احلام اليقضة والهروب الى النفس

                                      

                         يوسف علي خان

الخيال هوتخيل صور واضحة المعالم او شبحية الشكل جامدة الهيئة او متحركة يراها المرء في داخل دماغه....ولا اقصد به ما يتركه الضوء أو اشعة الشمس الساقطة على الاجسام من حيز مظلم يراه المرء امام ذلك الجسم الذي يسقط عليه الضوء...فذاك هو  الظل وهو موضوع اخر...

فالخيال إما أن يكون تلقائيا يترائى للمرء وهو جالس مستريح... إذ قلما نجد المرء يتخيل وهو في حالة توتر او ارتباك إلا نادرا مما يتوقعه خلال وجوده في ألازمة او داخل خطر محدق... وما ينتظره  من نتائج او مواقف تزيده خوفا وفزعا  اوالعكس فرصا تراوده للنجاة  من ذلك الموقف ... فيكون هذا التخيل مرتبط
 بالحالة  التي هو فيها ... إذ في العادة لا يمكن ان يتخيل المرء صورا واشكال او احداث بعيدة عن ضروف حياته او لا تؤثر فيها ...غير ان التخيل في حالة الهدوء والسكينة يمكن ان يتوجه به المرء اراديا بما يحلم به ان يكون... او تلقائيا نتيجة ضغوط موقف معين يؤثر فيه فيتخيل اوضاعا قد لا يستطيع تحقيقها على ارض الواقع ...فالخيال والحلم صور واشكال مترابطة غير أن الخيال يحدث خلال اليقضة والحلم يحدث اثناء النوم كما أن الخيال كثيرا ما يكون اراديا عكس الحلم فيترائى للنائم تلقائيا بغير ارادته... فيكون متحررا كثيرا من قيود الواقعية فقد يترائى للمرء اشكال
 وصور قد لا يكون لها وجود على ارض الواقع بل ولا يمكن ان تحدث.... وقد تكون من باب المستحيلات فير اها في الاحلام... فلايوجد شيء اسمه مستحيل في الاحلام فكل شيء ممكن وقابل للتشكيل والرؤى من قبل الحالم... فقد يكون مشهدا تعبيريا لحالة نفسية قلقة او مريضة... فقد يرى انسان ذو ثلاثة عيون او اكثر او براس انسان وجسد حيوان او يرى الانسان نفسه سمكة يسبح في عمق البحار دون أي اداة غطس وغيرها من المشاهد التي يستحيل ان تحدث في واقع الحياة.... وكذا الحال بالنسبة للخيال فهو  لاحدود له ولا قيود .. فقد يتخيل المرء نفسه ملكا وهو مجرد صعلوك بسيط في واقع الحال ..إذ
 يتخيل ذلك تحقيقا لرغبات في النفس واماني بعيدة المنال ... فتخيله يثير في نفسه النشوى ويشعره باحساس من السعادة تنفيسا عن كبت يعاني منه في حياته اليومية.... فهو في معظم الاحوال يتخيل الاشياء الجميلة والمفرحة وقليل ما يتخيل المزعجات أما اثناء الحلم فقد يرى المفرحات والمزعجات على درجة واحدة وخط سواء وبحسب ما يتاثر به من احوال واحداث... إذ كثيرا ما يرى المزعجات التي تقض مضجعه وما يطلق عليها بالكوابيس ... وقد يتطور الحلم أو الخيال ليصبح حقيقة في ذهن الكثيرين خاصة إذا دعمت  بايحاءات من الخارج...  وقد ينظرالى الحلم  من لم يقتنع به ويفهم حقيقة
 حصوله  على انه خرافة في الوقت الذي قد يتطور اكثر في ذهن المؤمن به كي يصبح لديه عقيدة وايمان راسخ بكونه موجود على ارض الواقع... بما يصوره له ذهنه ذاتيا أو عن طريق الايحاء به مِن مَن يحترمهم ويجلهم وتكون لهم مكانة رفيعة في نفسه... وقد ترتفع درجة الرفعة لامثال هؤلاء الوجهاء عند  السذج فيعتبرونهم حججا لا يمكن التشكيك في اقوالهم... يصدقون بكل ما يتحدثون به... فقد يكون هؤلاء اساتذة في المدارس او دعاة بالمحافل العامة المتنوعة بل ولربما حتى من ولاة الامور في العائلة الواحدة إذ قد يتأثر بهذه الايحاءات الامييون والجهلة بشكل اوسع واسهل من
 المثقفين غير ان هذا لا يمنع ان يؤمن بها ويصدقها العديد من المثقفين إما ايمانا صادقا بها او تمشية لمصالحهم وتحقيقا لاهدافهم .. ومع ذلك فالمثقفون النزيهون الشرفاء لايتقبلون أي شيء او كلام دون تمحيص ودراسة معمقة فيدركون ان ما يحلمون به هو مجرد توارد افكار وصور ذهنية متشابكة يرسمها العقل من خلال مؤثرات خارجية او انفعالات نفسية او توترات عصبية.... فهي مجرد اوهام ليس إلا... مهما ترأت لهم كصور او افلام واحداث... لقناعتهم باستحالة حدوثها او لعدم منطقيتها فيكتشفون حقيقة رؤيتهم لها خلال النوم او ما يتخيلونه عند يقضتهم ...فعندما يتحدث الجاهل
 عن ((السعلوة)) مثلا فسرعان ما يضع لها صورة مرعبة مخيفة مع انه في الواقع ليس هناك مثل هذه ((السعلوة )) سوى في اذهانهم المريضة ... غير انه لو سمع شخص مثقف من اخر عن ((السعلوة)) فإنه سيسخر منه بكل تاكيد علنا او في سره وفي دخيلة نفسه... لانه يعلم يقينا بانه لا يوجد مثل هذا الوحش المزعوم ... وقد يعتقد الكثيرون بأن الحديث عن الخيالات الوهمية لا تجد رواجا وقبولا عند الناس ... ولكن للاسف فهو اعتقاد خاطيء... فعلى العكس فإن هناك الملايين من البشر يؤمنون ايمانا راسخا بوجود الكثير من الاشياء مما لا يرونها غير انهم يضعون لهم صورا لها بما يتلائم واهوائهم
 وما يرغبون ان تكون عليه... وقد يستعرضون في اذهانهم الاف الافلام والصور يؤكدون بها حقيقة وجودها بالشكل الذي يصفونه للناس مؤكدين لهم حقيقة وجودها مع انها لاوجود لها سوى في عقولهم المتخلفة ...فكثيرا ما حدثني اشخاص عن اماكن لم يروها ولكني اجدهم يصفونها وصفا دقيقا وكانها ماثلة امامهم كحقيقة مادية ثابتة وقد يستغرق هذا الوصف اكثر من ساعة يشرحون لي فيها دقائق تفاصيلها... كأن تكون مدينة او بلد من البلدان يصفون حدائقه وانهاره ونظام شوارعه وطيب هوائه وجمال مناظره .. أو يتحدثون عن شخص يمجدونه فيصفونه بكل ما في الوصف من تبجيل وتعظيم وحسن خلق
 ورجاحة عقل وعظم منجزات واستقامة سجايا وقسطاط عدل... مع انهم لم يروه على ارض الواقع بل ولربما هو عكس ما يصفوه و يكون قد مات منذ الاف السنين ..فذهن الناس لا حدود له إذا انطلق جاء بالمعجزات وهم يرون كل ذلك في مخيلتهم كحقيقة واقعة وإ ذا ناقشتهم في تقديم الدليل ثارت ثائرتهم ويعتبرونه تشكيك فيما يقولون  وطعنا في عقولهم... وكثير من هؤلاء يعانون البؤس والفقر والشقاء والكبت  والحرمان فيستعيضون عن كل ما يشعرون به بما يصوره لهم ذهنهم من تخيلات في مجاله الفسيح فيحققون امنياتهم ويشبعون حرمانهم على الاقل في ذهنهم المتخلف . فيكون امثال هؤلاء سهلي
 الانقياد من المشعوذين والمروجين الكذابين والسماسرة الدجالين .. فهناك مثلا من يبحث عن الهجرة الى غير بلده هربا من ضغط واستبداد  او بحثا عن فرص عمل فيظهر عليهم هؤلاء السماسرة مما يستغلون معاناتهم باغرائهم بشتى الحلول او باخراجهم من بلدانهم الى اماكن اكثر امنا او حياة افضل يجدون فيها السعادة الابدية  او يجدون فيها فرص عمل او تشجيعا لانتماء الى واجهات سياسية او معتقدية مقابل فروض معينة  أو اموال قليلة  او تضحيات بسيطة قياسا لما سيحققونه من مكاسب ومنافع عظمى... متخذين اساليب الوعظ والارشاد في بعض الاحيان والمدح والاطراء محلقين بهم
 في تخيلات واسعة وسراب بعيد... قد يتفاعل في اذهانهم فياتيهم خلال نومهم كحلم جميل.... فيجعلوا من هذه الاحلام تعبير عن واقع في المجهول من عالم الغيبيات.... فيرسمونه في اذهان السذج من الناس  كواقع اكيد... يؤمنون به ايمانا مطلق.... ويصدقون دجل هؤلاء السماسرة من اصحاب الفكر الدهاة الماكرين او اصحاب التوجه السياسي اللعين.. فيخدعون فيه الناس .. مثل ما كانت تفعل القيادات السياسية  في وقت من الاوقات من اجل كسب الكوادر  والمؤيدين فيعقدوا لهم الاجتماعات أو يلقون عليهم الخطب الرنانة وهم يصفقون..... فيصفون لهم محاسن المبدأ الذي يروجون له ومكاسبه من
 خلال شعاره  (( في الحرية والعدالة الاجتماعية   )) فقصر منيف واموال تتناثر عليهم مثل المطر الغزيرتنتشلهم من فقرهم المدقع..  وعروس حسناء يتزوجونها بالمجان وحياة تملاها البهجة ويعمها السرور وخلاص من بؤسهم وشقائهم ومعيشتهم في اكواخ الطين .. وهذا ما يفعله كل الدعاة والمدعين في أي محفل دنيويا كان او من عالم الكهنوت .. ولكن كي يحصلوا على كل ذلك --- عليهم ان يقدموا التضحيات الجسام ويناضلوا نضالا مرير... فيدفعونهم في خيال وهمي الى اسود مصير وهم مغيبون يسرحون في خيالاتهم هذه يواجهون السعيروالموت الزئام وهم لا يشعرون... وتذهب كل احلامهم
 وخيالاتهم التي طبعها الدعاة والقادة والمرشدون بعد فقدانهم لحياتهم عندما يقتلون ويقبعون في حفرة صغيرة  ويوارى فوقهم التراب ولم يحصلوا ولو على ذرة مما كانوا يوعدون ...وهكذا نجد العالم الثالث يعيش في عالم من الوهم وشرود في الخيال يسرحون فيه.... يرون خلاله صور راسخة في الذهن وكثيرا ما تنقلب الى احلام تراودهم ليلا بانماط مختلفة سريالية  ممتزجة بما يعيشه المتخيلون من معاناة حياتية صعبة  فتغدو لديهم كوابيس تقض مضاجعهم وتحيل حياتهم الى جحيم.... فالاحلام كما شرحها فرويد وجماعته من الرواد مزيج بين الواقع المرير والخيال الرائق الجميل
 فتترائى للمرء باشكال متنوعة  كثيرا ما تعبر عن رمزية لا تنسجم مع ما يحدث في الحياة فتصيب المرء بالعقد والوساوس وقد تدفعه الى المهالك في سبيل ما يتخيله او يحلم به او ما يوحى إليه من المشعوذين.... وهو ما يسري على جميع مناحي الحياة وفي مختلف نشاطاتها فلا تقتصر على جانب منها فطرق الدجل متعددة والدجالون (( على قفا من يشيل )) كل يسلك طريقا معينا في خداع السذج والجهلة والامييين...  يبرز به ويجيد تنفيذه  خاصة  وأن اكثر سكان العالم من هذه الاصناف يبتزهم المثقفون والدهاة من النخبة الفاضلة والنزيهين الطيبين الصالحين  الصادقين المؤمنين بالعقيدة
 والنضال ولا غاية لهم سوى خدمة الاخرين... فالطفيلييون دائما هم اصحاب الحضوة والفوز العميم... يعيشون على سذاجة الناس وحاجتهم وبساطة تفكيرهم  فالشعوب هم الضحايا في الاول والاخير ...!!!
 
 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

673 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع