الأباتشى وحدها لا تكفى!

                                      

                         د.هالة مصطفى

اللقاء المرتقب بين الرئيس السيسى ونظيره الامريكى أواخر الشهر الحالى فى نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة،

سيكون الأول من نوعه، وقد يكون أيضا علامة فارقة لبداية صفحة جديدة فى العلاقات المصرية ــ الأمريكية التى شهدت توترا ملحوظا خلال السنة الماضية عقب ثورة 30 يونيو. فقد تأخر اعتراف واشنطن بها واتخذت من الاجراءات السلبية ما كان كافيا لإبعاد القاهرة عنها، كتجميدها لجزء من المساعدات العسكرية لمصر، واستمرارها فى انتقاد أوضاعها الداخلية خاصة فيما يتعلق بملف الديمقراطية وتساوت فيها تقريبا مواقفها الرسمية مع تلك التى عبرت عنها مراكز أبحاثها ومنظماتها غير الحكومية وكان آخرها تقرير منظمة «هيومان رايتس وتش» الذى حمل كثيرا من المغالطات حول فض اعتصامى رابعة والنهضة .


وبغض النظر عن كثير من التفاصيل فان الاعتقاد ساد دوائر صناعة القرار المصرية و الرأى العام، بأن الادارة الأمريكية كانت تدعم حكم الإخوان «غير الديمقراطي» فى مصر خدمة لمصالحها، حتى وان تم تغليفه بعبارات براقة مثل الدفاع عن «الديمقراطية» و«الرئيس المنتخب». والواقع أن دعم واشنطن للإخوان - كما هو معروف - كان جزءا من استراتيجيتها فى المنطقة لاحتواء الجماعات الاسلامية المتطرفة وابعادها عن استهداف الغرب والمصالح الأمريكية تحديدا، وهو ما كان يطلق عليه سياسة اعادة تصدير الارهاب إلى بلاده الأصلية، بغض النظر عن أى عوامل أخرى مترتبة عليه، فضلا عما رأته فى دعم هذا الحكم أى حكم الإخوان، من ايجاد شريك محتمل لحل مشكلة قطاع غزة وتوطين جزء من الشعب الفلسطينى فى سيناء.

لذلك ربما راهنت واشنطن فى البداية على إرجاع الأمور إلى ما كانت عليه أو الى المربع رقم واحد بممارستها المزيد من الضغط على القاهرة. إلا أن مصر بعد 30 يونيو، وفى ظل قيادتها الحالية التى يمثلها رئيسها الجديد المنتخب عبدالفتاح السيسى كانت قد تغيرت، فبات قرارها أكثر استقلالية وامتلكت من الارادة السياسية ما يجعلها لا تقبل أو ترفض إلا ما تمليه عليها مصالحها ومصالح شعبها الذى ثار ضد حكم جماعة الإخوان. فكان أن اتجهت شرقا لتنويع أنماط تحالفاتها الدولية خاصة نحو روسيا، وتوثيق علاقاتها العربية مع الدول التى وقفت بجانبها وقت الأزمة وفى مقدمتها السعودية.

ولا شك أن الادارة الأمريكية تلقت الرسالة واستشعرت جدية الموقف المصرى فبدأت فى مراجعة مواقفها، وجاءت أخيرا أول اشارة إيجابية منها بإعلانها الإفراج عن صفقة طائرات الأباتشى إلى مصر التى كان قد تم تعليقها ضمن تجميد جزء من المساعدات العسكرية فى السابق .

والأهمية السياسية لتلك الخطوة لا تكمن فقط فى جانبها العسكري، وإنما فيما تعنيه من اعتراف أمريكى صريح بنظام ما بعد 30 يونيو وبصحة السياسة المصرية فى حربها على الإرهاب خاصة فى سيناء .

ولكى تكون الصورة أوضح لابد من الإشارة إلى أن تغيير الموقف الأمريكى بالعودة إلى مصر مرتبط بالتحديات التى تواجهها الولايات المتحدة على صعيد استراتيجيتها فى الشرق الاوسط، ومواجهاتها الأخيرة لتنظيم «داعش» المتطرف الذى يسيطر على مناطق واسعة فى العراق وسوريا .

والسؤال هو هل واشنطن بصدد مراجعة تلك الاستراتيجية التى اتبعتها منذ الحادى عشر من سبتمبر وبغزوها العراق واسقاط نظامه ومن قبله أفغانستان، وأخيرا تصدير نوع من «الديمقراطية المختزلة» وكلها مراحل أوعناصر لنفس الإستراتيجية التى وُضعت تحت مسمى مواجهة الإرهاب، بحكم انطلاقها من فرضية الربط بين غياب الديمقراطية وظهور جماعات العنف والارهاب بحيث اعتبرت أن إسقاط الأنظمة غير الديمقراطية هو الحل .

ولكن نظرة سريعة على حال أغلب دول المنطقة تشير الى أن هناك خطأ جوهريا فى هذه الاستراتيجية، فإسقاط الأنظمة القديمة لم يؤد لبديل ديمقراطى بل إلى تفكيك هذه الدول وتحويلها - وهذا هو الأخطر - إلى ساحات مفتوحة لعمل مثل تلك الجماعات من العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى ليبيا و غيرها.

وفى السياق نفسه لم يؤد تبديل واشنطن لتحالفاتها الاقليمية مع إعطائها أدوارا أكبر فى شئون الاقليم لبعض الدول مثل تركيا و قطر وأخيرا انفتاحها على ايران على حساب تحالفاتها الراسخة مع الدول الاقليمية الكبرى مثل مصر والسعودية، إلا لنفس النتيجة، أى لمزيد من الاقتتال والعنف المسلح الذى يعد «داعش» أسوأ صوره بعد «القاعدة».

وبالتالى فان إعادة الدفء إلى العلاقات المصرية الأمريكية، مثلما كان الحال طول التسعينيات عندما شاركت مصر الولايات المتحدة فى حرب الخليج الثانية ورعاية اتفاقيات أوسلو، سيظل مرهونا بمراجعة أمريكا لاستراتيجياتها ككل ولرؤيتها فى كيفية مواجهة الارهاب وإعادة الاعتبار للدور الاقليمى المصري. وتكفى الاشارة هنا إلى أن الوصول إلى التهدئة فى غزة لم يتم إلا عبر الوساطة المصرية رغم سعى واشنطن فى البداية للبحث عن وساطات أخرى (تركية و قطرية) وهو ما ثبت فشله. أى أن هناك قضايا يصعب فيها استبعاد أو استبدال دور مصر الاقليمى كدولة محورية مؤثرة فى محيطها و بالأخص فى القضية الفلسطينية.

نعم، إن مراجعة الاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط هى أمر ضروري، ولكن هل تفعلها ادارة اوباما؟.. صحيح هناك بعض المؤشرات التى ترجح تلك المراجعة (سواء بتغيير موقفها من مصر ما بعد 30 يونيو أو بتراجعها عن فكرة دعم الإخوان، أوبقرارها التصدى لداعش) ولكن يبقى كثير من المواقف غامضا بعد الحديث الأخير الذى أدلى به أوباما إلى الصحفى الأمريكى الشهير توماس فريدمان فى النيويورك تايمز، وتحدث فيه صراحة عن أن نظام ما بعد الحرب العالمية الأولى ينهار فى الشرق الأوسط وأن هناك نظاما جديدا سينشأ، ومعروف أن المقصود بهذا النظام هو ما أسفرت عنه اتفاقيات سايكس ــ بيكو من تقسيم للدول العربية وترسيم حدودها . فهل يعنى أنه قصد بذلك إعادة التقسيم؟ أم أن فوضى ستعم لسنوات طويلة قادمة؟ وماذا سيكون مصير دول الإقليم؟.. أسئلة فى حاجة إلى إجابات خاصة بعد تصريحه أى الرئيس الأمريكى بـ «أنه مازال لا يملك استراتيجية واضحة أو متكاملة للمنطقة». لهذا كله فإن خطوة الإفراج عن «الأباتشي» مازالت غير كافية.

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

753 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع