه تلك الجماعات التكفيرية من جهة وتندد بصور الممارسات الشيطانية الدموية التي يشاهدها العالم يوميا بحق الأبرياء من المصلين والمتسوقين والمارة وأطفال المدارس وغير المعنيين بسخافات وبلادات وجنون مايجري في بلاد العرب.
نطالب بذلك لأن الجماعات التكفيرية تلك لن تستمع لاحتجاجات القوى السياسية القومية، فهي تعتبر القومية بدعة، ولا نداءات القوى اليسارية الليبرالية، فهي تعتبرها علمانية ملحدة، ولا لانتقادات العالم، فهي تعتبره أرض وعالم الكفر، ولاحتى لتحفظات الاخوان المسلمين، فهي تعتبرهم أهل سياسة أكثر من أهل دين. ولايوجد مصدر قد يؤثر ويردع الا المصدر الذي خرجت منه تلك الجماعات، والتي ومازالت تعتبر بعضا من تراثه ومدارسه وفقهائه مصدر الهام يبرر بربريتها ودمويتها.
لكن، وبصراحة تامة، لن يستطيع التيار السلفي السياسي المعتدل المساهمة في القيام بتلك المهمة، لدحر هذا الجنون وانقاذ الأمة العربية من الورطة التي تعيشها، الا اذا بدأ أولا بتطهير ساحته الفكرية مما علق بها من أقوال وأفكار وقراءات بعض فقهائه ومنظريه، والتي حتى لوكانت صالحة لأزمنة أصحابها، الا أنها ماعادت صالحة لهذا الزمن الذي نعيشه.
ان القضية المفصلية بالنسبة لهذا الموضوع هو قبول التيار السلفي الوسطي المعتدل بشجاعة وموضوعية متزنة بأن كبار أئمة وفقهاء ومنظري التيار السلفي، هم من البشر القابلين، كما أكد الامامان أبوحنيفة والشافعي على سبيل المثال، للصواب والخطأ والشطط.
لقد اجتهدوا بصدق واخلاص من أجل ظروف أزمنتهم وحاجات مجتمعاتهم آنذاك. لكن بعضا من تلك الاجتهادات ماعادت صالحة لأزمنتنا وحاجاتنا.
ان قول أحدهم بجواز قيام الأنظمة السياسية على أساس القوة والغلبة والقهر أو قول آخر « بأن من غلبهم صار خليفة وسمي أمير المؤمنين» يضادد ويتناقض كليا مع تطلعات ملايين العرب الذين خرجوا الى الساحات مطالبين بالديموقراطية وتبادل السلطة سلميا عن طريق الانتخابات.والأمر نفسه ينطبق على ضرورة مراجعة فقه طاعة ولي الأمر، وتحريم الخروج على الحاكم حتى لوكان ظالما، وموضوع الزامية أو عدم الزامية الشورى، وفقه الفرقة الناجية واستئصال أو تكفير الآخرين، وموضوع الصفات التي يجب أن تتوفر في ولي المسلمين، كالتركيز على صفتي القوة والأمانة وتهميش صفات العدالة والعلم والكفاءة ورضا الأمة، وموضوع وزن وأهمية وضرورة الرأي « بجانب النص، وموضوع تاريخية آيات السيف والجهاد التي نزلت لحماية الدين الوليد ويريدها البعض طريقا مفتوحا للدخول في صراع أبدي مع غير المسلمين، وغير ذلك من القضايا الفقهية والسياسية التي تحتاج الى قراءات جديدة تنسجم وتتناغم مع العدالة الالهية ومقاصد الاسلام الكبرى وتطورات مجتمعات العرب الحديثة.
والواقع أن تلك المراجعة المطلوبة للخروج من تجمد السلفية في أطر فقهية عفى عليها الزمن وأصبحت بحاجة للتمحيص والنقد والتجاوز لن تكون بدعة جديدة. فقد سبقتها منذ القرن التاسع عشر محاولات السلفيين الاصلاحيين، ومحاولات بناء مدارس فقهية أعطت وزنا كبيرا للبرهان والعقلانية وللاصلاحات الاجتماعية ولمقارعة الاستعمار وللاقتداء بالكثير من منجزات الحضارات والثقافات العالمية، وذلك من مثل المدرسة السنوسية والمدارس السلفية الوطنية الاصلاحية في مختلف بلدان المغرب العربي.
لسنا هنا معنيون بتأييد أو نقد أو معارضة هذا الفكر السلفي أو ذاك، أو المفاضلة بين هذه الحركة السلفية أو تلك. انما نحن بصدد تذكير التيار السلفي، وعلى الأخص الحركي السياسي المعتدل منه، بمسؤوليته الجزئية، الفكرية والخطابية والتنظيمية، عما يحدث من بلاء في أرض العرب.
من هنا لايجوز للسلفيين أن يجلسوا على قارعة الطريق ويرددوا... لاحول ولاقوة الا بالله، أو يعارضوا هذا الجزء مما ترتكبه القاعدة وأولادها من حماقات ويباركوا ذاك الجزء الآخر.المطلوب خروج السلفيين المعتدلين من التشرذم والانقسامات وتكوين صوت واحد ضد جنون وبربرية القاعدة وداعش واخواتهما، ونقدهم بصوت مسموع، ومحاصرة وفضح فكرهم المتخلف العنفي، ووضع اليد في يد الآخرين لاخراج أمة العرب ودين الاسلام من محنة تاريخية كارثية تهدد وجود هذه الأمة ومستقبل هذا الدين.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

549 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع