عن طيبة اهل البصرة ..حادثة من ايام الجيش

                                    

                              سلام توفيق

كل العراقيين طيبون وكرماء..لكن لاهل البصرة معزة خاصة على قلبي

                            

كان شتاءا وبرده قارصا وتحديدا في نهاية شهر كانون 2- 1987
توقفت المنشاة التي كنت استقلها من بغداد الى البصرة في احد مطاعم مدينة علي الغربي ..كانت الساعة قد شارفت على الثانية بعد منتصف الليل .. نزلت لامدد ساقي شبه المخدرة من الجلوس الممل .. فقد سبق لي ان نزلت قبل ساعات من منشاة اخرى اقلتني وعشرات الجنود الاخرين من مدينة الموصل الى بغداد..حيث مارست هواية(ابو خليل ) المعروفة في الجري عشرات بل مئات الامتار احيانا وراء المنشئات التي تتجراء وتقترب من كراج النهضة وسط تلويحات (السكن) بيده اليمنى من على فتحة الباب معلنا عدم رغبة استاذه بالتوجه لاي مكان لانهم متعبين ومن الصعب عليهم في اوقات وظروف كهذه بان يحظوا بصيد من الجنس اللطيف يضعونه خلفهم تماما على السطر الاول من المقاعد يكحلون به عيونهم طوال الطريق بعيدا عن الجنود المتمددين في المقاعد الاخيرة يعلو شخيرهم على رائحة النتانة المنبعثة من اقدام قسم منهم ممن نزع (البسطال ) الذي سيمتطيه 28 يوما قادما مرغما
لم اتناول شيئا في تلك الوقفة لانني سبق ان تعشيت مساءا في الوقفة الاولى في مطاعم بيجي المميزة تلك الايام ..ولم يبقى اصلا مع نقود اكثر من دينارين على ما اعتقد وذلك لانني كنت ساستلم راتبي فور التحاقي حيث سيصادف موعد توزيع رواتب المنتسبين
كنت احاول ان ابتعد عن الذكريات الجميلة التي قضيتها الايام السبعة الماضية مع اصدقائي واهلي واحبائي لان ذلك كان يشعرني بغصة في بلعومي تتحول تدريجيا الى مايشبه حجرا صلدا لاوجود له ولكنه يمنع مرور الريق وانزلاقه للاسفل. .ساعود الى وحدتي العسكرية ..الى مفردات كنا نحتقرها عرضات...تدريب....واجبات...جندي شغل... لقد كان القتال ودخول معركة صغيرة احب الى قلوبنا من تلك المفردات
لكني كنت ايضا انظر احيانا الى بعض التفاؤل فهناك مجموعة كبيرة من الاصدقاء في وحدتي ربطتني بهم صداقات رائعة انستنا كثير من الالام والظروف الصعبة... ساعود الى لعب كرة القدم في وحدتنا حيث تنشط بوجودي مع مجموعة اخرى من الجنود المميزين بكرة القدم حيث كانت كل مجموعة تقود فريق السرية التي تنتمي اليها وكنا ننظم الفرق والمباريات والبطولات ايضا
مررت بتفكيري على صديقي البصراوي فلاح حسن اللاعب المميز بسرية المقر وكيف تتصاعد نبرة التحدي بيننا خلال مبارات سريتنا مع سريتهم ويصل الاحتكاك بيننا الى الزعل لساعات بعد كل مبارات ..وينتهي الزعل بالحانوت حيث نتفرج على برامج التلفزيون جنبا الى جنب وكان شيئا لم يكن او ياتيني بصحيفة البعث الرياضي التي يحصل عليها وبالعكس..لكن هذه المرة لم نلحق ان نتصالح حيث زعلنا كالعادة بعد مباراتنا الاخيرة وبعدها نزلنا مجازين حيث اننا في نفس الوجبة ولكن بيننا الف كيلومتر حيث يتجه هو الى البصرة وانا اتجه للموصل ...
قطع تفكيري منبه السائق حيث صعد الجميع لمواصلة الرحلة فصعدت ممنيا النفس بالنوم قطعا للتفكير فامامي لازال ساعتين واكثر لاصل الى مدينة العزير الواقعة منتصف المسافة بين مدينتي العمارة واالبصرة..بقيت مستيقظا تجرني السوالف والدوالغ والذكريات الجميلة فوصلنا مدينة العمارة وكالعادة صعد الانضباط وطلب نماذج النزول ...ثم وصلنا الى قلعة صالح وبدات اقترب كثيرا من العزير فلم يعد يفصلني الا حوالي نصف ساعة !!
بغمضة عين وعلى حين غرة استيقظت فزعا ..يا الهي لقد غلبني النعاس ..ترى اين انا وكم من الوقت نمت كنت اعتقدها اجزاء دقيقة ..قبل ان اجد جنديا مستيقظا اساله عن مكان وصولنا لاحت لي قطعة معدنية مصبوغة بالابيض ومكتوب عليها
(قيادة قوات الحسين)
يا الهي انا الان في مدينة القرنة لقد اجتزنا العزير ذهبت مسرعا للسائق وطلبت منه النزول ...فقال ان هذه منطقة غير ماهولة وخطرة انتظر سانزلك عند تقاطع قريب او جسر يكون امنا
حين نزلت اغلقت جميع سحابات بدلة الدرع التي ارتديها وكان لونها تحول من الزيتوني الى اللون النحاسي وفوقها قمصلة مرقطة ...وبدات اؤشر لجميع السيارات المتجهة نحو العزير فلم يستجيب احدا ..فجاة تذكرت ليس معي الا دينارين ..لا تكفي لصعود تاكسي علي انتظار كوستر او لاندكروز مشكلة جديدة ساواجهها اذا لم اصل قبل العرضات وبداء الوقت يدركني والقلق يربكني
قبل ان ينبلج النهار توقفت سيارة تاكسي بعد ان تعدتني بعشرات الامتار وبدات ترجع للخلف باتجاهي وفتح احدهم الباب الخلفي وصاح
سلام ججو اركض اركض تعال اصعد !!
رميت بنفسي في الحوض الخلفي غير مصدق هذه النجدة نظرت اليه انه صديقي الزعلان فلاح حسن البصراوي!! كان هو الاخر في طريقه للالتحاق بالوحدة قادما من البصرة
التفت لي ..خايب ججو شجابك هنا بهالجولة لا بشر ولاناس
قلت له ..اخذتني الغفوة قبل العزير وماكعدت الا هنا بس انت ابو دماغين شلون عرفتني
اجاب ساخرا وهو يمد يده الى جزدانه ليدفع اجرتي عربون الصلح الجديد

من بدلتك الدرع وقمصلتك مال مغاوير بس اثنين عدهم منها بالجيش انت وتشرشل!!
تشرشل مات...بقيت بس انت عندك منها !!
ضحكت وقلت له باجر العصر عليها نلعب طوبة
اجاب ...اي صارلنا فترة ما متلاغين!!  

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

773 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع