كل عام و دموعنا بألف خير

                                       

                      د.هاشم عبود الموسوي

تزحلق الزمن .. ومرّ علينا عامٌ ، ليس ككل الأعوام ، كان كالذبحة الصدرية التي قطعت أنفاسنا ..و سيأتي القادم المجهول ، ملفعا بعتمة الإبهام، وبآمال باهتة ، قابعة في دهاليز المستقبل المظلم ..

وبعد أن خسرنا ما خسرنا طوال أحد عشر عام ، فهل نختلس الفرح ، لنتبادل كلمات التهاني بعد أن مرّ علينا عقد من الزمن لا يستحق منا سوى الإشمئزاز؟. لكن حلفاؤنا (دعاة الديمقرطية الجديدة في العالم ) بشرونا بأن لا خوف علينا ولا هم يحزنون ، وبأن السموم التي زرقوها في أوردة وطننا المُحنّط ، ستزول بمشيئة البيت الأبيض ، بعد ثلاث سنوات . وبعد أن يكون الوشم الذي إسمه العراق قد أزيل من خارطة العالم .. آنذاك سوف لا نشعر بأي ألم ، لأننا أساسا سوف لا نكون موجودون ، فطوبى للُمبشرِين والمُبشًرَين .
أما أنا فإعذروني أيها الأحبة ، أريد أن أفتح صدري و أريكم ما تكدس به من ألم ، وأرجو ألاّ تحرموني من البوح .. فأنا بهذا العمر لم أجد نفسي قادرا على الخوف ، ولا الإسراف في التأويل .. ولم أعد قلقا على شئ , فقد تعودت على الخسارة ، وليس لدي ما سأخسره لاحقا . نعم أنا الذي كنت دائما مرفوع الهامة ، ومتفاخرا بهيبة قاتلة . ورغم كل الإنكسارات المتوالية ، كنت أعاود ، وأدخل في صراع غير متكافئ مع الزمن ، باحثا عن مساحة صغيرة لفرحٍ ، حتى ولو كان عابراً  ... كانت الأعوام تهرول أمامي وتجرني وراءها مثل خروف منذور لا يدري متى سَيُذبح ، أيكون ذلك في مناسبة حزنٍ أو فرح ْ ... ولأني كنت دائما أكره الإنتظار ... وأتصور دائما بأن لا وقت لدي.. تأبطت قدماي وأتيت للوطن، باحثا فيه عن مساحة للحلم ، متوخيا إنعاش ذكريات باهتة أخاف عليها أن تموت ... أردت أن أكون هنا ، وأرى بأم عيني ، وكي لا أكون كمشاهدِ لمسرحية يقص عليّ ممثليها أحداثها ... نعم كنت أريد و أريد أن أتأكد بأن كل ما راودني طوال العمر المستباح ، هو محض حقيقة ، أم أنه ظلّ حلما بعيد المنال ... لقد قامرتُ و غامرتُ بتصوفي الشهواني ، علني أجد المسقبل الأفضل الذي رسمته في مخيلتي ، مذ كان يحدوني أملاً بأن الجنة الموعودة في السماء ، ربما تستطيع دماؤنا  و دموعنا أن تأتي بها الى الأرض .. إني أتيت الى هنا بلا معطفٍ طائفي أو قومي أو حزبي أو عشائري ، لا يستر عورتي سوى رداء إنسانيتي الشفاف . ويا وليني مما وجدت ..
 إسمحوا لي أن أقول لكم بأني وجدت نفسي غريبا في وطني (الذي ظل قابعا بقلبي طوال سبع عقود ) ...
العام الجديد على الأبواب ، والقدر الآتي من خلف السحاب , آتٍ ، آتٍ لا ريب ، أخاف أن يخطف الموت في هذا الشتاء القلة الباقية من أصدقائي و أحبائي ، قبل أن يدثرني الثلج فلا أحس بدفء الجنوب يتسرب الى عظامي ، آنذاك سأنسى إسمي و أنسى أن لي وطناً كان وكان  ...
أرجو ألا أكون قد عكرت عليكم ، نشوة إنتظاركم للعام الجديد ... معذرة لكم ... ولإحلامي التي قَبَرَتها إنبطاحات سياسي آخر الزمان .

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

989 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع