خطاب مفتوح إلى السياسيين العراقيين

                                 

                      صبري الربيعي*

منذ حلول( الديمقراطية الاميركية) في العراق منعت نفسي من أن أسير في جوقة المطبلين للاحتلال الغاشم أو الواقفين بالضد من العملية السياسية.

والمثير للعجب انك عندما تعبر عن رأيك المستقل تجابه بالاستغراب من البعض فانك ( يجب أن تكون مع أو ضد هذا المعسكر أو ذاك) ولقد حرمك الطارئين على مهنة الفكر والقلم من أن تعبر عن رأيك المستقل لأنك بذلك تخدش برواز الأهداف الخبيثة المخططة لهذا الطرف أو ذاك.

 فالذي يجري في العراق لم يكن ليجر لو أن السياسيين العراقيين اللذين انزلو علينا ( كمنحة ربانية) بين ليلة وضحاها ليعبثوا بأمننا ويسرقوا ثرواتنا ويسلطوا علينا من لا يرحمنا وليفتحوا أبواب العراق لكل من يستوطن الشر في ضميره ولتنقلب المقاييس ولتذهب النواميس العراقية أدراج الرياح وليمتهن السياسيين العراقيين التصريحات التي تتناول كل شئ إلا وحدة العراق ورحيل الاحتلال وتذكير العراقيين الطيبين أن حياتهم في وحدتهم وان الدين لله والوطن للجميع وان من يصون وطنه مما يحدث فيه من الأعاجيب لا يمكن إلا أن يكون عراقيا.

 ترى هل فعل أولئك السياسيين شيئا من ذلك وهل بصروا الاحتلال بما يمكن أو لايمكن فعله لتجنيب العراقيين هذه الماسي ولتحقيق الوعود الوردية. خذوا اليابانيين مثلا ذلك الشعب الذي بنى أعظم دولة في اقل من سبعة عقود.. عندما تسال أي ياباني من أين أنت لن يقول لك انه (شيعي أو سني ) أو انه من العشيرة الفلانية او الفخذ الفلاني بل سيقول لك انه من( ميتسوبيشي أو سانيو او بانا سونيك) وما إلى ذلك من المؤسسات الإنتاجية فهو يعتبر عمله مصدر وجوده وانتمائه إلى مؤسسته هو الانتماء الذي يحسه ويكرس وقته لأجله. فما بالنا نحن اللذين نفخر بأجدادنا اللذين حملوا المبادئ في قلوبهم ونشروها في كل بقاع الأرض فما بالنا اليوم نمتشق السيوف لنذبح جارنا وصديقنا وابن محلتنا.

 لقد كانت بيوت بغداد ذات سطوح قابلة للاجتياز وكانت العائلات الساهرة تحت ضوء القمر في ليالي الصيف البغدادي الحار تجتمع فوق السطوح وكان بعض الجيران يجتاز اسيجة السطوح للوصول إلى المكان الذي يقصده ف( العرض ) واحد وابن الطرف لا يمكن أن يسئ إلى ابن طرفه. فما بالنا وقد سكتنا ونحن نعرف أن العابثين بأمننا والسارقين لثروتنا والمزيفين لأرادتنا الجمعية والكذابين وعملاء الدول المجاورة عربية وأجنبية يعيثون فسادا مع شبكات هذه الدول المخابراتية في مدننا الوادعة .فما بالنا وقد ارتضينا أن يحتلنا أشرس أعدائنا وأكثرهم خسة ودناءة فما بالنا وقد اغتصب الكثير من رجالنا ونسائنا .

 لقد حلمنا بعراق من غير دكتاتور وحلمنا بحرية ترتع بها شعوب الأرض وحلمنا بان جيوبنا ستكون عامرة بعد عمل تحكمه قوانين منصفة وحلمنا بغلق أسواق ( البالة) وحلمنا ببيوت متواضعة لن تكون مادتها الطين أو ( التنك) ولكن أعداءنا ومن سكت على ما فعلوه بنا ومن لم يقفوا وقفة عبد المحسن السعد ون أضاعوا كل أحلامنا ... حسافة ويا حيف. هل بقي في القوس من منزع ؟ وهل بقي في الكيل من متسع ؟ أين شيمة العراقي ؟ أين مآثره ؟ أين نخوته وعزة العشائر العراقية الشجاعة ؟ أين تجار العراق الشرفاء اللذين كان الكثير منهم يعيلون عوائل متعففة وينفقون على دراسة مئات الطلبة خارج العراق.

 ابحث عن الروح العراقية فلا أجدها. ابحث في عيون العراقيين عن ذلك الالق المحب للعراق فلا أجده. عيب عليكم أيها السياسيون اللذين من علينا الاحتلال بكم أن تتمسكوا بهذه السلطة ساعة واحدة بعد ألان.. عيب عليكم أيها المعممون اللذين كنا ننتظر عمائمكم لتفرحنا أو تبكينا أو تبصرنا وكانت كلمة من أصغركم موضع التبجيل صحيح أن لكثير منكم تاريخ لا ينسى من المعارضة ولكن هذه مرحلة ايجابية فأين انتم من جمع كلمة العراقيين.

 ينبغي عليكم جميعا أيها السياسيون أن تبقوا جوامعكم وحسينياتكم وكنائسكم بعيدة عن الأحقاد وقتل مرتاديها الأبرياء وانتم لاهوون أو ملتهون أو لاهثون خلف منافع. اجتمعوا في خيمة العراق في ظل جدار العار بين منطقتين مقسمتين واسمعوا عويل الأرامل والأيتام وشموا دخان الحرائق وانظروا بأعينكم ماذا فعلتم لهؤلاء الناس الأبرياء وان تأثرتم أو بكيتم واشك في ذلك.. إن حدث ذلك فعلا فعليكم بالرحيل عن السلطة.. اذهبوا فورا إلى مقرات أحزابكم واقفلوها وقولوا للمحتل نريد مؤتمرا وطنيا مستقلا بأشراف الأمم المتحدة ولتشكل حكومة إنقاذ من خلال المؤتمر ولتجرى انتخابات صحيحة بأشراف دولي وقبل ذلك سنوا قانونا يعاقب كل من يعمل على التفرقة القومية والدينية والمذهبية.. لا تقولوا لا نستطيع ذلك... تستطيعون إن أردتم..

 ادعوا إلى خروج كل العراقيين في يوم واحد وساعة واحدة وتحت شعار واحد وانظروا كيف تتهاوى هياكل المحتل وكيف تهزمون مخابرات (الاشقاء ) و( الجيران ) وحتى تلك الدول التي (لاهي في العير أو النفير ) ثقوا أنكم سوف تكفرون بذلك عن خطاياكم قبل أن تدور الدائرة. رجاء اعملوا ذلك أيها السياسيون المستجدون فلم يبق في القوس من منزع ولم يبق في الكيل من متسع .

*مقالة ضمن مجموعة مقالات كتبها المرحوم/ صبري الربيعي قبل رحيله ..

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1014 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع