تأنيث «الدولة الإسلامية»

                                 

                        هيفاء زنگنة

تداولت اجهزة الاعلام العربية خبرا عن تشكيل ميليشيا جديدة في العراق، لتضاف الى مايقارب الثلاثين مليشيا الموجودة، حاليا، بحجة محاربة «الدولة الإسلامية».

الميليشيا الجديدة مختلفة لأنها مكونة من خمسين إمرأة، وهن من محافظة الأنبار، المتهمة من قبل النظام، بانها حاضنة للإرهاب بكافة أنواعه بدءا من «أزلام النظام السابق» الى القاعدة والدولة الإسلامية وما سيليها في الايام المقبلة. وقد أطلق على الميليشيا أسم «بنات الحق». ولا ادري ما هو سبب اختيار هذا الاسم . هل هو لأثارة الخوف باعتبار انه قريب من اسم ميليشيا «عصائب أهل الحق»، الشيعية الموازية للدولة الإسلامية في جرائمها وان لم تحظ بذات الشعبية الأعلامية التي نالتها الدولة الإسلامية بسبب قطعها رؤوس رهائن امريكيين وبريطانيين بينما تتخصص «عصائب أهل الحق»، الحكومية، بالتطهير المذهبي وقطع رؤوس العراقيين ورفعها في أكياس بلاستيكية اثناء الطقوس والمراسيم الدينية؟
مالم تذكره وسائل الاعلام ان هذه ليست المرة الاولى التي يتم فيها تشكيل ميليشيا نسائية. اذ كان الجنرال ديفيد بيركنز، المتحدث الرسمي باسم قوات الاحتلال، قد اعلن، قبل ثمان سنوات، عن تشكيل قوة «بنات العراق» في محافظتي بغداد وديالى، على غرار مجالس الصحوة المسماة «أبناء العراق»، للعمل في نقاط التفتيش ومواجهة « عملية استخدام النساء كانتحاريات من قبل التنظيمات الإرهابية خصوصاً تنظيم القاعدة». ضم ذلك الفصيل 150 أمرأة من عائلات انخرط معظم رجالها في تشكيلات الصحوة. أشرفت مجندات أمريكيات على تدريبهن على كيفية استخدام السلاح الى جانب تفتيش النساء، لمدة اسبوع. وتم تخصيص راتب قدره 300 دولار شهريا لكل ملتحقة، وهو مبلغ كانت له قيمته، في تلك الفترة، وساعد على توفير فرصة للعمل لبعض النساء. الا ان الفصيل ألغي بسبب عدم دفع الرواتب والمطالبة بضمهن الى القوى الامنية الرسمية في وقت لاحق. تراوحت ردود الافعال على تشكيل الميليشيات النسائية ما بين الموافقة باعتبار ان من حق المرأة التدريب للدفاع عن نفسها، خاصة بعد تجربة هرب افراد الجيش من مدينة الموصل والبيشمركة وتهديد الدولة الإسلامية لأربيل، عاصمة اقليم كردستان، الذي سارعت القوات الامريكية لحمايته، وما بين الضحك والسخرية من الصور المنشورة التي رافقت الخبر، التي تبدو فيها ثلاث نساء يحملن الرشاشات وهن ملتفات، بالعباءة العراقية بكامل طولها، مما يعني، واقعيا، استحالة تمكنهن من الحركة اللازمة والضرورية للدفاع عن أنفسهن ناهيك عن قتال «الدولة الإسلامية»!
ان تدريب المرأة العراقية على استخدام السلاح والانضمام الى الفصائل المقاتلة، ليس جديدا هو الآخر. اذ انضمت عضوات الحزب الشيوعي، اثر ثورة 14 تموز 1958، الى «المقاومة الشعبية» المسلحة من أجل «صيانة الجمهورية»، وشهدت الثمانينات والتسعينات وحتى 2003، تدريب الشباب «المتطوعين»، ذكورا واناثا، ضمن تنظيمات مختلفة باشراف الدولة. من بينها، «جيش القدس» الذي ضم ما يزيد على 400 ألف شاب و 127 ألف شابة. لم يطلق أي منهم، في حصيلة الأمر، طلقة واحدة من أجل فلسطين. والتحق اعضاء الحزب الشيوعي، ذكورا وأناثا، بحركة «الأنصار». كان عدد النصيرات حوالي المائة، تدربن مع الرجال عسكريا، في شمال العراق، منذ نهاية السبعينات، لقتال نظام البعث، فواجهوا خيانة قيادة الحزب والحزب الوطني الكردستاني، برئاسة جلال طلباني، المسؤول عن مجزرة «بشت آشان» بحق الانصار.
لم تغب المرأة عن ساحة مقاومة الاحتلال، بمستويات متعددة، بضمنها المقاومة المسلحة. واذا كانت الاحصائيات الصحيحة غير متوفرة عن اعداد المقاومات الا ان عدد المعتقلات الذي تجاوز الآلاف، قد يكون مؤشرا على وجودهن او، على حجم الرعب الذي يثيره احتمال تواجدهن، على الاقل.
ماذا عن الجهة الأخرى؟ عن الدولة الإسلامية وقوات الاحتلال؟ ماهو موقع المرأة المقاتلة فيها؟
280 ألف جندية وضابطة أمريكية، أي 15 بالمئة من مجموع القوات الغازية، ساهمت في الوجبات المتلاحقة من الوحدات العسكرية التي شاركت في احتلال العراق وافغانستان. السبب الرئيسي للالتحاق بالقوات العسكرية هو ارتفاع نسبة البطالة وتدهور الوضع الاقتصادي والوعود بتسهيلات دراسية ومالية بالاضافة الى غسل الادمغة حول المساهمة في نشر «الديمقراطية» الامريكية، والأكثر من ذلك استخدام الدين كغطاء أسمى لشرعنة الغزو، كما لاحظنا من توافد التبشيريين الى العراق صحبة القوات المسلحة ومن خطب الرئيس الامريكي جورج بوش «الصليبية المتطرفة لتخليص العالم من الشر»، حسب تقرير للبي بي سي بعنوان «الله والحرب».
أما بالنسبة الى وجود المقاتلات ضمن تنظيم الدولة الإسلامية، فالصورة غير واضحة . هناك اشارات اعلامية مبهمة تستند الى تصريحات رسمية عربية بالاضافة الى وكالات الانباء الاجنبية التي يهتم معظمها بـ «نساء «الدولة الإسلامية» القادمات من الغرب للانضمام الى التنظيم . ما هو مؤكد ان النساء يشكلن 10 بالمئة من الاعضاء. وتؤكد معظم التقارير (معظمها غير ميداني) وجود النساء لاداء مهام غير قتالية . وتفيدُ مصادرُ أمنية اسبانيَّة، أنَّ النساء لا يلتحقنَ بصفُوف المقاتلِين الرِّجَال في الغالب، وإنمَا يقمن باعمال الإدارة و الطهي والتنظيف، إوْ إبرام الزيجَات مع منْ يعتبرنهمْ «مُجاهِدِين»، في حين أنَّ بعض المرشحات للهجرة كن ينوين الالتحاق بأزواجهن، الذين سبقوا لهم أن غادروا.
من بين الاخبار الأخرى، خبر عن مقتل «طباخة «الدولة الإسلامية» واثنين من ابنائها، وهي «امراة في نهاية العقد الرابع من عمرها تدعى ام خليل كانت تعمل على طبخ الطعام لمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية داخل منزلها». وان القتيلة «زجت اثنين من ابنائها في صفوف التنظيم الا ان الاخير قرر جعلها تعمل على مهمة طبخ الطعام لمفارزه الميدانية». تحقيق مطول نشرته صحيفة الديلي ميل البريطانية (3 سبتمبر) عن «أخطر سبع نساء في داعش» وهن من بريطانيا وتونس والسعودية. ومهمتهن، حسب الصحيفة، القيام بمهمات تفتيش النساء على الحواجز، وشرح تعاليم الإسلام للنساء، وتوعيتهن على كيفية التقيد بها.
أما عائشة العراقيّة، فهي عقل «الدولة الإسلامية» المدبّر». اسمها «عائشة عثمان، من محافظة ديالى شمالي العراق، وهي في العقد الثالث من عمرها، وسبق أن عملت كمدرّسة في مدرسة للتمريض… ولها صلات قويّة بضبّاط الجيش العراقي المنحل. مسؤولة كتيبة الخنساء النسائيّة، التابعة للتنظيم، وتقوم الكتيبة بتدريب «المجاهدات» عسكريا بالاضافة الى مهام «ضمن مكاتب الخدمات الإسلاميّة وسهم اليتيم، انتقالاً إلى نشر الفكر الدعوي للتنظيم بين نساء المدنيين وطالبات المدارس، لتشجيعهن على مبايعة التنظيم والإقبال على الزواج من مقاتليه».
لماذ انضمت عائشة الى «الدولة الإسلامية»؟ يشير التقرير الى ان عائشة « كانت قد سُجنت لمدّة سنة وثمانية أشهر في معتقل أبو غريب، بعد خروجها من معتقل أبو غريب عُرف عنها مواقفها الداعمة لكلّ تيار جهادي على الأرض».
لا اعتقد ان سبب انضمام عائشة الى الدولة الإسلامية ينطبق على بقية المنتميات لها، الا ان جانبي الظلم واليأس من نيل العدالة، هما بالتأكيد من الجوانب التي يجب التحقيق فيها، اذا ما اردنا اجتثاث الارهاب، بانواعه، من بلادنا.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1060 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع