لا مبالاتنا المخجلة حيال مجزرة بيشاور

                                            

                                ديانا مقلد

حين تسلل الحدث بداية كخبر عاجل بدا وكأنه مضخم أو غير حقيقي. فالعقل يعجز أحيانا عن التصديق أو بالأحرى يرفض الاعتراف للوهلة الأولى بأن تلك وقائع، وبأن هناك من قرر فعلا أنه حان الوقت لقتل أطفال بشكل جماعي، قتلا باردا وعاما وفظيعا.

لم يُستهدف أطفال مدرسة بيشاور العسكرية الباكستانية عرضا.. لم يقضوا في معركة بين متقاتلين بل قتلوا لذواتهم الصغيرة فلوحقوا في صفوفهم وتحت مقاعد الدراسة التي حاولوا الاختباء فيها. منهم من قضى بالرصاص ومنهم بالقنابل.
أحقا ظن مجانين حركة طالبان أن قتل تلك الأرواح الصغيرة هو سبيلهم إلى الله..
هل هناك ما هو أفظع على أهل، أي أهل، أن يفجعوا بحقيقة أن التجمع الأهم للأطفال، أي المدارس، باتت مقبرة صغارهم..
مرت الدقائق الأولى ثم الساعات ونحن من تسمرنا أمام الشاشات بانتظار أن ينكب الإعلام الإخباري العربي على متابعة مأساة أطفال مدرسة بيشاور بصفتها فاجعة إنسانية أولا، وإسلامية ثانيا، مما يجعلها حدثا يستحق فتح كل الهواء لمتابعتها.
لم يحدث ذلك.. بل عدنا بخيبة جراء بهوت التغطية العربية للجريمة، وانقلبنا نتابع الحدث عبر فضائيات العالم.
نعم، مرّ الخبر في إخبارياتنا وفي صحفنا ومواقعنا الإخبارية وتفاوتت مساحات الاهتمام به، لكن ما بدا نسقا عاما هو أن تلك المأساة لم تأخذ المساحة التي يفترض بجريمة من هذا النوع وعلى هذا القدر من الدرامية أن تناله.. وليس الإعلام وحده من قصر في تلك المسألة، بل هناك ما يفترض بأنه رأي عام عربي وإسلامي كان بارد التفاعل إن لم نقل بليدا وفاقد الحس. فـ«الهاشتاغات» الرائجة على «تويتر» مثلا، بما فيها من غث كثير، لم تتمكن مدرسة بيشاور من أن تكون ضمن العناوين الأكثر شيوعا فيه.. لم تتمكن أرواح 150 طفلا قتلوا باسم الإسلام أن تصبح مادة نقاش عربي فعلي، بينما العالم كله يعكف على التضامن والتغطية والعزاء.. لا بل هناك من شرع في انتقاد اهتمام الإعلام الغربي بالقضية ووضع ذلك في خانة استهداف الإسلام.
لسبب ما، عجزت المأساة المروعة لأطفال مدرسة بيشاور الذين قتلهم مجرمو طالبان فرع باكستان عن إثارة اهتمام الإعلام الإخباري والرأي العام العربي بما تستحقه جريمة غير مسبوقة من هذا النوع.
طبعا لا يتعلق السبب بالمجزرة نفسها حتما، بل المشكلة هي ذاك العطب العميق فينا نحن. نحن من نملأ الدنيا صراخا وغضبا على كاريكاتور من هنا وأغنية من هناك.. نحن من نتظاهر ضد حذاء عليه رسم نرى فيه خدشا لنقاوتنا الدينية، ونحرض على رسوم كارتونية، لم تثر حفيظتنا أن تنظيما مثل طالبان قتل عشرات الأطفال باسم الإسلام.
والحال أن ما يفسر ضعف اكتراثنا بهذه المأساة مأساوي أيضا. هناك مسلمون قتلوا مسلمين. ليس في هذا ما يغرينا.. على القاتل أن يكون غير مسلم حتى يستفز حفيظتنا.. وربما لو كان القاتل مسلما وضحاياه من غير المسلمين لاكترثنا أيضا على ما حصل لأطفال الإزيديين أو ما حصل في مدرسة بيسلان الروسية قبل 10 سنوات.
أما تلك الحقيقة الصارخة بأن أكثر من قتل مسلمين هم مسلمون، فهذه مفارقة لا تخاطب ضائقتنا.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1215 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع