حينما كلفوني بمراقبة ستار عصارة !!

                                 

                           سلام توفيق

       

كل الاخوة الذين خدموا في الجيش العراقي ابان الحرب العراقية الايرانية وبعدها حرب الخليج ..يعرفون ان علاقة الجندي بضباط الاحتياط او الضباط المجندين ..لم تكن كعلاقتهم بالضباط المطوعين ..طبعا مع بعض الاستثناءات المحدودة ..وهذا ناتج طبيعي للحياة العسكرية

اسوق هذه المقدمة لادخل الى موضوعي لهذا اليوم فقد كنا في العام 1985  في منطقة جلات في قاطع الفيلق الرابع وهي المنطقة الحدودية مع ايران المقابلة لمدينة علي الغربي ..الواقعة بين مدينتي العمارة والكوت..
كان هذا القاطع هادئا نسبيا قياسا للقواطع الاخرى وتفصلنا مع العدو عدة كيلومترات من التلال والوديان .. كان ضابط استخبارات الوحدة التي اعمل فيها برتبة ملازم اول ..وكان مجندا..ربطتني به علاقة قوية كونه كان مدرسا في اعدادية زراعة الكلك..وكان يرتبط بذكريات وعلاقات صداقة مع بعض اقرانه من ابناء منطقتنا
في احد الايام كان عريف خفر الكتيبة يبحث عني طالبا مني التوجه فورا الى الملازم اول (حسين.ف)  ضابط الاستخبارات..كنت اعرف انه هذه المرة لم يبعث في طلبي لنتبادل الذكريات!!! وانما لامر اخر طاريء على مايبدو
توجهت الى ملجاه واديت التحية ..فقال لي ..

سد الباب وراك وتعال اگعد


جلست وقلت له خير سيدي؟؟


اسمع اريدك بشغلة جديدة عليك


قلت ..شنو الشغلة سيدي؟؟

اخرج ورقة من الدرج وقال..تعرف الجماعة اللي اجونا نقل اكثرهم منقولين من غير وحدات لكتيبتنا لان عدهم قضايا امنية


قلت له ..مثل منو سيدي؟؟

قال..في رعيلكم فقط فلان وفلان ..هذولة عدهم اقارب معدومين لانتمائهم لحزب الدعوة العميل..وفلان عنده اخوه هارب لايران..


قلت له..سيدي بس اني اعرفهم كلهم وهذولة ويايا من اكثر من سنة ونص ..وماشايف منهم زايدة ناقصة

فقال لي...اعرف اعرف وهمه مو غشمة يعرفون انفسهم مراقبين ..بس اني ما اريدك تراقب هذولة

فقلت له..ومنو كاللك سيدي اني راح اوافق؟؟


قال...موبكيفك هذا امر وتكليف من ضابط استخبارات الفرقة ..واني هم مثلك وانت تعرف احنا ناس مامورين
قلت..سيدي انت من تقصد بالضبط؟؟
قال..جندي مكلف (عبدالستار م ع)..هذا برعيلك وعلاقتك قوية بيه وبكل الباقين


قلت مستغربا...ستار عصارة!!! (هكذا كنت اناديه لان ضعيف البنية وهزيل)

قال..اي المطلوب منك بس تراقبه  وتتنصت عليه وتجيبلنا اخباره


قلت..واذا لم افعل


قال..ادزك لاستخبارات الفرقة هناك يسلخون جلدك لو يقنعوك...
...
عصر نفس اليوم كان ستار عصارة يتمشى خلف الساتر الترابي بمحاذاة الطريق الذي يصعد الى مخفر جلات..ذهابا وايابا كعادته وهو يتمتم مع نفسه
عند وصولي اليه رمقته بنظرات غريبة من الاسفل الى الاعلى ..واخرجت من جيبي ورقة وقلم وبدات اكتب ...فضحك وبادرني
- لك شبيك ججو اليوم..شجاك تخبلت؟؟؟


قلت له...لاولك  دا اراقبك..مو خلوني مراقب صف عليكم!!!


انفجر ضاحكا وقال..الحمدلله   انت وموغيرك

قلت له.. زين انت شعندك  سيد عصارة..انت رايح كاضي..تشتغل مجرم ضد الحكومة!!


قال..انت تعرف السيد الوائلي..سامع بيه؟؟


قلت..هذا اللي يطلع باذاعة ايران يلقي محاضرات لو غيره؟؟


قال..اي هو..هذا من اقارب الوالدة بس من بعيد شوية..هاي جريمتي ولو عندي شي خايف منه جان شلعت من زمان لايران مو باقي هنا لابس خاكي

فقلت له مازحا اوكي بعد لاتسويها افتهمت

نعود الى صاحبنا ضابط الاستخبارات ملازم اول (حسين.ف)  الذي ورطني بهذه المهمة السخيفة ..كما ذكرت كانت علاقتي به اكثر من علاقة جندي وضابط..وكنا كثيرا مانتمازح..واحيانا اثناء لعبنا كرة القدم كنت اتعمد اغاضته ..واسقاطه ..وكان احيانا يغضب ويشتمني -طبعا شتائم الجيش معروفة انذاك..قشمر..حيوان ..مطي..الخ من هذه الالفاظ التي كانت ملازمة لحياتنا اليومية!!

جرت الامور هكذا فترة طويلة ..الى ان جاء ذلك اليوم..
كنا نلعب كرة القدم عصرا ..كان ملازم اول (حسين.ف) بدينا بعض الشيء وقصير القامة نسبيا..لذلك لم تكن مواصفاته مواصفات لاعب كرة قدم ولكن كونه ضابطا ..فقد كان ينصب نفسه كابتنا للفريق ويوجهنا اثناء اللعب وكنا نتعمد ان نعمل العكس فيستشيط غضبا ..وكان لذلك احيانا يختار نفسه ليكون قلب هجوم حيث ينصب خيمته عند مرمى الفريق الخصم منتظرا اي كرة تصل هناك ليضيعها او يقف في طريقها وهي ذاهبة لمرمى الفريق الخصم
واحيانا يزرع نفسه امام حارس مرمانا ليلعب مدافع متاخر وياخذ مركزي الطبيعي.. ليكلفني بان العب امامه كمدافع متقدم-
هذه الاخيرة بالذات تسببت في غضبه وزعله مني لفترة غير قصيرة..اذ اثناء اللعب نادى علي ليعطيني توجيهاته وكان يرتدي بدلة الدرع اثناء اللعب..ويضع نطاقه-ابو النسر- قرب خط المرمى
--لك ججو دير بالك من جهة اليمين على المهاجم مالهم كاظم تيكانا..راقبه زين

هنا لاشعوريا قلت له بصوت عالي
--والله ثبرتني ثبيرة..انت تريدني اراقب كاظم لو ستار عصارة!!!!!!


طبعا هنا اهتاج بشكل غير طبيعي ..وبداء بالشتم والسباب..وكان يبحث عن نطاقه..وسط قهقات وضحك بعض الجنود الذين كانوا قريبين منا..ولم اضيع الوقت.فقررت الاختفاء لحين عودة روعه وهدوئه..وبعد ايام ورغم اعتذاري له..الا انه ظل زعلانا وقال لي .ستتسبب بكسر رقبتي ورقبتك بسبب هذه التصرفات.فقلت له سيدي كتلك ما افيدك..انت جلبت بي بعدين الولد ماعنده شي

فقال..هم صدك هو انت ينرادلك من يراقبك!!!


ظل ملازم اول ح.م زعلانا لفترة اكثر من اسبوعين ولايتحدث معي ولايرد سلامي..الى ان صادف يوما ان نزلنا مجازين سوية..وفي كراج العمارة كان الزحام شديدا ..وكان يحمل حقيبته ويرتدي بدلة الدرع فميزته وسط الزحام..وكنت صعدت لتوي الى سيارة الباص-ريم- وحجزت مقعدين وناديت عليه ..فابتسم وصعد واثناء الطريق كان يعاتبني ويذكرني بان هذه الامور ليست لعبة وانما كسران رقبة..واني تصرفت خطاءا..وانه اختارني لانه لايريد ان يؤذي احدا..ولو كان اختار غيري ربما كان ستار عصارة في خبر كان
تاسفت له مجددا وقلت له..
سيدي انسى الشغلة هذيج وهاي الريم بيها 40 راكب بس اشرلي على اي واحد منهم وشوفني شلون اراقبه الك الى ان نوصل لبغداد!!!!!!

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

857 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع